< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : المقام الثاني: لو كان المعدن في الأرض المفتوحة عنوة :

بعد أن قدمنا البحث حول المقام الأول وهو حكم تعلق الخمس بالمعدن المستخرج من الأراضي المختلفة من حيث الملكية وإباحة التصرف نبدأ في البحث حول المقام الثاني: وهو حكم المعدن في الأرض المفتوحة عنوة.

قال السيد الإمام (ره):

«ولو كان المعدن في الأرض المفتوحة عنوة، فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين وأخرجه أحد منهم ملكه، وعليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين، و إلّا فمحلّ إشكال.كما أنّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال.

و إن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج و عليه الخمس و لو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة»[1]

يظهر بالتأمل في عبارة السيد الإمام أنه رحمه الله قد ذكر جهتين من البحث في عبارته:

الجهة الأولى: حكم ملكية المعدن في الأرض المفتوحة عنوة من حيث المخرج ومن حيث إذن والي المسلمين وعقيدة المخرج.

الجهة الثانية: حكم تعلق الخمس بالمعدن المذكور.

وقد فصّل السيد الإمام في المتن فی الجهة الأولى -أي من جهة الملكية- بين ما إذا كان المعدن في الأرض المعمورة المفتوحة عنوة حال الفتح، و بين ما إذا كان في مواتها، فاختار الملكية في الصورة الأُولى إذا كان بإذن والي المسلمين و وليّهم، واستشكل في مورد عدم الإذن، مثل ما إذا كان المخرج كافراً، وأمّا الصورة الثانية أي الأرض الموات فاختار فيها الملكية بشکل مطلق وعدم تقييدها بقيد ولو كان المخرج كافراً، كسائر الأراضي المباحة.

وأما الجهة الثانية من حيث وجوب الخمس فلم يفصّل فيها بل يتعلق الخمس بالمعدن مطلقا من دون خلاف. والخلاف الموجود إنما هو في تعيين مؤدي الخمس، فهل يجب الخمس على المالك أو على المستخرج.

والإشكال الذي خطر ببال السيد الإمام بقوله (فمحلّ إشكال) أو بقوله (ففي تملّكه إشكال) وكذلك ما ذكره السيد اليزدي وغيرهما فواضح أن مرادهم هو الإشكال في تملك المعدن في بعض صوره لا في وجوب الخمس.

نعم إن تملك المعدن في الأراضي المفتوحة عنوة وقع موقع الخلاف بين الفقهاء فيقول المشهور منهم بعدم ملكية المعدن في الأرض المعمورة، لأن المعدن في مثل هذه الأرض يملكه صاحب الأرض وهو الذي قد أحياها، وقد ملكها بالإحياء وملكية المعدن تابعة لملكية الأرض .

وأما المَوات منها فيملك المعدن من يحيي المعدن أي يخرجها لأنها ملك للإمام والإمام أباحها لمن يحييها.

و للبعض في هذا البحث إشكال بل إشكالات عديدة كالسيد الخوئي الذي استشكل بخمسة إشكالات على ملكية المعدن المستخرَج من الأرض المفتوحة عنوة: بأن الأراضي هي ملك للمسلمين، وأما المعدن فليس ملكاً للمسلمين حتى يقال بملكيته للمستخرج، لأن الأدلة بقسميها من المعمورة ومواتها إنما تشمل ظاهر الأرض ولا تشمل باطنها، لأن أدلّة الملكية للمسلمين في الصورة الأُولى وللإمام في الصورة الثانية قاصرة عن الشمول للباطن، ولو في الأعماق القليلة كأربعة أمتار أو خمسة.

فلذلك يفصّل بين المعادن التي تستخرج من ظاهر الأرض والتي تستخرج من باطنها، فيملك المستخرج الثاني و لا يملك الأول.

وأما السيرة العقلائية القائمة على التبعيّة تختصّ بالأملاك الشخصيّة دون المقام، بل ربما يدّعى قيام السيرة على الخلاف.

وأما في خصوص ملكية الكافر الذمي بالنسبة إلى الأراضي المباحة ففي المعمورة كما قال السيد الإمام باشتراط الإذن وعدم ملكيته في صورة عدم الإذن، فلا يملكه أحد منهم، وكذلك الكافر، وأما بالنسبة إلى الموات منها فيملك المعدن كل من أحياه، وهذا هو مقتضى إطلاق أدلة الإحياء، لأن الملك في أدلة الإحياء إنما هو الإحياء فقط من دون تقييد بأي قيد.

كما قاله السيد اليزدي في العروة ولم يعلق عليه أحد.

وأما إذا كان في الأرض الموات حال الفتح فالظاهر أن الكافر أيضا يملكه‌ وعليه الخمس[2] وقد صرحت به النصوص:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) يَقُولُ أَيُّمَا قَوْمٍ أَحْيَوْا شَيْئاً مِنَ الْأَرْضِ وَ عَمَرُوهَا فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا وَ هِيَ لَهُمْ.[3]

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (ع) قَالَ: فِي رَجُلٍ أَبْصَرَ طَيْراً فَتَبِعَهُ حَتَّى وَقَعَ عَلَى شَجَرَةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَخَذَهُ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) لِلْعَيْنِ مَا رَأَتْ وَلِلْيَدِ مَا أَخَذَتْ.[4]

فإطلاق دليل الإحياء يشمل المسلم والكافر لأن المهم في الدليل وفي دلالته إنما هو الاستيلاء المطلق.

فلذلک لو أحيي الذمي أرضا مواتا فهو يملكها ويملك ما يخرج منها.

فهنا كذلك لشيخ الطائفة الطوسي بيان آخر في ملكية الكافر الذمي بالنسبة إلى المعدن الذي يخرجه في الموات من الأرض المفتوحة عنوة.

يقول: الذمي إذا عمل في المعدن يمنع منه، فان خالف وأخرج شيئا‌ منه ملكه، ويؤخذ منه الخمس[5]

فكلام الشيخ له جهتان : الأولى: المنع من استخراج الذمي في الأرض المفتوحة عنوة.

والثانية: لو خالف وأخرج في ملكه.

و أما صاحب المدارك ينقل كلام الشيخ ويناقشه ويقول:

قال الشيخ رحمه اللّه: يمنع الذمي من العمل في المعدن لنفسه، فإن خالف وأخرج شيئا منه ملكه وأخرج خمسه ولم أقف على دليل يدل على منع الذمي من ذلك[6] .

وبما أن كلام الشيخ وكذلك ساير الفقهاء قابل للمناقشة ومثل هذه الإشكالات كثيرة جداً فلا ندخل في هذا الجانب من البحث لأن التحقيق يقتضي أن يقال: إنّ ما يرتبط بالمقام وبما نحن فيه إنّما هو البحث في ثبوت الخمس في‌ المعدن الذي صار مملوكاً ولا إشكال فی وجوبه، وأمّا تفصيل صور الملكية وتمييزها عن غيرها فله مقام آخر لا يرتبط بما نحن فيه فلذلک نترك البحث إلى مظانه کما تحدث عنه الفقهاء كصاحب الجواهر وغيره في كتاب إحياء الموات.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo