< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/01/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أدلة منكري اشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف بالفروع:

بعد أن ذكرنا أدلة المثبتين لقاعدة الاشتراك أوضحنا كيفية الاستدلال بها، ثم أشكلنا عليها وناقشناها وأثبننا عدم صلاحيتها للاستدلال في المقام، فبقيت القاعدة بلا دليل وغير ثابتة.

لأن الخطاب في جُلّ الآيات القرآنية وجميع الروايات في تشريع الأحكام والتكاليف الفرعية موجه إلى المؤمنين، إلّا في بعضها؛ حيث خوطب فيه الناس و العباد، و قد عرفت توجيهه، ولأن إثبات القاعدة يحتاج إلى دليل ويحتاج إلى إحراز دليليه الدليل، وما دام لم يحرز إثباته و لم يحرز دليليته فلا يمكن القول باشتراك الكفار مع المسلمين في التكليف بالفروع.

بناء على ذلك لا نحتاج إلى ذكر أدلة المنكرين في المقام بل عدم الدليل على القاعدة دليل على عدم ثبوتها.

توهم وإيضاح

وقد توهم البعض أنّ كبرى هذه القضية (عدم الدليل دليل على العدم) لا صغرى لها في المقام؛ لأن العقل العملي يحكم بوجوب شكر المنعم و إطاعة أوامره.

فبناء على ذلك وجوب إطاعة حكم اللَّه واتّباع دينه ثابت بحكم العقل، فکيف يمکن الاستدلال بالكبرى المذكورة، بل إن حكم العقل بوجوب شكر المنعم وإطاعة حكمه أدلّ دليل على تكليف‌ الكفار بالفروع؛ إذ الفروع ليست إلّا أحكام اللَّه.

لكن بالتأمل في كيفية استدلال المتوهم يظهر أنه لا أساس لهذا الكلام، لأن العقل يحكم بوجوب شكر المنعم، وبعد هذا الحكم يحكم أيضاً بلزوم تعلّم أوامر اللَّه وأحكامه من أنبيائه، لكنه لا يتدخل في تعيين أحكام الله؛ لأن أحكام الله توقيفية ولا يمكن إحرازها إلا بطريق النقل، ومن الواضح أن الكافر الذي لم يؤمن بالله ولا بأنبيائه كيف يستطيع أن يتعلم أحكام الله من أنبياء الله ؟!

فعدم الدليل وعدم الحجّة الشرعية على إثبات حكم اللَّه ، دليل على عدم التكليف بحکم الله.

وهذا هو المقصود من احتياج تكليف الكفار بالفروع إلى الدليل الصالح الذي قد أحرز دليليته.

ولكن بما أن المنكرين ذكروا أدلة لنفي الاشتراك فنحن تبعا للنهج المتداول بين الفقهاء نذكر بعض أدلتهم في مقام نفي الاشتراك.

 

الدليل الأول: حكم العقل.

أول دليل استدل به في المقام من جانب المنكرين هو الاستدلال بحكم العقل، وكيفية الاستدلال هي على الشكل التالي: إن العقل يحكم بأنّ من لم يؤمن بالأصول لا يمكن تكليفه بالفروع.

لأن التكليف بالفروع فرع الالتزام بالأصول أي أصول الشريعة.

وهذا الدليل واضح دليليته ولا يمكن إنكاره لأن حكم العقل بذلك ثابت ومسلّم بأن من لم يؤمن بالأصل فتكليفه بالفروع قبيح بحكم العقل.

إلا أن يقال بتكليفهم بالفروع تبعا لتكليفهم بالأصول، أي من لم يؤمن بالأصل فهو مكلف بالأصول أولا ثم بالفروع ثانيا، وهذا هو المقصود مما قلنا سابقا من تكليف الكفار بالفروع في طول تكليفهم بالأصول، وإلا يستحيل تكليف الكفار بالفروع في عرض الأصول.

وهو ما أشار إليه الشيخ الأنصاري وذكرناه سابقاً، ولكن الفرق بين ما نقوله وما قاله الشيخ في بيان وجه الاستحالة هو الخلاف في الملاك بيننا وبين الشيخ الأنصاري.

لأن الشيخ كان يعتقد بأن وجه الاستحالة هو جهل الكفار بالأحكام الفرعية وغفلتهم حيث قال في الجواب عن نصوص المقام : إنّا لا نقول بكون الكفار مخاطبين بالفروع تفصيلًا، كيف؟ و هم جاهلون بها غافلون عنها؟

ولكننا نقول بأن وجه استحالة تكليفهم بالأحكام الفرعية هو إنكارهم للرسالة وعدم اعتقادهم بالإسلام. فتكليفهم بالفروع قبيح، بناء على استحالة تكليفهم كما أوضحنا.

لأنه لو كان الملاك في استحالة تكليف الكفار بالفروع هو الجهل والغفلة عن الأحكام الفرعية فهو موجود في بعض المؤمنين فهم أيضا غافلون عن الأحكام كبعض الشباب بالنسبة إلى الصلاة والصوم وغيرهما ولكنهم مكلفون بها والغفلة لا تمنعهم من التكليف؛ وذلك لأن الجاهل والعالم مشتركان في التكليف وهذا الاشتراك يعد من الضروريات التي لم يخالف فيه أحدٌ.

 

الحمد لله ربّ العالمين

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo