< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/01/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الدليل الرابع: الاستدلال بالنصوص.

قال رسول اللّه (ص) : خَصلَتانِ لَيسَ فَوقَهُما مِنَ البِرِّ شَيءٌ : الإيمان بِاللّه ِ، وَالنَّفعُ لِعِبادِ اللّه.

وخَصلَتانِ لَيسَ فَوقَهُما مِنَ الشَّرِّ شَيءٌ : الشِّركُ بِاللّهِ، وَالضَّرُّ لِعِبادِ اللّه[1] .

وهنا نقاط ينبغي الالتفات إليها:

أولاً: هل الخير والشر في هذا الحديث بالنسبة إلى كل واحد من الخصلتين منفصلتين وعلى حدة؟ أي لا بر فوق الإيمان بالله، ولا بر فوق النفع لعباد الله، أو أن الخير والشر في هذا الحديث هو بالنسبة إلى الخصلتين مجتمعتين؟ أي لا بر فوق الإيمان والنفع لعباد الله معاً؟ ولا شر فوق الشرك مع الضر لعباد الله مجتمعين؟

الظاهر هو الثاني تأييداً لما ورد في الروايات في تعريف الإيمان وجعله أجزاء وشرائط ومنها العمل بالأركان، ولعلماء الكلام بحث ونقاش حول شرطية العمل بالأركان للإيمان وعدم جزئيته للإيمان.

وتأييداً لما في الروايات من عدم ترك العمل لأجل العقيدة وعدم ترك العقيدة لأجل العمل.

يضاف إلى ذلك أنه لو قلنا بأفضلية كل واحد من الخصلتين من دون ربط بينهما يستلزم القول بأن النفع لعباد الله من دون الإيمان بالله كذلك ليس فوقه بر، والحال أنه ليس كذلك بل البر الدنيوي من دون الإيمان والعقيدة لا قيمة له إلا في الدنيا وعند أهلها، وأما في الآخرة فلا يستحق فاعله شيئا من الله، نعم يمكن إثابته من الله من باب التفضل لا الاستحقاق، كما ورد في قضية ابنة حاتم الطائي مع رسول الله (ص) حينما قال: لو كان أبوك مسلماً لترحّمنا عليه.

2 – النفع و الضر مطلق ويشملان جميع عباد الله عز وجل، و لا يختص بالمؤمنين فقط وأصحاب دين واحد ومذهب واحد. ويشمل النفع والضر المادي والمعنوي والعلمي والأخلاقي والروحي والنفع و الضر القولي والعملي.

3 – سر التركيز على النفع والضر في جنب الإيمان أن النفع هو العامل الأساس في جذب محبة الناس، والضر هو العامل الأساس في نشر العداوة بين الناس، وأن المجتمع الإسلامي بحاجة إلى نشر المحبة والحدّ من انتشار العداوة.

فكل إنسان لابد له من تطبيق هذه النقطة على حياته قولا وعملا وعقيدة وسلوكاً.

 

عودة إلى البحث الفقهي:

الدليل الرابع: الاستدلال بالنصوص.

من الأدلة التي ذكرت فيما نحن فيه الاستدلال بالنصوص والروايات التي جمعت بين التكاليف العقدية والتكاليف الفرعية وهذه النصوص وردت في بعض أبواب الفقه كأبواب مقدمة العبادات التي جمعها الشيخ الحر العاملي في الوسائل في كتاب الطهارة ، ونذكر هنا بعضا منها:

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ ؛ وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ جَمِيعاً ، عَنْ صَفْوَانَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ ، قَالَ :دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ عليه‌السلام ـ وَهُوَ فِي مَنْزِلِ أَخِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ـ فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا حَوَّلَكَ إِلى هذَا الْمَنْزِلِ؟ قَالَ: طَلَبُ النُّزْهَةِ فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، أَلَا أَقُصُّ عَلَيْكَ دِينِي؟ فَقَالَ: بَلى. قُلْتُ : أَدِينُ اللهَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شريك لَهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَارَيْبَ فِيهَا ، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَحِجِّ الْبَيْتِ ، وَالْوَلَايَةِ لِعَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم ، وَالْوَلَايَةِ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ، وَالْوَلَايَةِ لِعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، وَالْوَلَايَةِ لِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَلَكَ مِنْ بَعْدِهِ ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ـ وَأَنَّكُمْ أَئِمَّتِي ، عَلَيْهِ أَحْيَا وَعَلَيْهِ أَمُوتُ ، وأَدِينُ اللهَ بِهِ.

فَقَالَ: يَا عَمْرُو ، هذَا وَاللهِ دِينُ اللهِ وَدِينُ آبَائِيَ الَّذِي أَدِينُ اللهَ بِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ ، فَاتَّقِ اللهَ ، وَكُفَّ لِسَانَكَ إِلاَّ مِنْ خَيْرٍ ، وَلَا تَقُلْ : إِنِّي هَدَيْتُ نَفْسِي ، بَلِ اللهُ هَدَاكَ ، فَأَدِّ شُكْرَ مَا أَنْعَمَ اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِهِ عَلَيْكَ ، وَلَا تَكُنْ مِمَّنْ إِذَا أَقْبَلَ طُعِنَ فِي عَيْنِهِ؛ وَإِذَا أَدْبَرَ طُعِنَ فِي قَفَاهُ، وَلَا تَحْمِلِ النَّاسَ عَلى كَاهِلِكَ؛ فَإِنَّكَ أَوْشَكَ ـ إِنْ حَمَلْتَ النَّاسَ عَلى كَاهِلِكَ ـ أَنْ يُصَدِّعُوا شَعَبَ كَاهِلِكَ[2] .

 

أو كرواية أحمد بن محمد بن خالد البرقي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنِ النَّضْرِ عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (ع) جُعِلْتُ فِدَاكَ أَخْبِرْنِي عَنِ الْفَرَائِضِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَا هِيَ؟

فَقَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ (ص) وَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَ الْخُمُسُ وَ الزَّكَاةُ وَحِجُّ الْبَيْتِ وَ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْوَلَايَةُ فَمَنْ أَقَامَهُنَّ وَسَدَّدَ وَقَارَبَ وَاجْتَنَبَ كُلَّ مُنْكَرٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ[3] .

وروي في الفقيه بسند الصدوق إلى سليمان بن خالد[4] .

أوکمجموعة من الروايات التي تصرح بأن الإسلام بني على خمس

مثل ما روی وَ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ الزِّيَادِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ عَنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي‌ حَمْزَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَ الزَّكَاةِ وَ الصَّوْمِ وَ الْحَجِّ وَ الْوَلَايَةِ وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْ‌ء مَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ[5] .

ووجه دلالة هذه الروايات أنها جمعت بين الأصول والفروع وجعل الخطاب للجميع لا للمؤمنين فقط، وأنّ ابتناء جواب الإمام على ما قيل له في السؤال يقتضي اشتراك التكليف بين الكفّار والمؤمنين. وكذلك روايات بناء الإسلام على خمس وعرض الدين على الإمام، فكل ذلك يقتضي اشتراك التكليف للكفار والمسلمين.

وفيه: يمكن الجواب عن الاستدلال بهذه الرواية بما أجبنا آنفاً عن عموم بعض الآيات من إرادة خصوص المؤمنين وعدم حساب الكفار من الناس، فضلًا عن كونهم عباداً. هذا، مع أنّ التعبير بالعباد إنّما جاءَ في كلام السائل، دون الإمام.

و لكن الأصح في الجواب: أنّ التعبير المزبور، و إن جاءَ في النصوص‌ المتواترة، إلّا أنّه إمّا بلحاظ ما قلناه من كون جميع الناس مكلّفين بالفروع في طول تكليفهم بالأصول، أو بلحاظ ما قال بعض المحققين من عدم عدّ الكفّار من العباد فانّ أولئك كالأنعام، بل هم أضلّ.

وآما حديث: «بُنِيَ الاسلام على الخَمس» لا ريب في كون دين الإسلام مجموع التكاليف والأحكام الفرعية، ولكن الكلام هنا وفي ما نحن فيه في كون الكفّار مكلّفين بالتكاليف الفرعية مستقلًا عن الأصول، و في عرض الأصول لا طولها، كما بيّناه.

فالی الآن لم نعثر على دليل يدل على إثبات اشتراك الكفار مع المؤمنين في التكليف بالفروع في عرض الأصول.

الحمد لله ربّ العالمين


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo