< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة في وجوه الجمع بين الخبرين:

قد ذكرنا بعض الوجوه والتوجيهات التي ذكرها الفقهاء في مقام الجمع بين الخبرين المتقدمين لرفع التعارض بينهما في تعيين الحد في نصاب خمس المعدن، وانتهينا إلى التوجيه الذي ذكره البعض بأن الرواية الثانية مشتملة على سقط وهو سقوط لفظة العشرين منها، ففي الحقيقة ليست الروايتان متعارضتان، بل متوافقتان في تعيين الحد، وإذا كان هكذا فلا تعارض في البين أصلاً.

ومن الواضح أن هذا التوجيه كسائر التوجيهات، يحتاج إلى الدليل ويحتاج إلى وجود قرينة تثبت ذلك، وهنا في تبيين هذا التوجيه كلام للسيد الشاهرودي لأنه يعتقد بسقوط هذه اللفظة (عشرين) من الحديث.

فلذلك بعد أن ذكر السيد الشاهرودي بعض التوجيهات يقول:

و هكذا يثبت: عدم تمامية شي‌ء من وجوه الجمع الدلالية أو السندية بين الروايتين، ....

نعم يمكن أن يُدّعى الوثوق بانّ الرواية الثانية مشتملة على سقط، وأنها كانت هكذا (إذا بلغ قيمته عشرين دينارا ففيه الخمس) فسقطت كلمة عشرين في كتاب البزنطي، و الشاهد على ذلك عدة أمور:

1- إنّ تحديد القيمة يكون بالعدد عادة، فلو كان النصاب ديناراً واحداً كان ينبغي أن يقول إذا بلغ قيمته ديناراً واحداً، ولا يكتفي بقوله ديناراً، إذ التنوين للتنكير لا للوحدة، و إنما يفهم ذلك منه بدلالة إطلاقية، و هو غير مناسب مع مقام التحديد.

2- نقل البزنطي نفسه للرواية الأولى، ولرواية اعتبار النصاب في الكنز، وبتعبير مقارب جداً مع هذا التعبير، بحيث لو أضفنا كلمة عشرين في هذه الرواية كانت كأنّها رواية واحدة، صادرة في مجلس واحد.

3- استبعاد اختلاف نصاب الكنز و المعدن عن الغوص في نفسه، بحيث يكون الغوص أشد حالا من المعدن خصوصا معدن الذهب والفضة وبالأخص الكنز، فيكون فيما قيمته دون العشرين الى الدينار الواحد في الغوص الخمس بخلاف الكنز و المعدن.

4- استبعاد كون الدينار الواحد نصابا في نفسه، فانه غريب لا سابقة ولا معهودية فقهية أو متشرعية له، بخلاف عشرين ديناراً الذي هو نصاب معروف مركوز ومتناسب في باب الزكاة.

فمن مجموع هذه القرائن ربما يطمئن بانّ الرواية الثانية للبزنطي كانت كروايتيه الأخيرتين وقد سقطت كلمة (عشرين) منها في مقام النقل أو الاستنساخ، و بذلك يرتفع موضوع المعارضة في البين، و بناء عليه لا بد من اعتبار النصاب في الغوص عشرين ديناراً حينئذ خلافا للمشهور ووفاقاً للشيخ المفيد (قدّس سرّه)[1] .

فنقول: نعم هذه الموارد من الاحتمالات التي يمكن القول بها في مقام الجمع بين الخبرين، ولكن البعض منها إذا لم نقل كلها قرائن حدسية، إضافة أنه بسبب الاستحسانات وقياس البعض بالبعض الآخر، وفي الحقيقة إن السيد الشاهرودي بسبب هذه الحدسيات بلغ إلى تلك النتيجة، مع أنه لا يوجد عنده قرينة لفظية على ذلك السقط إلا الاستبعادات التي ذكرها السيد، ولم يدّع أحد وجود نسخة تصرّح بـكلمة "العشرين" في الرواية، فلذلك نحن نعتبر أن هذه الموارد احتمالات لا أكثر، وإثباتها أو القول بها يحتاج إلى دليل، لأنه مع القول بهذه الاحتمالات وسقوط لفظة العشرين فيبقى الإشكال من جهة إرجاع الضمير وغيره.

نعم لا شك في أن هذه الاحتمالات لا سيما البعض احتمالات معقولة.

توجيه السيد الخوئي:

ومن التوجيهات في مقام الجمع: اختصاص نصاب دينار بالغوص، والعشرين بالمعدن.

و هو الذي قاله السيد الخوئي في مستند العروة: يمكن أن يقال: إن الدلالة أيضا قاصرة، وإن الجواب ناظر إلى الغوص فقط دون المعدن كما أشار إليه في الوسائل، كما يكشف عنه تذكير الضمير في قوله: (قيمته) الراجع إلى ما يخرج من البحر دون المعادن، وإلا كان مقتضى القواعد تأنيثه كما لا يخفى.

فكأنه عليه السلام أعرض عن بيان حكم المعادن لوجود من يتقى منه‌ بحيث لو بين الواقع وأن فيها النصاب عشرين دينارا لكان على خلاف التقية، ولو بين خلافه لكان كذبا، ومن ثمَّ أعرض واقتصر على حكم الأول[2] .

و يؤيد ما قاله السيد الخوئي ما ذكره الشيخ الحر العاملي في ذيل الحديث و قال: اشتراط بلوغ الدينار إنما هو في الغوص لا في المعدن[3] .

نعم يمكن القول بأن هذا التوجيه في مقام الاستدلال و رفع التعارض بين الدليلين من أحسن الوجوه، لأنه قد جمع بين الخبرين وجمع بين صدر الحديث وذيله، وطبق الجواب على السؤال بحمل ترك جواب الإمام على التقية، لأن الإمام بما أنه كان يعرف الأوضاع والحاضرين قد أعرض عن الإجابة عن الشق الأول من السؤال؛ وهو الإجابة عن نصاب خمس المعدن، وإنما أجاب بنصاب خمس الغوص فقط، فيرتفع بذلك أيضاً إشكال آخر، وهو إعراض المشهور عن هذا الحديث، مع فرض عمل المشهور بل الجميع بهذا الحديث في مسألة الغوص.

فيصبح الحديث معمولاً به، وليس معرضاً عنه، لأن مشهور الفقهاء، لو لم نقل جميعهم قد عملوا به في الغوص.

وحتى لو قلنا بعدم صحة حمل الحديث على التقية، فيمكن القول بأنه ترك الجواب لجهة خاصة و لو لم تكن هذه الجهة هي التقية.

فهذا تمام ما قيل في مقام الجمع.

 

ومقتضى التحقيق و القول المختار:

والذي يمكن القول بأنه مقتضى التحقيق هو تعلق الخمس بالمعدن إذا بلغ عشرين ديناراً، وأما ما دونه فليس بواجب، وبما أن صحيحة البزنطي الأولى لا مجال للخدشة فيها، ولا في دلالتها، فهذا هو مقتضى التحقيق حسب ما يستفاد من الأدلة، و أما من جهة وجود إطلاقات كثيرة في النصوص العديدة من دون ذكر نصاب في تعلق الخمس، ومن جهة أخرى وجود معارض مثل حديث اعتبار دينار واحد، وشهرة القول، وإعراض المشهور وغيرها من القرائن المتعارضة في الجمع بين الخبرين.

مما ذكرناه في المقام، من النقض والإبرام، فبالنظر إلى المجموع من حيث المجموع فالجو الحاكم في مقام الاستدلال يبعد الفقيه عن مقام الفتوى، ويقربه إلى الاحتياط في المسألة، فلذلك إن المختار في تعلق الخمس بالمعدن، اعتبار النصاب هو الاحتياط بعدم ترك خمس المعدن حتى فيما كان دون نصاب العشرين ديناراً، أو دينار واحد، بل في مطلق مقدار ما يخرج من المعدن.

فالحق مع السيد الإمام، والصحيح ما ذكره في المتن من الاحتياط الوجوبي والاستحبابي، وعدم ترك الاحتياط.


[1] كتاب الخمس، (للشاهرودي)، ج‌1 ص124.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo