< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: إشكال على قول السيد اليزدي بجواز التقليد في الموضوعات مطلقاً:

ذكرنا في الدرس الماضي قول السيد اليزدي في العروة في جواز التقليد في الموضوعات مطلقاً، من دون الفرق بين الموضوعات العرفية المستبطة والموضوعات العرفية المحضة.

فالظاهر من عبارة السيد أنه قال بجواز التقليد في الموضوعات بشكل عام و في جميع أقسامها مستنبطة و غير مستنبطة.

و لكن أكثر المحشين قد استشكلوا على السيد وعلى القول بعدم الفرق والتفصيل؛ فقالوا بالتفصيل بين الموضوعات العرفية المستنبطة و الموضوعات العرفية المحضة، وقالوا بالجواز في الأول و عدم الجواز في الثاني.

فقال المحقق النائيني: الموضوع المستنبط ككون الصعيد هو التراب الخالص أو مطلق وجه الأرض، وإن لم يكن بنفسه مورداً للتقليد، ولكنّه باستتباعه للحكم الشرعي الذي هو جواز التيمّم و نحوه يكون مورداً له([1] ).

و في قول السيد اليزدي: (أو اللغويّة)، قال السيّد البروجردي: الأقوى جواز التقليد في الموضوع المستنبط مطلقاً، لأنّه راجع إلى التقليد في نفس الحكم([2] ) .

و في قوله: (و أمّا الموضوعات المستنبطة الشرعيّة)، قال الشيخ الحائري المؤسس: وكذا الموضوعات العرفيّة المستنبطة كالغناء والوطن والمفازة و أمثال ذلك([3] ).

يظهر من هذه التعليقات أن الخلاف ليس في القسمين الأول والثاني من الموضوعات الشرعية والعرفية المستنبطة، وإنما في القسم الثالث أي الموضوعات العرفية المحضة غير المستنبطة، ومن المستشكلين على فتوى صاحب العروة هو السيد الخوئي حيث قال:

التقليد في الموضوعات الصرفة: إذا رأى المجتهد أن المائع المعين خمر مثلاً أو أنه مما أصابته نجاسة، فهل يجب على من قلّده متابعته في ذلك ويعامل مع المائع المعين معاملة الخمر أو ملاقي النجاسة؟ لا ينبغي التوقف في عدم جواز التقليد في الموضوعات الصرفة، لأن تطبيق الكبريات على صغرياتها خارج عن وظائف المجتهد حتى يتبع فيها رأيه ونظره، فإن التطبيقات أُمور حسية والمجتهد والمقلّد فيها سواء، بل قد يكون العامّي أعرف في التطبيقات من المجتهد فلا يجب على المقلّد أن يتابع المجتهد في مثلها.

نعم، إذا أخبر المجتهد عن كون المائع المعيّن خمراً، أو عن إصابة النجس له وكان إخباره إخباراً حسياً، جاز الاعتماد على إخباره إلّا أنه لا من باب التقليد بل لما هو الصحيح من حجية خبر الثقة في الموضوعات الخارجية، ومن ثمة وجب قبول خبره على جميع المكلّفين وإن لم يكونوا مقلّدين له كسائر المجتهدين.

التقليد في الموضوعات المستنبطة: ... الصحيح وجوب التقليد في الموضوعات المستنبطة الأعم من الشرعية وغيرها وذلك لأن الشك فيها بعينه الشك في الأحكام، ومن الظاهر أن المرجع في الأحكام الشرعية المترتبة على تلك الموضوعات المستنبطة هو المجتهد، فالرجوع فيها إليه عبارة أُخرى عن الرجوع إليه في الأحكام المترتبة عليها. مثلاً إذا بنى المجتهد على عدم صحة صلاة الرجل إذا كانت بحياله امرأة تصلي أو العكس إلّا أن يكون الفاصل بينهما عشرة أذرع، فمعنى ذلك أن الصلاة اسم للأجزاء والشرائط الّتي منها عدم كونها واقعة بحذاء امرأة تصلّي... والمتحصّل: أن الرجوع في الموضوعات المستنبطة إلى المجتهد رجوع إليه في أحكامها والتقليد فيها من التقليد في الفروع([4] )

و قال كاشف الغطاء:

قد عرفت مما ذكرناه في عدم جواز التقليد في الموضوعات أن أدلة التقليد إنما تخص الأمور التي أمرها يرجع للشارع نظير حجية الخبر و إنما على العامي أن يعرف صحة قراءته و القبلة و الوقت اما بنفسه أو بالبينة أو بالرجوع الى أهل الخبرة و الفن عند عجزه عن معرفتها بنفسه و هذا الرجوع لا يترتب عليه آثار التقليد و لذا يجوز الرجوع في ذلك الى علماء الفن وإن لم يكونوا فقهاء مع أن شرط التقليد الفقه بل المجتهد مع عجزه يرجع لمقلده فيها إذا كان من أهل الفن والمعرفة فالمقلد يقلده في الحكم و هو وجوب صحة القراءة و الصلاة الى القبلة و المجتهد يرجع لمقلده في تلك المسائل نعم إذا كان المجتهد من أهل الخبرة في تلك المسائل صح للمقلد أن يرجع اليه لكن لا باعتبار انه مجتهده بل باعتبار انه من أهل الخبرة فيها و لا يرتب على رجوعه اليه آثار التقليد([5] )

و قال كاشف الغطاء في موضع آخر:

العرفيّة كالغناء و الصعيد والكعب وأمثالها ممّا يلزم الرجوع فيها إلى الأدلّة الشرعيّة في تعيّن مراد الشارع منها، فإنّ التقليد أو الاحتياط واجب فيها على العامي. نعم لا يجري التقليد في مقام تطبيق الكبريات على الصغريات سواء كانت المفاهيم الكلّية شرعيّة أو لغويّة أو عرفيّة، فالتقليد يلزم في أنّ الصعيد هو التراب أو مطلق وجه الأرض لا في أنّ هذا تراب أو ليس بتراب، و هكذا فليس مناط صحّة التقليد و عدمها الموضوعات الشرعيّة أو العرفيّة أو غيرها بل مناطه الكلّية و الجزئيّة المصداقيّة، فليفهم ([6] )

ظهر من هذا البيان أن الحق في ذلك هو القول بالتفصيل من جواز التقليد في الموضوعات المستنبطة الشرعية و العرفية؛ لأن الرجوع إلى الفقيه في الحقيقة رجوع إليه في الحكم الفرعي كما قاله السيد الخوئي: لا فرق في الموضوعات المستنبطة بين الشرعيّة و العرفيّة في أنّها محلّ للتقليد، إذ التقليد فيها مساوق للتقليد في الحكم الفرعيّ كما هو ظاهر

ومن عدم جواز التقليد في الموضوعات العرفية المحضة، لأن هذه الموضوعات غير مرتبطة بالشرع ولا مدخلية للفقيه في ذلك الموضوع، وإن كان الناس يرجعون إلى الفقيه في بعض الموارد، ولكن هذا الرجوع من باب الرجوع إلى أهل الخبرة إن كان المجتهد من أهل الخبرة والاختصاص، ومن هذه الجهة لا فرق في الرجوع إلى الفقيه والعامي، وليس من باب التقليد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo