< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التحقيق والقول المختار في مرجعية العرف:

قلنا في الدرس الماضي أن في مسألة مرجعية العرف في الموضوعات قولان: الأول: حصر مرجعية العرف في تعيين المفاهيم، والثاني: شمول مرجعية العرف في تعيين المفاهيم والتطبيق على المصاديق.

وبينّا أن الحق هو القول الثاني أي عمومية مرجعية العرف في التعيين والتطبيق؛ إذ:

أولاً: لولا مرجعية العرف لما وجِدَ مرجعٌ آخر في التطبيق على المصاديق، ولبقي المفهوم بلا تطبيق على المصاديق، ولما استطعنا الإتيان بالتكليف الذي نعلم إجمالاً بأن الشارع قد كلفنا به.

ثانياً: لولا التطبيق لواجهنا مشكلة عدم بقاء الموضوع في الاستصحاب، لأن بقاء الموضوع لا بد وأن يكون عرفياً.

و أما العلم الذي قال المحقق النائيني وغيره أنْ لا بد من تحصيله للتطبيق على المصداق - فقالوا لذلك بحصر مرجعية العرف في تعيين المفاهيم- فهو مؤمَّنٌ بعد ما قاله السيد الإمام الخميني من أن الاعتماد في تطبيق المفاهيم على المصاديق بعد تعينها هو على العرف الدقيق، وليس الاعتماد على العرف المتسامح.

و اذا اعتمدنا على العرف بهذا القيد - أي بقيد كونه عرفاً دقيقاً - فالعلم اللازم في مقام الإتيان بالتكليف حاصل من قبل العرف، ولا يرد عليه إشكال المحقق النائيني وغيره.

و ليس المراد من العرف الدقيق هو العرف الخاص بعدد خاص واختصاص خاص - وإن أمكن في بعض الموارد الاعتماد على عرف المتخصصين- بل المراد منه العرف الذي لا يتسامح في مقام تطبيق المفهوم على المصداق، بل يطبقه كما هو الواقع.

فلو وصف العرف ما يبلغ وزنه تسعمائة وتسعة وتسعين كيلو بكونه طُناً فلا عبرة به، لأنّه عرف متسامح، وأمّا العرف الدقيق فيقول: إنّه ينقص من الطن كيلو واحد، نعم لون الدم وإن كان في العقل الدقيق من أقسام الدم لكنّه عند العرف - حتّى الدقيق – هو لون الدم لا نفسه، فيوصف بالطهارة لا بالنجاسة.

و أما القول بالتطبيق العقلي والقهري فهو بعيد عن المقام؛ إذ لا دور للعقل في هذا الموضع، بل الشرع عرفٌ في خطاباته - كما صرح به السيد الإمام – ولا بد من الاعتماد على العرف.

إذنْ ما قاله السيد الإمام هو القول الحق، وببيانه هذا قد أجاب عن الإشكالات التي سببت القول بحصر مرجعية العرف في تعيين المفاهيم وحذف دوره في تطبيق المصاديق.

هل يجوز التقليد في الموضوعات أم لا؟

مثلاً: إذا حكم الفقيه في مقام تعيين الموضوعات وتطبيقها أن هذا المائع خمرٌ، فهل يجوز تقليد في حكمه بخمرية هذا المائع أم لا؟ ظهر من البحث السابق تقسيم الموضوعات إلى ثلاثة أقسام:

الموضوعات الشرعية، وسميناها "المستنبطة".

الموضوعات العرفية التي تصرّف فيها الشارع نوع تصرُّفٍ جزئي، وكذلك سميناها "المستنبطة".

الموضوعات العرفية المحضة التي لم يتصرف فيها الشارع أي تصرف.

إنّ كل موضوع تصرف فيه الشارع بزيادة قيد ووصف وأخذه بدليل لفظي يحتاجُ أن يكون التعيين والتطبيق فيه كذلك من قبل الشارع؛ لأن الشارع تصرف في الموضوع وجعله موضوعاً شرعياً - ولو بالقيود و التصرفات - فأصبح بيد الشارع، فيجب بعد تعيينه أن يطبق على المصداق، ولا مدخلية للعرف في هذا القسم.

لذلك فإن تشخيص المصداق في هذا القسم كذلك بيد الفقيه، لأن التشخيص يحتاج إلى الاستنباط ولو جزئياً، والاستنباط الشرعي بيد الفقيه فقط، والخصوصية التي أخذها الشارع في الموضوع يتوقف تعيين حدودها وتشخيص كيفية أخذها على الاستنباط من الأدلة الشرعية، وهو بيد الفقيه ولا يجوز للعرف أن يتدخل فيه.

والموضوعات بهذه الكيفية تنحصر في القسمين الأول والثاني، وأما موضوعات القسم الثالث فهي عرفية محضة لا تتوقف على الاستنباط، ولا يُحتاجُ فيها إلى رأي الفقيه.

وللسيد اليزدي فتوى في باب الاجتهاد والتقليد من العروة الوثقى حول جواز التقليد في الموضوعات، ومن المناسب أن نستعرضها:

محلُّ التقليد وموردهُ هو الأحكامُ الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدين، وفي مسائل أصول الفقه، ولا في مبادئ الاستنباط من النحو والصرف ونحوهما، ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية ولا في الموضوعات الصرفة، فلو شك المقلد في مايع أنه خمرٌ أو خلٌّ مثلاً، وقال المجتهد: إنه خمرٌ، لا يجوز له تقليده، نعم؛ من حيث أنه مُخبِرٌ عادلٌ يُقبَلُ قولُهُ، كما في إخبار العاميِّ العادل، وهكذا، وأمّا الموضوعاتُ المستنبَطَةُ الشرعيةُ كالصلاة والصوم ونحوهما فيجري التقليدُ فيها كالأحكامِ العملية([1] ).

الظاهرُ من قول السيد اليزدي أن لا فرق في جواز التقليد بين الموضوعات المستنبطة والعرفية المحضة، ولكن البعض كالسيد الخوئي وغيره استشكلوا عليه وقالوا بوجود الفرق بينهما، وبالتفصيل بينهما من جهة جواز التقليد في الأول وعدم جوازِهِ في الثاني، سنتحدث حوله في الدرس القادم إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo