< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حديث في فضيلة شهر رجب:

بعد قليل من الأيام سنستقبل شهر رجب، وهو شهر عظيم، وشهر رحمة الرب، وشهر تضاعف الحسنات للعبد.

إنّ شهر رَجَبَ هو قطعة من الزّمان، قد جعله الله سبباً لارتقاء الإنسان المؤمن والمجتمع الإيماني إلى أعلى درجات الكمال المعنويّ والرّوحي، بنزول الرحمة الالهية و تضاعف حسناته ومحو سيئاته، فعن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنّهُ قال: يُسَمّى الرّجَبُ الأَصَبُّ لأَنَّ الرّحْمَةَ تُصَبُّ صَبّاً فِيْهِ([1] ).

وعن الإمام الكاظم(عليه السلام) أنّه قال: رَجَبُ شَهْرٌ عَظِيْمٌ يُضَاعِفُ اللهُ فِيْهِ الحَسَنَاتِ وَيَمْحُوَ فِيْهِ السَّيّئْاتِ([2] ).

وهذا وصف عظيم من المعصوم، الذي هوكالنبي لا ينطق عن الهوى.وإنّ ذات الله تعالى رحمة وصفاته الرحمة، ولكن المعصوم عندما يصف شهراً بأنه شهر نزول الرحمة الإلهية فهذا يعني أن ثمة عناية خاصة من الله تعالى بعباده في هذا الشهر.

ولا بد لنا على الدوام من تحصيل لوازم القرب من الله تعالى بالتقوى والأخلاق والعبادة، أما في هذا الشهر فنجد أن الله تعالى قد هيّأ الأرضية من الله تعالى لقرب الإنسان، وهذا مناسب لهدف خلق الإنسان؛ فمن غير المعقول أن يخلق الله تعالى الحكيم شيئاً لهدف، ثم لا يهيئ له الأسباب الموجبة لتحقق هدفه، ومن الأسباب التي هيأها الله لنا للتقرب هو شهر رجب.

إنّ شهر رجب هو شهر جعله الله تعالى حبلاً بينه وبين خلقه، فقد ورد في الروايات والأحاديث أن الرب سبحانه و تعالي يعتني بعباده الذين يدعونه في هذا الشهر؛ لأن الدّعاء فيه مستجاب، فهومَوْسِمُ الدُّعاء، وحبل الله تعالى فيه ممدود بينه وبين الخلق، وقد روى السيد ابن طاووس حديثاً في ذلك.

والسيد ابن طاووس من أوتاد المؤمنين، وقد تشرف بلقاء الإمام صاحب الزمان (عج)، بجوار مرقد العسكريين في سرمن رأى، وسمعه يدعو للعصاة من شيعته في قنوت صلاته، واصفاً الشيعة بأنهم أحب الخلق إلى الله، وقد فعلوا ذنوباً كثيرة – والإمام ناظر شاهد على أمته – فسأل الإمام الله تعالى بأن يصفح عن ذنوبهم ما دامت من حق الله تعالى، وإن كانت من حق الله تعالى فيسأله أن يأخُذ من حقه الذي في أموالهم حتى يرضى الخصماء.

أما ما رواه ابن طاووس فقد رُوي عن النّبيّ (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: إِنَّ اللهَ تَعَالَى نَصَبَ فِي السَّمَاِء السَّابِعَةِ مَلَكاً يُقَالُ لَهُ الدَّاعِيْ، فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبَ يُنَادِيْ ذَلِكَ المَلَكُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنْهُ إِلَىْ الصَّبَاحِ: طُوْبَىْ لِلذَّاكِرِيْنَ، طُوْبَىْ لِلطَّائِعِيْنَ، يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَىْ: أَنَا جَلِيْسُ مَنْ جَالَسَنِيْ وَمُطِيْعُ مَنْ أَطَاعَنِيْ، وَغَافِرُ مَنْ اسْتَغْفَرَنِيْ، الشَّهْرُ شَهْرِيْ، وَالعَبْدُ عَبْدِيْ، وَالَّرْحَمُة رَحْمَتِيْ، فَمَنْ دَعَانِيْ فيِ هَذَا الشَّهْرِ أَجَبْتُهُ، وَمَنْ سَأَلنِيْ أَعْطَيْتُهُ، وَمَنْ اسْتَهْدَانِيْ هَدَيْتُهُ، وَجَعَلْتُ هَذَا الشَّهْرَ حَبْلاً بَيْنيِ وَبَيْنَ عِبَادِيْ، فَمَنْ اعْتَصَمَ بِهِ وَصَلَ إِلَيَّ([3] ).

فلا بد من أن نهيئ الأرضية لدخول شهر رمضان من شهر رجب، وكان رسول الله إذا رأى هلال شهر رجب دعا وقال: اللهم باركْ لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا شهر رمضان، وأعِنّا على الصيام والقيام وحفظ اللسان وغضِّ البصر، ولا تجعلْ حظّنا منهُ الجوعَ والعطش.

اذا كان شهر رجب بهذه المثابة من الفضل والشرف، وهو حبل بين الرب والعبد، فينبغي للمسلم والمؤمن أن يتمسّكَ بهذا الحبل الإلهي، وبهذه العروة الوثقى، في هذا الشهر العظيم؛ كي يتقرب بها إلى الله تعالى، وأن يكون في هذا الشّهر أكثرَ ابتعاداً عن الذّنوبِ والآثامِ، وأكثر تجنبا من كلِّ ما يغضبُ الملكَ العلّامَ؛ فيبتعد عن معصية الله تعالى ويبتعد عن الظلمِ لإخوانِه المؤمنين بالاعتداءِ عليهم أو الولوغِ في أعراضِهم، وتتبّعِ عوراتِهم، وإفشاءِ أسرارِهم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo