< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/06/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المعدن الشرعي والعرفي في كلام السيد الخوئي:

قلنا أن المستفاد من النصوص في المعدن أنّ الملاك الأساسي في تعيين مصاديق المعدن هو العرف، ولا دليل على أن الشرع يعين مصاديق المعدن.

ومضافاً إلى ما ذكرناه من النقاط المهمة في النصوص في الدرس الماضي، يمكن تأييد مرجعية العرف في تشخيص المصاديق بما صرح به الإمام (ع) في ذيل رواية محمد بن مسلم حينما سئل: "فَقُلْتُ: وَ الْكِبْرِيتُ وَ النِّفْطُ يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ؟ قَالَ: فَقَالَ: هَذَا وَ أَشْبَاهُهُ فِيهِ الْخُمُسُ".

ومن الواضح أن (أشباهه ) أي أشباه ما ورد في الحديث تحتاج إلى التشخيص والتعيين، ولا يتولى هذا الأمر إلا العرف، فكأنّ الإمام حوَّلَ صراحةً أمرَ تعيين المصاديق إلى العرف.

أما السيد الخوئي (ره) فيعتقد بأن للمعدن نوعين من المصاديق: مصداق شرعي وآخر عرفي؛ والمقصود من المعدن الشرعي هو المصداق الذي يحكم الشرع بأنه مصداق من المصاديق و يتعلق به الخمس، وأما المعدن العرفي فهو الذي يحكم العرفُ بمصداقيته.

ودليل السيد الخوئي على ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدم ذكرها؛ حيث قال الإمام (ع) "هَذَا الْمَعْدِنُ فِيهِ الْخُمُسُ" فحکمَ الحديث بمصداقية المورد للمعدن فهو معدن شرعي، کما أنّ المعدن قد ورد في بعض الروايات من دون تعيين المصداق، بل أحيل ذلك الى العرف، فهو في هذه الموارد معدن عرفي، وهذه الرواية دليل على وجود المعدن الشرعي الذي يحكم به الشرع.

وإليكم نص كلامه بعد ذكر صححية محمد بن مسلم وذكر أكثر من عشرين مصداقا من مصاديق المعدن في كلام السيد اليزدي.

يقول السيد الخوئي:

فهذا مصداقٌ شرعيٌّ للمعدن بمقتضى هذه الصحيحة، سواء أَصَدَقَ عليه المعدن عرفاً أم لا. كما أنّ ما صدق عليه

الاسم عرفاً يلحقه حكمه وإن لم يكن مذكوراً في النصوص كالقير، إلاّ أن يكون مشمولاً لقوله : "وأشباهه" الوارد

في ذيل هذه الصحيحة... وكيفما كان فالعبرة بالصدق العرفي أو التعبّد الشرعي([1] )..

فنقول: إنّ ما قاله السيد الخوئي لا يخلو من إشكال؛ لأن التعبير الوارد في صحيحة محمد بن مسلم لا يدل على تأسيس معنى جديد شرعي في مصداقية المعدن أو التفكيك بين المعدن الشرعي والعرفي، وإذا كان الإمام (ع) في هذا المقام فلا يستفيد من تعبير "هذا المعدن فيه الخمس" بل التعبير ظاهر في أنّ الإمام يريد تأييد ما في العرف من مصاديق المعدن، وكأنه (ع) يريد أن يقول: إنكم إن عرفتم الملاحة وحكمتم بأن أرض الملاحة معدنٌ ففيها الخمس، فيعتمد الإمام في نفس الرواية على تشخيص العرف دون أن يؤسس معنى آخر. فالحق ما قاله الإمام الخميني والسيد اليزدي وغيرهما من أنّ المرجع فيه العرف.

إشارةٌ عابرةٌ إلى مرجعية العرف:

لاشك في أن للعرف دوراً كبيراً في الشرع، والمهم هنا أن نعرف حجم دورِ العرف في الشرع؛ فهل له دور في جميع الموارد أو في بعضها؟

هذا بحث مرتبط بالأصول، ولابد من طرحه في المباحث الأصولية، وبما أن الوقت لم يسمح لنا إلى الأن بالوقوف عند المباحث الأصولية وطرحها بالتفصيل فلا أقلَّ من الإشارة إلى بعضها.

لبيان مرجعية العرف لا بد من تقسيم العرف إلى عام وخاص، كما لا بد من التفريق بين عُرف العقلاء والعرف العام، فكما لا ملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع بشكل عام، فبطريق أولى انتفاء الملازمة بين حكم العرف وحكم الشرع، فإذن لا دور للعرف الخاص ولا العام في الأحكام الشرعية؛ لأن مدار مرجعية العرف ينقسم إلى قسمين:

مرجعية العرف في الأحكام.

مرجعية العرف في الموضوعات.

فبالنسة إلى الأول نقول أنّ العرف ليس ملاكاً في تعيين الحكم الشرعي، و بالنسبة إلى تعيين الموضوعات فكذلك نقسّم الموضوعات إلى أربعة أقسام :

الأول: متعلق الحكم التكليفي؛ كالصلاة التي تكون متعلقاً للحكم بالوجوب.

الثاني: متعلق متعلق الحكم التكليفي الذي لم يفرض وجوده؛ كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة، لأننا لسنا مكلفين بالصلاة لو كنا على غير وضوء، بل لابد من تحصيل الوضوء.

الثالث: متعلق الحكم الوضعي كالملكية والزوجية.

الرابع: متعلق متعلق الحكم التكليفي الذي فُرِضَ وجوده؛ كزوال الشمس بالنبسة إلى الصلاة وشهر رمضان بالنسبة إلى الصوم والاستطاعة بالنسبة إلى الحج، فنحن مشمولون بالتكليف على فرض وجود هذه الموضوعات.

فمن الواضح أننا حين نتحدث حول الموضوع ومرجعية العرف فالمقصود جميع هذه الموارد ودور العرف في جميع هذه المصاديق والموضوعات بشكل عام، لذلك نسميها الموضوع بالعنى الأعم.

وينقسم دور العرف في الموضوع بالمعنى الأعم إلى قسمين:

العرف الذي يحقق الموضوع.

العرف الذي يعين الموضوع.

وفي كلا الجانبين من البحث - بل في جميع المباحث – لا بد من البحث في المقصود من العرف؛ هل هو عرف المكلف أي عرف زمان المكلف ؟ أم المقصود عرف زمان الشارع والأئمة المعصومين؟

وفي مقام الإجابة عن هذه الأسئلة نقول: إنّ العرف الذي يحقق الموضوع هو عرف زمان الشارع وزمان الأئمة المعصومين(ع)، وأما العرف الذي يعين الموضوع فهو منصرف إلى عرف زمان المكلف.

لأن الشارع في كثير من الموارد قد قد حدد أحكامه ببعض الموضوعات الموجودة والمتعارفة في عصره؛ كالشبر والقدم والذراع والدلو وأمثالها، ولا شك في أن تشخيص هذه الموضوعات بيد عُرف زمان الشارع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo