< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعريف المعدن:

قلنا في الدرس الماضي بأن تعلق الخمس بأصل المعدن بعنوانه الخاص هو مورد اتفاق الفقهاء، وإنما الكلام في تعريف المعدن وتشخيص مصاديقه، فلا بد لنا من تعيين ملاك واحد لتحديد المصاديق.

والأمر لا يخرج عن جانبين: إما الشرع وإما العرف؛ لأن تشخيص الموضوع في جميع الموارد إما أن يتولاه الشارع ويعين الموضع وإما أن يحول إلى العرف.

والسؤال هنا: هل يختص المعدن بخصوص ما يستخرج من باطن الأرض أم يشمل ما يجمع ويحاز من سطح الأرض؟ وهل يعتبر في صدق عنوان المعدن أن لا يكون من جنس الأرض أو لا يعتبر ذلك، بل يدور مدار إطلاق مسمى الأرض؟

فننظر أولاً لما قالهُ أهل اللغة بشأن مفردة المعدن؛ لأن بعضهم ينقل الأصل والمادة وبعضهم ينقل موارد استعمال المفردة، لذلك فإنّ بعض ما ينقل في كتب اللغة هو في الحقيقة استعمال أهل العرف، وإن كان العرف في هذه الموارد يطلق على العرف الخاص.

قال صاحب القاموس: المعدن، كمجلس، منبت الجواهر من ذهب ونحوه لإقامة أهله فيه دائماً أو لإنبات اللَّه عزّوجلّ إيّاه فيه، ومكان كلّ شي‌ء فيه أصله([1] )

وقال صاحب النهاية الأثيرية: المعادن، المواضع التي يستخرج منها جواهر الأرض كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك ... والمعدن، الإقامة، والمعدن، مركز كلّ شي‌ء ([2] )

وقال صاحب مجمع البحرين (وكانت سيرته تطبيق المفردات على ما ورد في النصوص و الروايات): ومنه (من معنى الإقامة) سمّى المعدن، كمجلس، لأنّ الناس يقيمون فيه الصيف والشتاء، ومركز كلّ شي‌ء معدنه، والمعدن، مستقر الجواهر([3] ).

وقال الراغب في المفردات: عَدَنَ بمكان كذا: استقرَّ. ومنه المعدن لمستقر الجواهر ([4] ) .

وذكر في لسان العرب معانيَ متعددة (وقد جمع بين أصل اللغة وموارد الاستعمال) فقال: مركز كلّ شي‌ء معدنه- المكان الذي يثبت فيه الناس، لأنّ أهله يقيمون فيه ولا يتحولون عنه شتاءً ولا صيفاً (في مقابل منازلهم في خصوص الصيف والشتاء)...ومعدن الذهب والفضة سمّي معدناً لإنبات اللَّه فيه جوهرهما وإثباته إيّاه في الأرض([5] ).

بعد التأمل في كلمات أهل اللغة - الذين هم أهل العرف الخاص- تظهر لنا أمور:

الأول: يظهر لنا أن عند اللغويين معاني ثلاثة لهذه المفردة (معدن)

    1. منبت الجواهر.

    2. مركز كلّ شي‌ء.

    3. محل الإقامة الدائمة في الصيف والشتاء.

وكلّ هذه الموارد الثلاثة مرتبطة بالمعنى الأصلي وهو الإقامة، و لكن من الواضح أنّ موضع بحثنا هو المعنى الأوّل.

الثاني: المعدن هو اسم المحل الذي تكون فيها هذه الجواهر، والنقطة المهمة في ذلك أن الفقهاء قد خصّوا المعدن بالحال لا بالمحل؛ أي خصوا المعدن بما يخرج من هذه الأشياء من الأرض. كما صرح به البعض مثل ما قاله الفقيه الهمداني: فالأظهر ثبوت الخمس في جميع ما يستخرج من الأرض ممّا يسمّى في العرف معدنا بمعناه الأعمّ ([6] ).

وقال العلّامة في التذكرة: المعادن: كلّ ما خرج من الأرض ممّا يخلق فيها من غيرها ممّا له قيمة، ثمّ مثل له بالفلزات والياقوت وشبهه والملح والكحل وغيرهما والمائعات كالقير والنفط. ثمّ قال: عند علمائنا أجمع([7] ).

الثالث : يظهر من كلمات اللغويين أنهم خصوا المعدن بمنبع الجواهر، ولا يشمل اللفظ غير ما هو ظاهر كلماتهم، ولكن الفقهاء عمموا المراد من المعدن إلى غير الجواهر فيشمل الكل حتى القير والنفط والملح وغيرها، كما هو ظاهر مشهور الفقهاء.

وقال الشهيد في المسالك: المعدن هنا كلّ ما استخرج من الأرض ممّا كان منها بحيث يشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها ومنها الملح والجص وطين الغسل وحجارة الرحى والمغرة([8] ). فاختلاف الفقهاء واللغويين في هذين الموضعين: تخصيص أهل اللغة المعدن بالجواهر وتعميم الفقهاء، و تخصيص أهل اللغة المعدن بالمحل وتخصيص الفقهاء بالحالّ.

هذا هو المستفاد من أهل اللغة ومن الفقهاء في خصوص المعدن، والسؤال المهم هنا: لماذا حكم الفقهاء بعمومية المعدن وشموله للجميع حتي ما يجمع من سطح الأرض ومن غير الجواهر؟ هل وقفوا على دليل شرعي على ذلك المفهوم العام أو لا؟

فلو قلنا بامتلاكهم دليلاً خاصاً شرعياً فلا بد من القول بوجود حقيقة شرعية هنا، وهي ملاك شرعي لتعيين مصاديق المعدن، فلذلك لا بد من البحث في الروايات هل يوجد دليل على تعميم المصاديق أم لا، وإنما الملاك هو تشخيص العرف فقط؟


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo