< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة في المقام الثاني من البحث (إيرادات حول الاستدلال بالروايات على جواز أخذ مال الناصب أين وجد):

بعد أن تحدثنا حول هذه المسألة وقلنا إننا لم نجد دليلاً قابلاً للاعتماد عليه على جواز أخذ مال الناصب أين وجد، إذ الروايتان الدالتان بظاهرهما عليه مبتليتان بتعارض الأدلة وسائر الاشكالات الأخرى،

فنقول: لو قيل بجواز الأخذ، فهل يجوز مطلقاً؟ أم لا بُدَّ من كون ذلك باختيار الإمام؟

إن المستفاد من الروايات عدم إمكان القول بالجواز مطلقاً في فرض القول بالجواز؛ لأن هذا مخالف لما في النصوص الصريحة، ولا يناسب ما ورد في نفس الرواية التي استند عليها القائلون بالجواز، كصحيحة ابن ابي عمير وخبر المعلى بن خنيس، لأن النصوص - على فرض القبول بها - تدل على أن ذلك باختيار الإمام وليس باختيار كل أحد من المسلمين والشيعة، وكأنّ هذا الحكم حكمٌ حكومتيٌّ وليس حكماً شرعياً ووظيفة كل أحد.

فورد في بعض الروايات النهي عن قتلهم بدون إذن الإمام، من قبيل ما رواه السجستاني عن أبي عبد الله (عليه السلام): أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ النَّجَاشِيِّ قَالَ لَهُ - وَعَمَّارٌ حَاضِرٌ- إِنِّي قَتَلْتُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الْخَوَارِجِ- كُلُّهُمْ سَمِعْتُهُ يَبْرَأُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، فَسَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جَوَابٌ، وَعَظُمَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَنْتَ مَأْخُوذٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) وَكَيْفَ قَتَلْتَهُمْ يَا أَبَا بُحَيْرٍ؟ فَقَالَ مِنْهُمْ مَنْ كُنْتُ أَصْعَدُ سَطْحَهُ بِسُلَّمٍ حَتَّى أَقْتُلَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ دَعَوْتُهُ بِاللَّيْلِ عَلَى بَابِهِ فَإِذَا خَرَجَ قَتَلْتُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ كُنْتُ أَصْحَبُهُ فِي الطَّرِيقِ فَإِذَا خَلَا لِي قَتَلْتُهُ، وَقَدِ اسْتَتَرَ ذَلِكَ عَلَيَّ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): لَوْ كُنْتَ قَتَلْتَهُمْ بِأَمْرِ الْإِمَامِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْ‌ءٌ فِي قَتْلِهِمْ، وَلَكِنَّكَ سَبَقْتَ الْإِمَامَ فَعَلَيْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ شَاةً تَذْبَحُهَا بِمِنًى وَتَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا لِسَبْقِكَ الْإِمَامَ، وَ لَيْسَ عَلَيْكَ غَيْرُ ذَلِكَ ([1] ).

مضافا إلى ذلك أنّ القول بجواز أخذ المال بشكل مطلقٍ لا يناسب ما ورد في الروايتين اللتين وقعتا مورداً للاستدلال؛ إذ ورد فيهما تعبيرُ "خُذْ مَالَ النَّاصِبِ حَيْثُمَا وَجَدْتَهُ وَادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمُسَ"، وهذا الخطاب يقتضي أن يكون حكماً حكومتياً وليس في مقام بيان وظيفة المكلف باختياره بشكل عام كوظيفة الصلاة. و هكذا ورد في مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى المعروفة بمرسلة اسحاق بن عمار، وقد تقدم ذكرها: وَلَوْ لَا أَنَّا نَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ - وَرَجُلٌ مِنْكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَمِائَةِ أَلْفٍ مِنْهُمْ - لَأَمَرْنَاكُمْ بِالْقَتْلِ لَهُمْ، وَلَكِنْ ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ ([2] ). فبالنتيجة يظهر من المسألة أننا لو قلنا بالجواز فلا بد من كونه باختيار الإمام لا باختيار الناس، وهذا هو طريق الجمع.

مضافاً إلى أننا لو قلنا بالجواز مطلقاً، لكان ذلك موجباً الهرجَ والمرجَ في المجتمع، بحيث يستطيع كل أن يأخذ مال الناصب بهذا الحكم، وهذا مخالف لشريعة الإسلام ومذاق الشرع قطعاً.

المقام الثالث: كيفية تعلق الخمس وزمان تعلقه بالمال المأخوذ من الناصب:

هذا المقام هو المقام الأخير في البحث حول مال الناصب وتعلق الخمس به، وقد قوّى السيد الإمام (رض) وجوب إخراج الخمس من مال الناصب فقال:

والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتُنم منهم وتعلّق الخمس به، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأيّ نحو كان، ووجوب إخراج خمسه([3] )

وقال السيد اليزدي: يجوز أخذ كل مال الناصب أينما وجد لكن الأحوط إخراج خمسهِ مطلقاً([4] ).

وفغي قوله بالاحتياط لا بد من البحث في أن هذا الاحتياط راجعٌ الى أصل مسألة الخمس؟ أو إلى الاحتياط في الزائد عن مؤونة السنة، وبعبارة أخرى: هل احتاط السيد اليزدي في وجوب أصل الخمس في المال المأخوذ من الناصب؟ فلو كان كذلك فاحتياطه راجع إلى عدم تعرض القدماء للمسألة، لذا شك في أصل المسألة واحتاط. أو أنه رأى وجوب الخمس وشكَّ في تعلقه بالزائد عن مؤونة السنة أو تعلقه بالمال كله قبل إخراج المؤونة فلذلك قال بالاحتياط.

وبما أن السيد اليزدي لم يفكك في عبارته بين المسألتين فيظهر أن احتياطه يرجع إلى الجهتين؛ أي إلى أصل المسألة، وإلى تعلق الخمس بالمال قبل إخراج المؤونة.

ولكن المشكلة في توجيه كلام السيد أنه لو أراد أن يحتاط في أصل المسألة لأجل عدم تعرض القدماء لها فلا بد أن يحتاط في أخذ مال الناصب كذلك؛ لأنّ أخذ مال الناصب ووجوب الخمس وردا في الرواية معاً، فكيف يحتاط في طرف ولا يحتاط في الطرف الآخَر؟

وكذلك لم يتعرض القدماء لأخذ مال الناصب ولتعلق الخمس به. وأما تعلق الخمس مطلقاً فهو مقتضى إطلاق الأدلة في وجوب الخمس، وإنما التقييد باستثناء المؤونة خاص ببعض الموارد، فإذا شككنا فيه فلا بد من الرجوع إلى مقتضى الأدلة وهو وجوب الخمس في جميع المال وقبل استثناء المؤونة. مضافاً إلى أنّ عدم استثناء المؤونة مطابق للاحتياط الذي قال به السيد اليزدي في العروة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo