< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/06/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مقامات من البحث في حكم أخذ مال الناصب ووجوب الخمس فيه.

تحدثنا في الدرس الماضي أن ثمة مقامين من البحث:

المقام الأول: لحوق الناصب بالكافر الحربي وأهل الحرب.

المقام الثاني: كيفية تعلق الخمس بالمال المأخوذ من الناصب.

ولكنني بعد التأمل في القضية وجدتُ أن هناك ثلاثة مقامات من البحث، لذلك رتبت المسألة وفقها:

الأول: لحوق الناصب بالكافر الحربي في جواز أخذ ماله في معركة القتال.

الثاني: جواز أخذ مال الناصب أينما وجد.

الثالث: كيفية تعلق وزمان تعلق الخمس بالمال المأخوذ من الناصب.

أما بالنسبة إلى المقام الأول فلا شك ولا إشكال في لحوق الناصب بالكافر الحربي في جواز أخذ ماله في معركة القتال بعنوان الغنيمة، وتشمله أدلة وجوب الخمس في الغنيمة من حين الاغتنام من دون استثناء المؤونة كما هو مقتضى هذا الوجوب. ومضافاً إلى ذلك لا احترام لمال الناصب كما لا احترام لمال الكافر الحربي.

و أما المقام الثاني: وهو جواز أخذ مال الناصب أين وجد وبدون معركة القتال، فهذا محلُّ بحثٍ؛ لأنه من جانبٍ لا إشكال في عدم شمول أدلة الغنيمة بمعناها الخاص لمال الناصب، لأن عنوان القتال مأخوذ في الغنمية بمعناها الخاص، وأخذ مال الناصب أين وُجد لا يوجد فيه قتال كما ترى. فشرطُ صدقِ العنوان غيرُ محققٍ، فالمشروط مثله.

ومن جانب آخر استدل البعض على جواز أخذ مال الناصب بعدم احترام ماله، وبالروايات والنصوص،

فقال السيد الخوئي:

فلا احترام لمالهِ كالكافر الحربي، بل هو أشدّ منه، وقد ورد: أنّ اللَّه تعالى لم يخلق خلقاً أنجس من الكلب، وأنّ الناصب لنا أهل البيت أنجس منه([1] )‌.

أولاً: ننظر إلى نص الحديث في الوسائل:

مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فِي الْعِلَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ: وَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ غُسَالَةِ الْحَمَّامِ فَفِيهَا تَجْتَمِعُ غُسَالَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ، وَالنَّاصِبِ لَنَا

أهْلَ الْبَيْتِ، وَهُوَ شَرُّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ خَلْقاً أَنْجَسَ مِنَ الْكَلْبِ، وَإنَّ النَّاصِبَ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ لَأَنْجَسُ مِنْهُ ([2] ).

بالتأمل في الحديث يظهر للمتأمل ما لا يخفى على الأخرين؛ من أنّ لا ربط بينه وبين ما نحن فيه، بل هو أجنبي عن المقام، فهو مرتبط بموضوع الطهارة والنجاسة وبكون الناصب شراً من سائر الكفار، وما نحن فيه هو الحديث عن جواز أخذ ماله أو عدم جوازه.

مضافا إلى ذلك فإن النصَّ لم يلحظ الكافر الحربي، بل السياق هو الحديث عن أهل الكتاب خاصة، وأُلحقَ الناصبُ بهم في حكم النجاسة حسب ما ورد في الحديث، أي لو قلنا بنجاسة أهل الكتاب فالناصب يلحق بهم.

على أننا لو قلنا بلحوق الناصب بالكافر الحربي من جهة عدم الاحترام، فلا ملازمة بين عدم احترام دمه وعدم احترام ماله؛ لأنهما أمران مستقلان يمكن القول بالفصل بينهما في موارد كالمرتد؛ حيث يقول الفقهاء بعدم احترام دم المرتدّ، وأما ماله فيقسم بين ورثته ولا يجوز التصرف فيه.

ثم إنّ هذه الرواية تعارضها معارضات عديدة، عامة وخاصة؛ أي معارضات عامة تؤيد طهارة أهل الكتاب، وروايات خاصة في الباب وفي الأبواب المختلفة من كتاب الطهارة. وقد أشار الشيخ الحر العاملي في ذيل الباب إلى جهتين من المعارضة.

فالنتيجة: أنّ ما قاله السيد الخوئي في مقام الاستدلال على جواز أخذ مال الناصب أين وجد - تأييداً لقول السيد اليزدي في العروة - غير مقبول، بل الدليل أجنبيٌ عما نحن فيه.

فكما رأينا أنه من جانب لا دليل على الجواز، ومن جانب آخر توجد روايات الخاصة دالة على الجواز أين وجد، منها: صححية ابن أبي عمير:

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ عَنْ أَبِي‌ عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: خُذْ مَالَ النَّاصِبِ حَيْثُمَا وَجَدْتَهُ وَادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمُسَ([3] ).

ومنها: خبر المعلى بن خنيس.

مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ فَضَالَةَ عَنْ سَيْفٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ قَالَ: قَالَ أَبُوعَبْدِاللَّهِ (عليه السلام) خُذْ مَالَ النَّاصِبِ حَيْثُ مَا وَجَدْتَ وَ ادْفَعْ إِلَيْنَا الْخُمُسَ([4] ). وهذا الذي رواه المعلى‌ بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) هو مضمون صحيح ابن أبي عمير مع تفاوت يسير جدّاً.

و ذكر البعض مرسلة إسحاق بن عمار مؤيدة لهما، وإن كان الصحيح أنها مرسلة أحمد بن محمد بن عيسى؛ لأنّ الإرسال من جهته، لا من جهة إسحاق، فهو الذي روى "عن بعض أصحابنا" وإليك الرواية:

محمد بن الحسن عن أحمد بن محمد بن عيسى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: قَالَ أَبُوعَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام): مَالُ النَّاصِبِ وَكُلُّ شَيْ‌ءٍ يَمْلِكُهُ حَلَالٌ لَكَ، إِلَّا امْرَأَتَهُ؛ فَإِنَّ نِكَاحَ أَهْلِ الشِّرْكِ جَائِزٌ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) قَالَ: لَا تَسُبُّوا أَهْلَ الشِّرْكِ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ نِكَاحاً وَلَوْلَا أَنَّا نَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ يُقْتَلَ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ - وَرَجُلٌ مِنْكُمْ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَمِائَةِ أَلْفٍ مِنْهُمْ- لَأَمَرْنَاكُمْ بِالْقَتْلِ لَهُمْ، وَلَكِنْ ذَلِكَ إِلَى الْإِمَامِ([5] ).

وللبحث تتمة ستأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo