< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/05/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الاستدلال على وجوب رد الغنيمة المغصوبة من محترمي المال على صاحبها:

قلنا في الدرس الماضي أنّ السيد الامام ذهب تبعاً لمشهور الفقهاء إلى أنه يعتبر في وجوب خمس الغنيمة أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد ونحوهم من محترمي المال.

و قلنا أن المحكي عن المشهور في هذه المسألة وجوب ردّه إلى مالكه، وحكى الخلاف عن شاذ من قدماء الأصحاب كالشيخ في (النهاية) والقاضي ابن البراج في بعض كتبه، فإنهما ذهبا إلى كون المال المغصوب لعموم المقاتلين، وأنّ الإمام يغرم قيمتها لمالكها من بيت المال.

ولا شك في موافقة مقالة المشهور للقواعد والأصول المعلومة لاحترام مال المسلم وشبهه. وتدل عليه عمومات أدلة احترام المال المقتضية لوجوب الرد. فهذا هو الدليل الأول على القول المشهور وهو المهم في مقام الاستدلال. ولا يضر به عدم وجود دليل خاص يدل عليه، فما لم يدلّ دليل قاطع على جواز التصرف في الغنيمة المغصوبة يجب حفظ حرمة التصرف ويجب الرد على صاحبه.

ومضافاً إلى ذلك يدل على قول المشهور بعضُ النصوص الواردة في كتاب الجهاد، وإن كان في مقابلها طوائفُ أخرى من النصوص تدل على ما قاله الشيخ والقاضي، فلنبدأ بما دل على مقالة المشهور.

أفردَ الشيخ الحر العاملي في كتابه الوسائل في كتاب الجهاد أبوابَ جهاد العدو وما يناسبه، وجعل باباً مستقلاً بعنوان "باب حكم ما يأخذه المشركون من أولاد المسلمين ومماليكهم وأموالهم ثم يغنمه المسلمون" وذكر في هذا الباب عدة أحاديث،

منها: محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عيسى عن منصور عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ التُّرْكِ[1] يُغِيرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَأْخُذُونَ أَوْلَادَهُمْ فَيَسْرِقُونَ مِنْهُمْ، أَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَالْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْنَما وَجَدَهُ.[2]

من الواضح أن مقصود السائل من قوله (أَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ) ردُّ الأموال المسروقة من أولاد المسلمين إلى مُلّاكِها بعد غلبة المسلمين على الترك الكفار وأخذ تلك الأموال منهم؛ لأن السائل كان يحتمِلُ أن هذه الأموال للمقاتلين بعنوان الغنيمة الحربية إذ أخذوها بقتال الكفار، فأمره الإمام في الجواب برد الأموال المسروقة إلى ملاكها. فدلالة الرواية على ما قاله المشهور واضحة ولا يرد عليها شيء.

وأما عبارة الإمام في ذيل الرواية حيث قال: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْنَما وَجَدَهُ". فلا تدل على ما زعمه البعض من أنها قرينة على أن الحرب بين طائفتين من المسلمين وليست بين المسلمين والكفار، وأن آخذ المال من الطرفين مسلمٌ؛ لأن لفظ الترك - خصوصاً في زمن الإمام الصادق(ع) لم يستعمل في طائفة المسلمين؛ فالأتراك لم ينتحلوا الإسلام آنذاك بل كان كفرهم معلوماً واضحاً.

مضافاً إلى ظهور المقابلة في الرواية بين الترك والمسلمين حيث قال: "سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ التُّرْكِ يُغِيرُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَيَأْخُذُونَ".

وأما وجه كلام الإمام الصادق(عليه السلام) "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْنَما وَجَدَهُ" فكأنه أراد الإشارة إلى وجود عنوانين هما المسلم صاحب المال المغصوب، والمسلم المقاتل المستحقُّ للغنيمة، فالأول لا بد من ردِّ عين المال إليه لأنَّ عين المال موجودة في أيدي المقاتلين، والثاني غلب في الحرب على الكفار و أخذ أموالهم فيستحق غنيمة دار الحرب.

فأشار الإمام إلى أنّ العنوان الأول مقدم على العنوان الثاني، لأن المسلم أخو المسلم، ومال المسلم محترم، وهو صاحب المال وعين المال موجودة فيجب الرد عليه، وهذا الحديث يمنع استدلال الشيخ والقاضي لأنه صرح بأن المسلم يستحق عين المال، لا قيمة المال حتى نحكم بتغريم الإمام وردِّ قيمة المال إلى المالك المسلم الذي هو أحقُّ بأخذ ماله من المقاتل.

وكذلك لايرد على الاستدلال بهذه الرواية ما قاله شيخنا الأستاذ مكارم الشيرازي بأن موردها خصوص السرقة لا الغنيمة[3] فنقول له - بكل احترام - أن مورد الرواية الغنيمة، ولكنها الغنيمة المسروقة من المسلمين قبل الحرب أو في حرب سابقة، ومورد البحث هو كون الغنيمة التي بيد المقاتل مالاً مسروقاً سرقهُ الكفار من المسلمين. لذلك فالاستدلال بالرواية تام.

وكذلك صرح السيد الخوئي بأن دلالتها ظاهرة بل صريحة في المطلوب، كما أنها صحيحة السند [4]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo