< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : حكم الغنيمة المغصوبة:

قال السيد الإمام:

نعم يعتبر فيه ألا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد ونحوهم من محترمي المال، بخلاف ما كان في أيديهم من أهل الحرب، وإن لم يكن الحرب معهم في تلك الغزوة([1] ).

يعتبر هذا الفرع من شروط وجوب خمس غنيمة دار الحرب، وكما عرفتَ فبعض هذه الشروط إيجابية، وهذا من الشروط السلبية، فالغنيمة لا بد ألا تكون مغصوبة.

ويستفاد من عبارة السيد الإمام (ره) أن غصبية الغنيمة تنقسم إلى قسمين:

الأول: إذا كانت الغنيمة مغصوبةً، غصبَها الكفار من أهل الحرب الذين ليست الحرب معهم في تلك الغزوة.

أي غصب الكفار الحربيون أموال كفار حربيين آخرين غير محترمي المال وهي الآن في أيديهم، فأخذها منهم المسلمون بالقتال، فهذا المورد من موارد الغنائم المغصوبة لا يضر بالحكم؛ بل حكمه حكم الغنيمة في دار الحرب؛ من وجوب تخميسه بلا حاجة إلى إخراج مؤونة السنة.

الثاني: إذا كان المال الذي أخذه المسلمون من أيدي الكفار الحربيين مغصوباً من المسلمين أو أهل الذمة أو من كافر حربي معاهَد ونحوهم من محترمي المال، فهذا يضرُّ بالحكم؛ أي لا يجب فيه الخمس ولا يتعلق بالمقاتلين، بل يجب ردُّهُ على صاحبه.

وهذا القول – إضافة للإمام الخميني - هو القول المشهور بين الفقهاء والأصحاب، وإليكم بعض عبارات الفقهاء:

قال صاحب الجواهر: ومنها تقييد المغتنم بما لم يكن غصباً من مسلم أو ذمي أو معاهد، ونحوهم من محترمي المال، ووجهه واضح.

نعم؛ لا فرق فيما كان في يد المحاربين بين أموالهم وأموال غيرهم من أهل الحرب أيضاً، وإن لم يكن الحرب معهم في تلك السرية؛ لإطلاق الأدلة كتاباً وسُنة([2] ).

وقال السيد اليزدي: يشترط في المغتنم أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمي أو معاهد، أو نحوهم ممن هو محترم المال وإلا يجب رده إلى مالكه. نعم لو كان مغصوباً من غيرهم من أهل الحرب لا بأس بأخذه و إعطاء خمسه وإن لم يكن الحرب فعلاً مع المغصوب منهم.

وكذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة من وديعة أو إجارة أو عارية أو نحوها([3] ).

فبناء على ما قاله السيد اليزدي لو كان بعض مال أهل الحرب عند بعض المقاتلين - كما لو أخذ سلاح غيره عاريةً أو إجارةً - بما أنه من مال الحرب يشمله إطلاق أدلة الغنيمة وعدم وجود دليل على التقييد.

فحكم هذه المسألة واضح عند مشهور الفقهاء؛ إذ لا بأس بأخذ الغنيمة وتملكها من أهل الحرب، وأما اذا كان من المسلمين أو أصناف الكفار غير الحربيين الذين نعتبرهم من محترمي المال فيجب رد المال إلى مالكه.

ولا يوجد مخالف لهذه المسـألة إلا قول شاذ من قدماء الأصحاب كالشيخ المفيد في النهاية والقاضي ابن البراج في بعض كتبه، وأما مقالة المشهور فلا شك في موافقتها للقاعدة والأصول المعلومة لجهة احترام مال المسلم وشبهه، مضافاً إلى أنه تدل عليها بعض النصوص التي سنتعرض لها إن شاء الله.

سؤال: ما مقصود السيد الإمام و غيره من الكافر المعاهد؟ وهل يوجد في أقسام الكفر عنوان الكافر المعاهد؟ لأن الكفر المعروف قُسِمَ إلى ذمي وحربي ولا ثالث لهما، فمن أين أتى عنوان الكافر المعاهد؟

الجواب: لا شك في أن الإنسان إما مسلم أو كافر، والكفر ينقسم إلى قسمين رئيسين: الذميّ والحربيّ.

ومن الواضح أن الذميّ يطلق على أهل الكتاب الذين يعيشون في ظل الحكومة والدولة الإسلامية، أي يعيشون في ذمة الإسلام ولا بد لهم من الالتزام بقوانين الحكومة لا بأحكام الإسلام، فلهُم شريعة خاصة يعملون بها، ولكن قوانين الحكومة في إدارة المجتمع الإسلامي تنفذ في حق الكل، ولا بد لهم من الالتزام بعدم الحرب على الإسلام، بل المشاركة في الدفاع عن الإسلام.

فهؤلاء هم أهل الذمة، ولا شك في أن أهل الذمة مالهم ودمهم وعرضهم محترم، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لهم، بل الحكومة الاسلامية تأخذ منهم الجزية وتدافع عنهم .

و أما الثاني وهو الكافر الحربي فهو الذي يطلق على طوائف عديدة:

الأولى: أهل الكتاب الذين لم يُجروا عقد الذمة مع الحكومة الاسلامية .

الثانية: أهل الكتاب الذين أجروا عقد الذمة، ولكن لم يعملوا بمفاده بل نقضوا عهدهم فخرجوا من أهل الذمة ودخلوا بذلك في أهل الحرب.

الثالثة: أهل الحرب الكفار الذين يحاربون الإسلام فعلاً وقوة.

الرابعة: الكفار من غير أهل الكتاب وغير أهل الذمة، ولا يحاربون الإسلام بل يتعاملون مع الحكومة الإسلامية ببعض العهود والعقود اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً. فهذا القسم من أهل الحرب يسمى الكافر المعاهد.

وفي بعض الموارد يجرى بينهم وبين المسلمين عقد الصلح والأمان، فيسمى الكافر المستأمن، وإن كان داخلاً في أهل الحرب.

الخامسة: الكفار من غير أهل الكتاب وغير أهل الذمة، ولكن لا يحاربون الإسلام، ولا يتعاملون مع الحكومة الإسلامية، ولا يتعهدون ببعض العقود و العهود، وإنما هم ساكتون لا يتكلمون للإسلام وللحكومة الإسلامية ولا عليهما، إيجابياً ولا سلبياً.

فهولاء هم الأقسام الخمسة الذين يطلق عليهم الكافر الحربي، والمهم هنا السؤال: هل هؤلاء كلهم غيرُ محترمي المال والعرض والدم أم لا؟

بالنسبة إلى الأقسام الثلاثة الأولى لا شك في عدم احترام أموالهم وغيرها، وأما بالنسبة إلى الطائفتين الأخيرتين فهؤلاء محترمو الدماء والأموال والأعراض، ولا يجوز لأحد أن يتعرض لهم. وبالتالي إذا كان مال هؤلاء عند المقاتلين أو عند أهل الحرب فلا يجوز أخذه، بل يجب على من أخذه أن يرد على صاحبه لأنه محترم المال.

ويمكن أن نطبق هذه الأقسام على الدول الموجودة اليوم في العالم، وننظر في كيفية تعاملها مع الحكومات الإسلامية نظيرَ الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فبعض الدول الغربية من أهل الحرب أجرت مع الجمهورية الإسلامية عقوداً اقتصادية وسياسية وعسكرية، وبعضها لم يجرِ ذلك، واختارت السكوت فلا تتكلم لنا ولا علينا.

فهولاء أموالهم و عقودهم محترمة .

وأما بالنسبة إلى الأمريكيين وإسرائيل الذين هم في حال حرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية فهولاء غير محترمي الأموال ولا غيرها.

وقد تحدث الفقهاء حول تملُّكِ المستأمن لأراضي بلاد المسلمين، فمثلاً نقل الشيخ الطوسي عن البعض أن المستأمن إذا أحيا أرضاً في بلاد الإسلام صار ذمّياً، ولا يمكّن من الرجوع إلى بلاد الشرك([4] ).

وذكر ابن البرّاج أنّ الحربي المستأمن إذا اشترى أرضاً عشرية أو خراجية فسلّمها إلى مسلم مزارعة كان جائزاً، ويصير بها ذمّياً، وما يخرج منها يقسّم بينهما على ما اشترطاه، ويوضع عليه الخراج في أرضه ولا يمكّن من الرجوع إلى مأمنه([5] ).

وخالف في ذلك العلّامة الحلّي نافياً اعتباره ذمّياً بذلك، ويكون حكم أرضه حكم مال المستأمن ينقض الأمان فيه بموته كغيره من أمواله([6] ).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo