< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم ما أُخِذ بالرِّبا أو الدعوى الباطلة.

وهذا من الفروع التي صرح بها السيد الإمام الخميني فقال:

وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها، فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة لا فائدة، فلا يحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة، ولكن الأقوى خلافه([1] )

أولاً: لا شك في أن الاحتياط المذكور في كلام السيد الإمام هو احتياط استحبابي وليس احتياطاً وجوبياً؛ لأن السيد الإمام قوّى خلافه في الذيل، ومن الواضح أن "الأقوى" فتوى الإمام، والاحتياط الوجوبي هو الاحتياط الذي لم تسبقه فتوي ولم تلحقه.

ففتوى الإمام مبنية على كونهِ اعتبر ما يؤخذ بالربا والدعوى الباطلة من الغنيمة المطلقة وبمعناها العام (أي الفائدة) وإن كان في مقام الاحتياط الاستحبابي.

ثانياً: لا يخفى أن المقصود مما أخذ بالربا أو الدعوى الباطلة هو المأخوذ من الكافر الحربي أو من في حكمهم كالنواصب، لا مطلق المال المأخوذ بالربا أو الدعوى الباطلة ولو من المسلمين؛ إذ من الواضح كونه حراماً في صريح كتاب الله عز وجل والسنّة. لذلك فالحكم بثبوت الخمس في ما أخذ من الكافر الحربي بالربا أو الدعوى الباطلة هو في الحقيقة فرع جواز أخذ المال منه بالربا.

ووقع البحث في هذه المقام في جواز أخذ الربا من الكافر الحربي لأنه تابع للعنوان، والمهم تشخيص العنوان في هذه البحث، لأنه يدور مدار عنوانين: إما أن مال الكافر الحربي غير محترم فيجوز التصرف فيه، وإما أن ذلك لا يجوز لأنه ربا، والربا حرامٌ بصريح إطلاق الكتاب وَحَرَّمَ الْرِّبَا[2] والسنة كصريح ما قاله الإمام علي(عليه السلام): لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) الرِّبَا وَآكِلَهُ وَمُؤْكِلَهُ وَبَائِعَهُ وَمُشْتَرِيَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ‌ ([3] ).

والدعوي الباطلة كذلك حرام من ناحية الكذب وقول الزور، ولكنه حرام تكليفيٌّ لا أثر له في ما يقع في يده من الأموال، فلا ينافي حليتها بعنوان المال المأخوذ من الكافر الحربيِّ غير محترم المال.

ففي هاتين الجهتين وقع موضعاً للبحث؛ ففي خصوص الربا يقول المشهور بجواز أخذه من الكافر، وبالنسبة إلى دليله فلا بد من البحث فى مورده.

و المشهور على القول بالجواز في أخذ الربا حتى تكليفاً؛ والوجه في ذلك قصور آيات تحريم الربا عن شمولها للكفار، بل اختصاصها بالمومنين، مثل هذه الآيات:

﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ الرِّبَواْ أَضْعَفًا مُّضَعَفَةً وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[4]

﴿يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الرِّبَواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ[5]

﴿ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ‌ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [6]

وإنما البحث في تعلق عنوان الغنيمة بمعناها العام أو بمعناها الخاص.

فأشار السيد الخوئي لذلك بقوله:

وأوضح حالاً المأخوذ منهم بالمعاملة الربوية، فإنّا لو بنينا على جواز الربا معهم - كما هو المشهور - كانت هذه المعاملة كغيرها من ساير المعاملات التي تعد فوائدها من أرباح المكاسب والغنائم بالمعنى الأعم كما هو ظاهر. وإن قلنا بالحرمة كما هو الأظهر عملاً بإطلاق قوله تعالى: (وَحَرَّمَ الرِّبا) السليم عما يصلح للتقييد نظراً إلى أن الرواية المقيدة المتضمنة لجواز الربا مع الكافر ضعيفة السند، ومن ثم استغرب السبزواري أنه كيف يرفع اليد عن إطلاق الآية برواية ضعيفة، فهذه المعاملة غير سايغة معهم من أصلها، فلا يجوز ارتكابها.

نعم، بعد الارتكاب وأخذ المال يجوز التصرف فيه ولا يجب الرد عملاً بقاعدة الإلزام؛ حيث أنهم يسوغون هذه المعاملة فيؤخذون بما التزموا به على أنفسهم. وعليه فيعد ذلك فائدة عائدة بالتكسب كما في ساير المعاملات، فتكون لا محالة من الغنائم بالمعنى الأعم. بل يمكن أن يقال: إنه لا حاجة إلى التمسك بقاعدة الإلزام بعد جواز استملاك مال الكافر حتى سرقة أو غيلة([7] ).

و كذلك قال السيد الحكيم في المستمسك:

وبالجملة: إن كان المقصود إثبات الخمس في المقام بعنوان الفائدة فدليلهُ مقيدٌ بما دل على اعتبار المؤنة، وإن كان بعنوان آخر فهو محتاج إلى دليل. والدليل على ثبوت الخمس بعنوان الغنيمة بعد القتال والغلبة غير شامل للمقام. ثمَّ إنه لو بُني على عدم اعتبار المقاتلة في صدق الغنيمة فلا يظهر وجه للتفصيل بين السرقة والغيلة وبين الربا والدعوى الباطلة([8] ).

فالخلاصة أن هذا الفرع خارج عن دائرة غنيمة دار الحرب، ولا يشمله الدليل، و لا يصدق عليه العنوان، وإنما هو داخل في مطلق الفائدة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo