< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة البحث حول ما أخذ من الكفار بالسرقة والغيلة:

قلنا أن المسألة في المرحلة الأولى - أي في وجوب الخمس - لا خلاف فيها، وأما في المرحلة الثانية - أي في زمان تعلق الخمس وملاك تعلقهِ - فهنا قولان.

وقلنا أن الخلاف في المسألة عائدٌ إلى الخلاف المبنائي في تعريف الغنيمة، وملاحظة الشروط في تعريفها؛ لأن البعض اشترط في تعريف الغنيمة ووجوب الخمس فيها وقوعَ القتال، أي الغنيمة بمعناها الخاص، وقد تحدثنا فيها سابقاً واشترطنا في وجوب الخمس أمرين:

الأول: القتال. والثاني: إذن الإمام. فالذين يعتبرون ما أخذ بالسرقة والغيلة غنيمة بالمعنى الخاص يقولون بوجوب الخمس بمجرد حصول المال.

وأما الذين لا يعتبرونها غنيمة بالمعنى الخاص بل غنيمة بالمعنى العام ومن مصاديق مطلق الفوائد فيقولون بوجوب الخمس بعد مرور سنة واستثناء مؤونتها.

وبخصوص الغنيمة بمعناها الخاص لا ريب في وجوب الخمس، وهو موضع اتفاق المسلمين كما تحدثنا سابقاً واستدللنا عليه بالكتاب والسنّة، ولكن في خصوص ما أخذ بالسرقة والغيلة يقع كلامنا في الغنيمة بمعناها الخاص إلا أن الأدلة لا تشمل هذا المورد لأننا اشترطنا وجود القتال في الغنيمة القتالية، ومن الواضح أن المأخوذ بالسرقة والغيلة لا قتال فيه، فهذا المورد خارج عن دائرة الغنيمة القتالية، وليس مصداقاً من مصاديقها بل هو مشمول في الغنيمة بالمعنى العام أي مطلق الفوائد.

وقد قلنا سابقاً أن اتفاق المسلمين قائم على تقسيم الغنيمة بين المقاتلين ومن ساعدهم في أمر القتال، فواضح دلالة ذلك على اشتراط القتال.

وقد قال بعض الفقهاء أن ما يؤخذ منهم غيلة أو سرقة يصدق عليه عنوان الغنيمة، لأن الملاك في الغنيمة هو الاستيلاء على مال الكفار بغير رضاهم، والقتال هو مجرد طريق ووجه من وجوه استيلاء المسلمين على الكفار، وهذا قولٌ بعيدٌ ولا يساعد عليه ظاهر الروايات ولا مذاق الشرع؛ لأنّ الروايات تشير إلى أن للقتال خصوصية في ذلك، والآية نزلت في هذا المورد وكثير من الروايات وردت في ذلك، ولم نعثر في الروايات مورداً يصرّح فيه الإمام بأن الملاك هو السيطرة والاستيلاء على مال الكفار.

اللّهمّ إلّا أن يقال أولاً بإلغاء الخصوصية من هذه الجهة، أي لا خصوصية لأخذ مال الكافر بالقتال، وهو قولٌ لا يخلو من تأمل، لأننا اشترطنا القتال فلا يمكن القول بسراية الحكم إلى سائر الموارد.

أو يقال بالاستدلال بأدلة جواز أخذ مال الناصب في غير الحرب بل بشكل عام، والقول بالغاء الخصوصية في مال الناصب وشمول الدليل لهذا المورد - أي مطلق الكافر الحربي- وهو كذلك بعيد جداً؛ لأننا نعلم من الأحاديث أن للناصب خصوصية من جهات عديدة، منها جهة جواز أخذ ماله في غير الحرب.

مضافاً إلى ذلك لو قلنا بوجوب الخمس في المال المأخوذ من الكافر بالسرقة والغيلة، لا بد من القول بأنه بعنوان الغنيمة بمعناها العام (مطلق الفائدة) فبحسب الأدلة نقزل أن هذا المورد أي أخذ المال من الكافربالسرقة والغيلة من دون القتال مشمول بالآية المباركة بالمعنى العام لا الخاص، وتشملها الروايات الناظرة إلى مطلق الفوائد، فما قاله السيد الإمام والسيد اليزدي لا يمكن الموافقة عليه حسب ما نرى، كما قال السيد الخوئي:

المستفاد من الآية المباركة وكذا النصوص على كثرتها صحيحها وسقيمها التي لا يبعد بلوغ المجموع حد التواتر، اختصاص الحكم بالاغتنام الناتج من القتال. والمتحصل من الغلبة بالمقاتلة لا مطلق السيطرة على المال كيفما اتفق ليشمل مثل السرقة والخديعة.

ويعضده ما في مكاتبة علي بن مهزيار من التمثيل لمطلق الفائدة - أي الغنيمة بالمعنى الأعم - بالمال المأخوذ من عدو يصطلم.

فإن من الظاهر عدم إرادة العدو الشخصي بداهةَ أن العداوة الشخصية لا تسوغ أخذ المال، بل المبدئي العقائدي الذي من أبرز أفراده الكافر الحربي باخذ المال منه غيلة أو سرقة الذي هو محل الكلام.

وبعبارة أخرى: مقتضى إطلاقات الأدلة المتضمنة أن الخمس بعد المؤونة أنّ كل فائدة يستفيدها الغانم لا يجب خمسها إلا بعد إخراج مؤونة السنة إلا ما ثبت خلافه بدليل خاص، وقد ثبت ذلك في جملة من الموارد مثل غنائم دار الحرب الحاصلة من القتال والمعدن والكنز ونحوها، ولم يثبت في المأخوذ من الكافر سرقة أو غيلة فالمتَّبع حينئذ هو الإطلاق المتقدم. إذا فهذا المأخوذ فائدة كساير الفوائد العائدة بالتكسب، لا يجب تخميسها إلا بعد إخراج مؤونة السنة([1] ).

وها هنا نص مكاتبة علي بن مهزيار و يعبر عنها بالصحيحة:

...فَأَمَّا الْغَنَائِمُ وَالْفَوَائِدُ فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتٰامىٰ وَالْمَسٰاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَ مٰا أَنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ وَ الْغَنَائِمُ وَ الْفَوَائِدُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَهِيَ الْغَنِيمَةُ يَغْنَمُهَا الْمَرْءُ وَ الْفَائِدَةُ يُفِيدُهَا وَ الْجَائِزَةُ مِنَ الْإِنْسَانِ الَّتِي لَهَا خَطَرٌ وَ الْمِيرَاثُ الَّذِي لَا يُحْتَسَبُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَ لَا ابْنٍ وَ مِثْلُ عَدُوٍّ يُصْطَلَمُ فَيُؤْخَذُ مَالُهُ...([2] )

فمن الواضح أن ظاهر العدو في هذه الصحيحة ليس العدو الشخصي، بل المراد العدو المبدئيّ ومن أبرز مصاديقه الكافر الحربي.

فلو أخذ إنسان مال الكافر الحربي الذي يجده في الطريق - بعد القول بالجواز – فإنه يدخل في الغنيمة بمعناها العام ومطلق الفائدة، فيجب فيه الخمس بعد مرور السنة واستثناء مؤونة السنة، لأنه لا دليل على استثناء المورد.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo