< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تتمة المناقشة في إطلاق الآية وشمولها للغنائم المنقولة وغيرها:

تحدثنا حول الاستدلال بظهور آية الغنيمة وناقشنا فيه من جهة عدم إحراز إطلاق الآية أساساً؛ بل الآية ناظرة الى وجوب الخمس في الغنائم التي يملكها المقاتل ويجب عليه أداء الخمس فقط، وبعد إخراج الخمس يبقي الباقي في ملكه. وأما ما نحن فيه فخارجٌ عن موضوع الآية المباركة؛ لأنّ الباقي في غير المنقول بعد إخراج الخمس لا يبقى في ملك المقاتل، بل يتعلق بعموم المسلمين ويجوز لهم الاستفادة منه.

وهناك مناقشة أخرى:

وهي أن الظاهر الذي أخذ في مفهوم الغنيمة - كما قلنا- هو عَودُ الفائدة إلى شخص الغانم وصيرورتها ملكاً له، وليس المقصود إباحة التصرف فقط، بل لا بد من الملكية، وهذا شرط تعلق الخمس بالغنيمة، بل في مطلق ما يجب فيه الخمس.

ومن الواضح أن الأموال غير المنقولة كالأراضي والعقار سواء بعد إخراج الخمس أو قبله، ليست ملكاً لشخص معين؛ بل هي بيد الإمام وباختياره. نعم هو يجيز للمسلمين التصرف فيها، أي للمسلمين حق الاستفادة فقط وليس لهم الملكية.

وبعبارة أخرى: إنّ الأراضي والمساكن والعقار لايصدق عليها عنوان الغنيمة، ولا يملكها أحد من المقاتلين وغيرهم، وإنما الحقيقة أن النسبة التي كانت بينها وبين السلطان المغلوب في الحرب قد زالت، وتحققت النسبة إلى السلطان الغالب، وبالتالي يجوز له أن يتصرف فيها ويصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين ولا تدخل في ملكية أحد، لأن مورد الأية هو ما يملكه الغانمون بأجمعه لولا وجوب الخمس، ومن الواضح أن الأراضي لا تكون ملكاً للغانمين، فهي خارجة عن الآية.

فبناء على ذلك لا تشمل الآية الغنائم غير المنقولة، بل يشمل ظاهر الآية وجوب الخمس فيما يصدق عليه عنوان الغنمية بالنسبة إلى المحاربين و المقاتلين.

سؤال: هل الأموال غير المنقولة خارجة عن حقيقة الغنيمة أم خارجة عن حكم تعلق الخمس بها؟

للإحاطة بالجواب انظر الى ما قاله السيد الخوئي بعد التصريح بأن الأراضي الخراجية لم تكن ملكاً للمقاتلين وغنيمةً لهم، بل لعامّة المسلمين إلی يوم القيامة:

نعم، هي غنيمة بمعنى آخر، أي يستفيد منها المقاتل بما أنّه مسلم، لكن الغنيمة بهذا المعنى لا خمس فيها، لوجهين:

أمّا أوّلًا: فلاختصاص أدلّة الخمس بالغنائم الشخصيّة و ما يكون ملكاً لشخص الغانم، لا ما هو ملك للعنوان الكلِّي كما في الأراضي الخراجيّة، حيث إنّها لم تكن ملكاً لأيّ فرد من آحاد المسلمين وإنّما ينتفع منها المسلم بإزاء دفع الخراج من غير أن يملك رقبتها، بل المالك هو العنوان الكلّي العام، نظير الأوقاف العامّة التي هي ملك لعناوين معيّنة.

ومن ثمّ لم يلتزم أحد بوجوب تخميسها، وليس ذلك إلّا لانتفاء الملك الشخصي و الغنيمة الشخصيّة التي هي الموضوع لوجوب الخمس. والمشهور إنّما ذهبوا إلى التخميس في الأراضي الخراجيّة زعماً منهم أنّها غنيمة للمقاتلين، لا باعتبار كونها غنيمة لعامّة المسلمين كما لا يخفى.وأمّا ثانياً: فلأجل أنّ قولهم: لا خمس إلّا بعد المئونة، يكشف عن اختصاصه بمالٍ تُصرَفُ المئونة في سبيل تحصيله. وهو كما ترى خاصّ بالملك الشخصي، إذ لا معنى لإخراج المئونة فيما يكون المالك هو العنوان الكلّي العام، لعدم كونه ممّن يصرف المئونة في سبيل تحصيل الغنيمة كما هو ظاهر.

فتحصّل: أنّ ما ذكره المشهور من التعميم لغير المنقول من الغنائم كالأراضي وأنّها تخمّس أوّلًا ثمّ تكون ملكاً لعامّة المسلمين لا يمكن المساعدة عليه، لقصور النصوص عن إفادة التعميم حسبما عرفت.

والاستشهاد له برواية أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: كلّ شي‌ء قوتل عليه على شهادة أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وأنّ محمّداً رسول اللّٰه فإنّ لنا خمسه» إلخ، بدعوى أنّ لفظة «كلّ» من أدوات العموم فتعمّ المنقول وغير المنقول، في غير محلّه؛ إذ مع تسليم تماميّة الدلالة فالسند قاصر من أجل اشتماله على علي بن أبي حمزة الذي هو البطائني الكذّاب، فلا يمكن الاعتماد عليها.

فما ذكره صاحب الحدائق (قدس سره) من الاختصاص بالمنقول وعدم ثبوت الخمس في غير المنقول هو الصحيح الحقيق بالقبول([1] )

و يؤيده أن المتداول الموجود بين الناس قبل الإسلام و قبل نزول الآية هو عدم تقسيم الأراضي المفتوحة بين المسلمين، فنـزلت الآية المباركة في جو كان فيه المسلمون يعلمون ذلك، ولا شك في أن هذا يوجب انصراف ظهور الآية عن غير المنقول، وعدم شمولها لما نحن فيه.

و تؤيده سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) في تقسيم الغنائم وهي تشمل الأموال التي يؤتى بها إلى النبي كما ورد في الروايات كصحيحة ربعي بن عبدالله. ومن الواضح أن الأراضي لا يؤتى بها إلى النبي، ولم أعثر على ذكرٍ لتقسيم الأراضي بين المسلمين.

هذا بالنسبة إلى ظهور الآية المباركة، حيث انتهينا في البحث إلى إسقاط الآية عن مقام الاستدلال، وأما الروايات الواردة في قسمة الغنائم فموردها غير الأراضي.

و أما بالنسبة إلى شهرة القول بتعميم وجوب الخمس بين الشيخ الطوسي وسائر الفقهاء، فبالتأمل سيظهر أن الشيخ لم يقل بتعميم الخمس للمنقول وغيره لوجود نص دال على ذلك بل لأجل الآية المباركة فقط، فكأن الشيخ والمشهور من الفقهاء إنما قالوا بتعميم الخمس بين المنقول وغيره لأجل إطلاق الآية، وهو العمدة في الاستدلال عندهم؛ ولولا إطلاق الآية لما قالوا بالتعميم.

فبناء على ذلك قمنا آنفاً بالبحث حول الآية، وقلنا بعدم ظهورها في التعميم لأمرين: إما لعدم الإطلاق أصلاً. وإما لانصراف الآية بسبب القرائن الموجودة، وبالنتيجة يسقط استدلال الشيخ وبالتالي الشهرة الموجودة في المقام.

فلذلك نقول بعدم تعميم وجوب الخمس في الغنيمة، بل نقول باختصاصه بالمنقول فقط. ومخالفة الشيخ الطوسي والمشهور بعد هذه الملاحظة لا تقدح بالموضوع.

 

الحمد لله ربّ العالمين


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo