< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة البحث حول اختصاص خمس الغنيمة بالمنقول أو شموله للمنقول وغيره:

ظهر للمتأمل في أقوال الفقهاء الذي ذكرتها في الدرس الماضي أنه لا خلاف في وجوب خمس الغنائم المنقولة، وأما غير المنقولة فالقول بعدم الفرق بينها وبين المنقولة ووجوب الخمس فيها منسوبٌ إلى المشهور من الفقهاء من القدماء والمتاخرين منهم؛ كالشيخ الطوسي، والمحقق صاحب الشرائع، والتذكرة، والشهيدين، وغيرهم.

و يشير صاحب الجواهر كذلك إلى تعميم وجوب الخمس للمنقول وغيره، ويصرح بعدم الخلاف في المسألة، لأنه بعد كلام المحقق في وجوب خمس الغنائم قال: بل لا أعرف فيه خلافاً (لما حواه العسكر وما لم يحوه من أرض وغيرها) بل هو من معقد إجماع المدارك([1] ).

ومن الواضح أن مقصود صاحب الجواهر اتفاق الأدلة كما قال: كما أنه مندرج في خبر أبي بصير عن الباقر(عليه السلام) قطعاً، قال: كل شي قوتل عليه على شهادة أن لااله الله و أن محمداً رسول الله فأن لنا خمسه، ولا يحل لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتى يصل إلينا حقنا

وهذه الشهرة والاتفاق موجودة إلى عصر صاحب الحدائق، أما هو فقد أنكر ذلك على الفقهاء وأسس قولاً جديداً في مقابل المشهور؛ وهو القول باختصاص الخمس بالمنقول فقط. وأشار إلى ذلك المحقق النراقي في المستند حيث قال: صريح جماعة عدم الفرق في غنائم دار الحرب بين المنقول وغيره، ويظهر من بعض المتأخرين التخصيص بالأول([2] ).

و لاريب في أن المقصود من بعض المتأخرين هو صاحب الحدائق الذي قال: ولا أعرف على هذا التعميم دليلاً سوى ظاهر الآية، فإن الظاهر من الروايات اختصاص ذلك بالأموال المنقولة([3] ).

و ممن اختار القول الثاني السيد البروجردي، ودليله نفس دليل صاحب الحدائق. وبعض المتأخرين كما يظهر من جمع من محشي العروة الوثقى.

فتلخّص مما ذكرنا أن المسألة لا تخلو من قولين:

الأول: تعلق الخمس، وهو المشهور، ولا سيما بينما القدماء.

الثاني: عدم تعلق الخمس، وهو ظاهر جمع من المتأخرين.

و لكن يمكن لنا أن نستخرج قولا ثالثاً؛ وهو التفصيل بين زمن الحضور وزمن الغيبة، فيجب الخمس في زمن الحضور ولا يجب في زمن الغيبة. وهذا القول هو المحكي عن بعض حواشي كتاب القواعد، ولكنني أنقله عن كتاب الأنوار الفقهية لشيخنا الأستاذ مكارم الشيرازي.

الأدلة على القول المشهور:

من الأدلة على القول المشهور - وهو وجوب الخمس في المنقول وغيره، وتعميم الوجوب إلى طرفي القضية - الاستدلال بظاهر الآية المباركة: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾([4] ) .

والاستدلال بهذه الآية المباركة هو تطبيق عنوان الغنيمة التي صرحت الآية المباركة بها - وهي موضوعها وموضوع نزولها- على المنقول وغير المنقول؛ فالأية تقول: "أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ" والشيءُ مطلقٌ ويشمل المنقول وغير المنقول.

وهذا هو الدليل المهم وأساس الأدلة عند المشهور على القول بتعميم الخمس، ولكنه قابل للمناقشة، فنبدأ بالنقاش فيه كما نوقش من قبل:

أولاً: إن ظاهر الآية المباركة هو تعلق الخمس بالمورد لباقي بعد إخراج الخمس للمقاتل؛ أي يتعلق الخمس بأربعة أخماس بعد إخراج الخمس للمقاتلين، لاشتمال قوله تعالى في الآية المباركة مشتمل على (غنمتم) و هذه العبارة ظاهرة في الغنيمة التي يكسبها المقاتل ويخرج منها الخمس ويبقى الباقي له. مثل ما يقال: اذا اكتسبت ربحاً أدِّ خمسه إلى الامام فما هو ظاهر هذا الخطاب؟ المستفاد منه أنه بعد إخراج الخمس يبقي الباقي لمن اكتسب الربح، لا للغير.

و لكن من المعلوم أن ما نحن فيه من مسألة الأموال غير المنقولة في المعركة من الأراضي والعقار والبيوت وغيرها، حتى لو قلنا بوجوب الخمس فيها، فبعد إخراج الخمس لا يكون الباقي للمقاتل والغانم؛ بل الإجماع أنه لجميع المسلمين. لذا نقول أنّ ما نحن فيه خارج عن عموم الآية المباركة، وليس داخلاً فيه من الأساس حتى يقال بالتخصيص أو التقييد بالروايات وغيرها.

وانظروا إلى هذه العبارة المفيدة من السيد الخوئي في ذلك:

يمكن أن يقال بعدم إطلاق للآية المباركة بالاضافة إلى غير المنقول، فالغنيمة هي الفائدة العائدة للغانم بما هو غانم وعليه فتختص بما يقسم بين المقاتلين وهي الغنائم المنقولة.

و أما الأراضي المحكوم عليها بأنها ملك لعامة المسلمين فلا تعد غنيمة للغانم والمقاتل بما هو كذلك، وإن استفاد منها بما هو أنه فرد من أحاد المسلمين فلا تختص به، ولا مدخل لوصفه العنواني في الانتفاع بها لتتصف بكونها غنيمة له كما لا يخفى، فالإطلاق إذن ساقط من أصله، ومعه لا دليل على وجوب الخمس في غير المنقول([5] ).

مضافاً إلى ذلك يمكن المناقشة بانصراف الآية المباركة عما نحن فيه، فنتعرض لها في الدرس القادم.

الحمد لله ربّ العالمين

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo