< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/04/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة الإشكال والجواب على إسقاط صلاحية صحيحة معاوية بن وهب عن مقام الاستدلال لاضطراب المتن:

تحدثنا في الدرس الماضي حول اضطراب متن صحيحة معاوية بن وهب، وقلنا بما أن في المتن ما يخالف صريح كتاب الله تعالى في آية الغنيمة ومُسلَّمَ الفقه، فلا يمكن الاعتماد عليها في مقام الاستدلال، مع أنها صحيح السند وتامة الدلالة.

مضافا إلى اضطراب المتن من جهة وجود ما يخالف كتاب الله في عدة نسخ الرواية في الكافي والوسائل، وعند بعض الفقهاء، وجدنا أن مشهور الفقهاء - وخصوصاً القدماء - قد أعرضوا عنها في مقام الاستدلال، ولا شك أن إعراض المشهور يوجب وهن الرواية، إلا أن يكون للمخالف قرينةٌ على خطأ المشهور.

وفي حديثهم معي قال بعض الإخوة الذين يحضرون في الدرس: قد ذكرتم رأي محقق كتاب الكافي وبعض المحدثين، وذكرتم عبارة المتأخرين المعاصرين من الفقهاء، فلماذا لا تذكرون رأي القدماء لنرى كيف نقلوا هذه الرواية؟ هل نقلوا العبارة الموافقة لكتاب الله أم نقلوا العبارة المخالفة له كأكثر نسخ الكتب الروائية؟ أي هل نقل القدماء عبارة "أربعة أخماس" أم "ثلاثة أخماس"؟ وهذا مهِمٌّ؛ فلعل لدى القدماء بعض نسخ الكتب القديمة، ولا شك في أن نقلهم أدقُّ وأصح بالنسبة لنا.

في الإجابة على هذا السؤال نقول: مع أنّ القدماء قد تعرضوا للبحث حول الموضوع واشراط إذن الامام في وجوب خمس الغنيمة، ولكنهم لم يتعرضوا لهذه الرواية في مقام الاستدلال، بل ركزوا على مرسَلَة الورّاق.

وأول من كشف البحث حول صحيحة معاوية بن وهب في مقام الاستدلال الفقهي هو صاحب الحدائق المحقق البحراني؛ حينما أشار إلى الخلاف بين الفقهاء، ونسبَ القول بعدم اشتراط إذن الإمام إلى العلّامة في المنتهى _ ولكن كما قلنا سابقاً أننا لم نجده في مظانّهِ _ فيقول المحقق البحراني:

الظاهر أن منشأ هذا الخلاف إنما هو من حيث إنهم لم يقفوا على دليل لهذا الحكم إلا مرسلة العباس الوراق المتقدمة، وهي ضعيفة باصطلاحهم، سيما مع معارضتها بظاهر حسنة الحلبي المذكورة، وأنت خبيرٌ بأنه قد تقدم في صحيحة معاوية بن وهب أو حسنته بإبراهيم بن هاشم ما يدل على ما دلت عليه رواية الوراق، وحينئذ فلا يتم لهم الطعن في دليل القول المشهور بضعف السند؛ بناء على أنه لا دليل عليه إلا الرواية التي ذكروها لصحة هذه الرواية التي ذكرناها كما هو الحق.[1]

ولا يرد علينا بأنه إذا لم يتعرضوا لهذه الرواية فكيف تقولون بأن المشهور قد أعرضوا عنها وإعراضهم يويد عدم اعتمادهم عليها في مقام الاستدلال؟ إذ نقول: أنهم لم يتعرضوا لهذه الرواية، لكن تعرضوا لهذه المسألة وهذا الفرع، واشتراط إذن الإمام في القتال ودخله في وجوب خمس الغنيمة.

نعم؛ لو أنهم لم يتعرضوا للمسألة فكلامكم صحيح ولا يمكن لنا القول بإعراضهم عنها، لأنهم لم يتعرضوا للمسألة حتى يتعرضوا لدليلها، ولكن موضع النزاع مختلف لأنهم قدتعرضوا للمسألة ولدليلها، ولكنهم لم يتعرضوا لرواية معاوية بن وهب، فهذا دليل على إعراضهم عنها.

إنْ قيل: لعل القدماء من الفقهاء لم يلتفتوا إلى وجود هذا الرواية، ولو التفتوا إليها لتعرضوا لها واستدلوا بها ولم يعرضوا عنها.

نقول: هذا التوجيه مقبول لو كانت الرواية من الروايات الموجودة في الكتب الشاذة والنادرة والغريبة، التي لا يلتفت إليها الفقهاء عادة، ولكن هذه الرواية في كتاب الكافي، وفي الباب المناسب منه، فمن البعيد عدم التفات الفقهاء إلى هذه الرواية الصحيحة سنداً، فقطعاً التفت الفقهاء لها لكنهم لم يتعرضوا لها في الاستدلال، لذا نعتبرهم قد أعرضوا عنها. نعم؛ تعرّض بعض الرجاليين للرواية واعتبروها حسنةً لخصوص إبراهيم بن هاشم

وإن قيل: التأمل في متن الرواية يفيدُ بأنه بعد إخراج الخمس الوارد في صدر الرواية يبقى أربعة أخماس، وهذا نفسه يؤيد أنّ ما ورد في نسخة الكافي المطبوع "أربعة أخماس" لا بد وأن يكون صحيحاً. فلماذا لا نعتبر صدر الرواية دليلاً على صحة القول ب"أربعة أخماس".

نقول: نعم، هذا التأمل يفيد، ولكن المانع الأصلي هو وجود نسخ متعددة من الكافي والوافي ومرآة العقول والجواهر ومستند الشيعة وغيرها، بخلاف نسخة واحدة. لذا لا بد من طرح الحديث عن مقام الاستدلال.

وإن قيل: سلمنا بوجود هذا الاختلاف وعدم إمكان الخروج من اختلاف النسخ واضطراب المتن، ولكن الاضطراب في ذيل الرواية، لا في صدرها؛ فيمكن الأخذ بصدر الرواية من اشتراط الإذن، وطرح ذيل الرواية لاضطراب المتن، وهذا طريق لحل المشكلة وإبقاء الصحيحة في مقام الاستدلال.

نقول: هذا يستلزم التفكيك بين صدر الرواية وذيلها، وهو تفكيكٌ في حُجة واحدة، إذ إننا بعد أن قلنا بصحة الرواية اعتبرناها حجةً، ولا طريق للتفكيك بين حجة وحجة، فهذا التوجيه مدفوع بما عرفنا سابقاً في مباحث الاصول بأن عمدة دليل حجية خبر الواحد هو بناء العقلاء، وبالرجوع لهذا البناء نجد مثلاً أنهم لو وجدوا في رواية أو في سند أو وصيةٍ شيئاً باطلاً قطعياً لا يقولون بالتفكيك؛ بل يقولون بتسري الشك والباطل إلى كل الرواية وكل الوصية من الصدر والذيل، ويتوقفون عن العمل بها.

وفي الرواية التي نحن بصددها وجدنا شيئاً مخالفاً قطعاً لكتاب الله تعالى، فكيف نأخذ بصدر الرواية ونترك ذيلها؟

 

والخلاصة:

بعض النقض والإبرام من مختلف الجهات، ومع القول بصحة الرواية سنداً، وتماميتها دلالة، فإننا نُسقِطها عن الاستدلال. وبذلك انحصر الدليل على المسألة في مُرسَلَة الورّاق، والتي يمكن أن نورد لها بعض المؤيدات في الجلسة القادمة إن شاء الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo