< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة الإشكال و الجواب حول صحيحة معاوية بن وهب ودلالتها:

بعد أن وقفنا على بعض الإشكالات والإيرادات على دلالة صحيحة معاوية بن وهب، لجهة عدم كونها في مقام بيان اشتراط إذن الإمام بل كونها في مقام اشتراط القتال فقط، نقول: يمكن الردّ عن الاشكال و الدفاع عن دلالة الصحيحة على المطلوب بالبيان الآتي:

نعم؛ لاشك في أن المحور الاصلي في الرواية هو اشتراط القتال كما صرح به المستشكلون، ولكن الملتفت إلى الصحيحة يجد أن فيها عبارة شرط وقيد كما قال الإمام: "إن قاتلوا عليها مع أمير أمّرهُ الإمام عليهم..." فليس المقصود من تصريح الإمام اشتراط القتال فقط، بل إن شرط القتال مقيّدٌ بقيدٍ وهو "مع أمير أمره الامام عليهم"، ولا شك في أن ظاهر القيد الاحتراز.

ولكن هناك سؤال: ما المقصود من المعيّة المذكورة في الرواية؟ من الواضح أن المقصود اجتماع القيد مع الشرط؛ يعني أن الشرط مقيدٌ وليس الاشتراط فقط وجود القتال بل الاشتراط وجود القتال المقيد بأميرٍ أمره الإمام عليهم.

فبناء على ذلك لا مانع من اعتبار إذن الإمام والقتال معاً في وجوب خمس الغنيمة وملكية الباقي للمقاتلين. وهذا هو المطلوب من الاستدلال بالصحيحة عند من يستدل بها.

مضافا إلى ذلك: لو كان المقصود مجرد التفصيل بين وجود القتال و عدمه، لم يكن ثمّة وجهٌ لأن يذكر الإمام قيد التأمير في كلامه؛ لأن الامام يريد إلقاء الكبرى الكلية وهي اشتراط القتال في وجوب الخمس، فالأنسب أن لا يذكر القيد الإضافي في كلامه لو كان لا يريده. فأما إذا ذُكر قيد التأمير في كلام الإمام فيُعلَمُ منه أن له عناية خاصة بالقيد، ولو لم نقل بذلك لكان ذكر القيد في كلامه لغواً، فيُستظهر منه دخلُهُ في الحكم.

لأننا قلنا سابقاً في مقام بيان الإشكال أنه لا شك في أن قيد تأمير الإمام يدل بالفحوى على اعتبار صدور الإذن؛ إذ من الواضح أن جعل الأمير وتفويض أمر العسكر إليه مستلزم للإذن، بل لايمكن تصوره بدون الإذن قطعاً.

فأما لو لم يذكر الإمام القيد في كلامه لما قلنا بدلالة الصحيحة على شرطية إذن الامام في وجوب خمس الغنائم بصرف الاعتماد على ذكره القيد في سؤال السائل.

فظهر أن المستفاد المعتبر من الصحيحة هو الجمع بين الشرطين: شرط القتال وشرط إذن الإمام. وهذا مقتضى استخدام الإمام لفظ "مع" في كلامه، لأن هذا اللفظ يفيد اجتماع طرفيه، ومقتضى اجتماع طرفيه هو الجمع بين الشرطين: القتال والإذن.

فنحن لم نستفد اعتبار إذن الإمام من الشرط حتى يقول البعض بأن الشرط لا مفهوم له، ولم نستفد ذلك أيضاً من الوصف حتى يقول البعض كذلك، بل القول باعتبار إذن الإمام مستندٌ إلى ذكر القيد في كلامه، وهو يدل على وجود خصوصية للقيد المذكور في كلامه، وهو اشتراط الإذن.

وهذا هو الذي صرح به البعض في كتبهم الفقهية كالشيخ المرحوم الفاضل اللنكراني في تفصيل الشريعة حيث قال: والجواب: أنّ الشرطية الأُولى كافية في إثبات المطلب؛ وهو اعتبار إذن الإمام، لا بلحاظ مفهوم الشرط الذي نحن أنكرناه فضلًا عن سائر المفاهيم، بل بلحاظ أنّ ذكر القيد في كلام الإمام لا بدّ وأن يكون له فائدة؛ وهي المدخليّة في الحكم المذكور في الجزاء، وعليه فنفس الشرطية الأُولى تدلّ على مدخلية إذن الإمام في ثبوت الخمس في الغنيمة، ولا مانع من الالتزام بأنّ الشرطية الثانية بيان لبعض ما يفهم من الشرطية الأُولى، كما في جملة من الموارد الواقعة في الكتاب والسنّة، فالتحقيق دلالة هذه الرواية على الاعتبار وإن لم تكن بمثابة دلالة الرواية الأولى([1] )، فبذلك البيان أمكننا أن ندفع الإشكال عن الاستدلال بالصحيحة وعن دلالتها في المقام.

هذا بالنسبة لدلالة صحيحة معاوية بن وهب، فلا غبار عليها من هذه الجهة، بل دلالتها تامة ولا يرد عليها ما ذكره البعض مما قدمناه في الدرس الماضي. وأما من جهة السند فكذلك لا يمكن الإشكال عليها واعتبرناها صحيحة؛ لأن سند الرواية مشتمل على ابن محبوب وهو الحسن بن محبوب من أجلاء أصحاب الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) ومن اصحاب الإجماع، ويعد من الأركان، وقد روى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله .

ومعاوية بن وهب ثقة صحيح وحسن الطريقة كما صرح به النجاشي، وهو أيضاً من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم وإبراهيم بن هاشم كذلك لاريب في جلالته وعظمته. فسند الرواية صحيح لا يرد عليه إيرادٌ.

وأما النقطة المهة التي بقيت في هذه القضية فهي متن الحديث؛ لأن متنه مضطرب من جهة، وهذا يوهن الرواية وينقص من قيمة الاستدلال بها، فنبدأ ببيان هذه الجهة.

كما يتذكر المتأمل في الصحيحة أن فيها إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم أخرج منها الخمس للَّه وللرسول، وقسّم بينهم ثلاثة أخماس فبعد إخراج الخمس جعلُ ثلاثة أخماس من الغنيمة للمقاتلين، وهذا لم يقل به أحد ولم يعرف له قائلٌ، بل هذا مخالف لصريح كتاب الله عز وجل؛ لأن آية الخمس صريحة في الدلالة على وجوب خمس واحد لله ولرسوله، ولا تدل على وجوب خمسين وسهمين كما جاء في رواية معاوية بن وهب. نعم؛ إن الرواية واردة في بعض نسخ الوسائل وبعض نسخ الكافي، وفيهما: أربعة أخماس بدل ثلاثة أخماس.

ومن هذه الجهة لم يقف بعض الفقهاء عند هذه النقطة بل مروا عليها بسهولة، وكأنهم اعتمدوا على النسخ التي فيه أربعة أخماس بدل ثلاثة أخماس، ولكننا نرى أن الاعتماد على بعض النسخ الكافي والوسائل ليس بهذه السهولة، بل لابد لنا من أن نتأمل فيها أكثر فأكثر.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo