< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

حديث أخلاقي

محمد بن يعقوب عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ‌: إِنَّ فِي السَّمَاءِ مَلَكَيْنِ مُوَكَّلَيْنِ بِالْعِبَادِ فَمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّهِ رَفَعَاهُ وَمَنْ تَكَبَّرَ وَضَعَاه ([1] ).

مفادُ الحديث درسٌ أخلاقي في التواضع واحترام الناس حسب أقدارهم، وعدم الترفع عليهم، وهو خُلُقٌ كريم، وخلّة جذابة للقلوب.

و لأجل عظمة هذا الخلق فإنّ اللّه تعالى أمر حبيبهُ، وسيد رسله صلی‌الله علیه و آله بالتواضع، فقال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([2] ).

وقال النبي صلی‌الله علیه و آله إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَجْلِساً أَحْسَنُكُمْ خُلُقاً، وَ أَشَدُّكُمْ تَوَاضُعاً، وَ إِنَّ أَبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ. وَ هُمُ الْمُسْتَكْبِرُون‌([3] )

وقد سأل الإمام الصادق ذات يوم رجلاً من إحدى القبائل: من سيد هذه القبيلة؟ فبادر الرجل بالقول: أنا، فأنكر الإمام عليه ذلك وقال له: لو كنت سيداً ما قلت أنا.

الموضوع: الدليل على وجوب الخمس في غنائم الحرب:

تحدثنا حول وجوب الخمس في غنائم الحرب، وقلنا أنه موضع إجماع ومورد تسالم الفقهاء، ولم يختلف فيه أحد، ويدل عليه غير واحد من الأدلة، كآية الخمس في القرآن الكريم:

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ﴾

والقدر المتيقن من هذه الآية خمُسُ غنيمة دار الحرب.

وتدل عليه روايات عديدة رواها الشيخ الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة، حيث جعل باباً مستقلاً في كتاب الخمس ضمن أبواب ما يجب فيه الخمس، وأورد فيه خمس عشرة حديثاً، أكثرها يدل على ذلك المقصود.

و هنا أشير الى بعضٍ منها:

الأول: صحيحة عبد الله بن سنان: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ لَيْسَ الْخُمُسُ إِلَّا فِي الْغَنَائِمِ خَاصَّةً ([4] ).

هذا الحديث قد ذكره أكثر الفقهاء في مقام الاستدلال بالروايات على خمس الغنائم، وأشكلوا بأنه لا يمكن الأخذ بظاهره؛ لأنه بظاهره ينفي الخمس إلا في الغنيمة، لذا اهتموا ببيان بعض التوجيهات، والفحص عن طريق الجمع بين هذا الحديث وسائر الأحاديث الدالة على عمومية الخمس في مطلق الفوائد.

كما أشار لذلك السيد الخوئي فقال: وهذا بظاهره غير قابل للتصديق بل مقطوع العدم، ولا يمكن الأخذ به؛ لمنافاته مع ما ثبت من الخارج بالنصوص القطعية من ثبوت الخمس في غير الغنائم أيضاً كالمعادن والغوص والكنز و نحوها ([5] ).

وقام الشيخ الطوسي في كتابيه التهذيب والاستبصار بالجمع بين هذه الرواية وسائر الروايات، فقال في التهذيب: فَالْمُرَادُ بِهِ لَيْسَ الْخُمُسُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ إِلَّا فِي الْغَنَائِمِ خَاصَّةً لِأَنَّ مَا عَدَا الْغَنَائِمَ الَّتِي أَوْجَبْنَا فِيهَا الْخُمُسَ إِنَّمَا يَثْبُتُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِالسُّنَّةِ وَلَمْ يُرِدْ عليه السلام أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْخُمُسُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ([6] ).

و قال في الاستبصار:

فَهَذَا الْخَبَرُ الْوَجْهُ فِيهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنِيُّ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ الْخُمُسُ إِلَّا فِي الْغَنَائِمِ خَاصَّةً بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ مَا عَدَا الْغَنَائِمَ إِنَّمَا عُلِمَ وُجُوبُ الْخُمُسِ فِيهِ فِي السُّنَّةِ، وَلَمْ يُعْنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ خُمُسٌ أَصْلًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَكَاسِبُ وَ الْفَوَائِدُ الَّتِي تَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنَائِمِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ وَ قَدْ بَيَّنَ عليه السلام ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ ([7] ).

نقول: هذا الجمع يستلزم القول بأن الخمس في الغنيمة فريضة من الله، وقد ثبتت بالجعل الأوليّ، وما عدا خمس الغنيمة فهو سُنّةٌ نبوية.

والمهم هنا أن هذا المبنى سقيمٌ، وسنتعرض للبحث عنه إن شاء الله.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo