< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: موقف الإسلام من تكفير المخالفين:

لا شك في أنّ الاسلام ليس ديناً قومياً أو مذهبياً أو طائفياً، بل جاءت شريعة الإسلام لكافة الخلق، ودعت الخلق قاطبة إلى الله تعالى، وُبعث نبي الإسلام صلی‌الله علیه و آله إلى كافة الناس.

لذا خاطب الله نبيّه محمداً صلی‌الله علیه و آله

﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ ([1] ). فلا يكون هذا الخطاب شعاراً فقط، بل لا بد أن ينزل إلى مقام العمل، ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً﴾ ([2] ).

وحتى الذين يرفضون استلام رسالة الله إليهم، ولا يوفّقون لاعتناق الإسلام ديناً يدينون به، إلاّ أنّهم لا يُحرمون أبداً من التفيؤ بظلال الإسلام والعيش في رحاب دولته ونظامه، ولا يمكننا القول أنه محروم من خدمات المجتمع الإسلامي، فرسالة الإسلام ونبي الإسلام خير وعطاء ورحمة للبشرية جمعاء: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ([3] ).

هذا تعامل الإسلام مع الخلق أجمع، وهو مقتضى الآداب والأخلاق الإسلاميّة التي يُربّي الإسلام عليها أبناءه، وهي سارية في التعامل بين أفراد المجتمع مع تنوّع أديانهم. نعم في موارد خاصة بدليل خاص نحكم بكفر البعض لأن وجودهم في المجتمع والتعامل معهم يضرّ بالإسلام والمسلمين.

وإذا كان كذلك فكيف تعامل الإسلام مع بعض فرق المسلمين الذين يعيشون في الإسلام؟

روي أنّ غلاماً لابن عباس ذبح شاةً، فقال له ابن عباس: إذا سَلخْتَ فابدأ بجارنا اليهودي، ثمّ كرّرها حتّى قال له الغلام: كم تقول هذا؟ فقال ابن عباس: إنّ رسول الله صلی‌الله علیه و آلهلم يزل يوصينا بالجار حتّى خشينا أنّه سيورّثهُ

ووصية رسول الله صلی‌الله علیه و آله بالجار معروفة، في مطلق الجار حتى اليهودي، ومعروف من دعاء السيدة الزهراء أنها كانت تقول: الجار قبل الدار.

وقد قلنا إنّ وجود المخالف إذا أضرّ بالمجتمع الإسلامي فلا يجوز التعامل معه، فلا يجوز التعامل مع الاستكبار والصهيونية لأن وجودهم يضرّ بالمسلمين.

إنّ معنى هذا الحديث أنّ الإسلام في تعامله الأخلاقي وأداء حقوق الاجتماع لا يفرّق بين المسلم وأي مخالف آخر، فالكلّ في نظر الإسلام سواء.

والله تعالى يوصي المسلمين بالتواصل مع الناس حتى الذين يعيشون خارج العقيدة الإسلامية، فقد قال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً﴾ ([4] ).

الحديث حول تفسير الآية معروف، وقد تم تناولها كثيراً من قِبل المفسرين والمحاضرين، وهي من الآيات المهمة جداً في بيان مقامات المعصومين ولا سيما مقام السيدة الزهراء ، التي قال الصادق أنها سمّيت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها(. [5] ومن الواضح أن المقصود من الأسير في هذه الآية هو الأسير الحربي من خارج المسلمين، وقد أطعم أهل البيت أسيراً من أسارى المشركين، فهذه الآية تحضّ المسلمين على أداء حقوق أفراد المجتمع حتى من غير المسلمين، فكيف إذاً بالفرق الموجودة في الإسلام؟

وفي الرواية: مَرَّ شَيْخٌ مَكْفُوفٌ كَبِيرٌ يَسْأَلُ- فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذَا؟ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نَصْرَانِيٌّ. فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَعْمَلْتُمُوهُ، حَتَّى إِذَا كَبِرَ وَعَجَزَ مَنَعْتُمُوهُ؟ أَنْفِقُوا عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ([6] ).[7]

وفي قصة نذكرها بالمضمون: أنه في عصر الإمام الرضا جاءه حاكم مدينة نيسابور وقال له: يا ابن رسول الله، إن مجوسياً وقف قدراً من المال ثم سلّمني إياه وَرَثتُهُ لأتصرف فيه فوزعته بين المسلمين، فقال له الرضا إنّ المجوسيّ إنما يوقِفُ المال لأقرانه وأبناء مذهبه، فعليك أن تخرج بمقدار ذلك المال من بيت المال وتوزعه بين المجوس.

فكيف يمكن أن نتصور أن الإمام الرضا يلزم حاكم نيسابور بأداء حقوق المجوس، بينما نحن في مجتمعاتنا لا نلتزم بأداء حقوق أهل السنة؟!

وهنا يُطرح سؤال: لقد أوصى الأئمة أتباعهم بحسن التعامل مع المخالفين، فهل كان ذلك لأنّ أتباع أهل البيت كانوا مضطرين لذلك؟ فلو خرجنا من حالة الاضطرار، لا يكون حسن التعامل مع المخالفين حكماً أساساً من أحكام الشريعة، وبعبارة أخرى: نحن لسنا مضطرين للتعامل الحَسَن معهم، بل نحن مكلفون بذلك في حالة عدم الاضطرار أيضاً.


[1] سوره. سباء، آیه 28
[2] سوره. اعراف، آیه 154
[3] سوره. انبیاء، آیه 107
[4] سوره. انسان، آیه 8 و 9

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo