< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة الاستدلال على كفر منكر الضروري على القول بالأمارية:

الدليل الرابع : سيرة النبي والأئمة و أصحابهم و الشيعة.

يمكن أن يستدل على القول بالأمارية بسيرة النبي والأئمة المعصومين وأصحابهم والشيعة قديماً وحديثاً على مخالطة أتباع الفرق الإسلامية الذين يعتقدون بالتشبيه والتجسيم والتفويض وإمكان رؤية الله إما في الدنيا أو في الآخرة... وغيره ممّا ثبت بطلانه عندنا أنه من ضروري الدين.

إن هؤلاء لم يكونوا منكرين للتوحيد والرسالة ولكنهم نسبوا إلى الله تعالى بعض الصفات فأصبحوا منكرين لبعض الضروريات، ومع ذلك نجد أن النبي والأئمة كانوا يخالطون هؤلاء ولم ينعزلوا عنهم، والحال لو كان إنكار الضروري هو السبب المستقل للكفر فلابد للنبي والأئمة والأصحاب أن يجتنبوا هؤلاء.

فمخالطتهم لهؤلاء الفِرق دليل على أمارية إنكار الضروري، وبما أن هذه الاعتقادات لا تؤدي إلى إنكار الرسالة والتوحيد فهي لا توجب الكفر؛ وذلك لأنّ انتساب هذه الأمور إلى الله سبحانه وتعالى لم يصل إلى حدّ الضرورة بنظر معظم المسلمين بل التزم البعض منهم بثبوت هذه الأمور له سبحانه كلاًّ أو بعضاً.

نعم قد تكون هذه الأمور واصلة إلى حدّ الضرورة عند بعض المسلمين إلاّ أنّ هذا لا يكفي للحكم بالكفر على القول بالأمارية.

فإن قلت: بعد فرض القول بأمارية إنكار الضروري على كفر منكره فلا فرق بين الضروري وغير الضروري من الدين، إذ لو أن إنكار كل واحد منهما وكل حكم من أحكام الله تعالى أدى إلى إنكار التوحيد والرسالة وتكذيب النبي صلی‌الله علیه و آله فيوجب الكفر، ولو لم يؤدّ فلا يوجب الكفر، فإذا كان كذلك فلا فائدة لجعل عنوان الضروري عنوانا مستقلا، بل يوجب لغوية العنوان؟!

إذاً فلماذا هذا الإصرار من قبل الفقهاء على ذكر هذا العنوان المستقل؟ ولماذا ذكروا منكر الضروري معطوفاً على من خرج عن الإسلام كما في عبارات بعض الفقهاء كالمحقّق والعلاّمة وغيرهم الذين قد ذكرنا عباراتهم.

قلنا في مقام الجواب: الذي يستفاد من كلمات الفقهاء أنّ الوجه في إفراد الضروري بالذكر في كلمات الفقهاء هو كونه طريقاً لإحراز علم المنكر بثبوته في الدين باعتبار التلازم العادي بين كون الشيء ضروريّاً وبين العلم بثبوته في الدين، وهذا بخلاف غير الضروري فإنّ الحكم بكفر منكره لا بدّ فيه من إحراز علم المنكِر بكونه من الدين من القرائن الخارجية التي لا نحتاج إليها في الحكم بكفر منكر الضروري لأنّ نفس افتراض الضرورة يستلزم افتراض العلم المذكور.

القول المختار:

بعد البحث في المسألة وذكر الأدلة على القولين: السببية بقسميه المستقلة وغير المستقلة، والأمارية، وكيفية الاستدلال والنقاش فيه، وبعد أن أبطلنا الأدلة على القول بالسببية وبقيت الأدلة على القول بالأمارية سليمة عن المعارض، فيتبيّن أنَّ أقرب الأقوال إلى الصحّة هو القول بالأمارية. لأنه بعد إبطال الدليل على القول الأول فلا يوجد دليل عليه بل الدليل يدل على القول الثاني.

فعلى هذا إن القول المختار في كفر منكر الضروري هو القول بالأمارية، يعني إذا أدى إنكار المنكر إلى إنكار التوحيد أو الرسالة أو تكذيب النبي فهو محكوم بالكفر وفي غيره لا يوجب الكفر.

ولا شك في أن الحكم بكفر منكر الضروري على القول الذي قلنا به مشروط بشرطين:

الأول: العلم بأنه من ضروري الدين.

الثاني: الالتفات إلى وجود الملازمة بين إنكار الضروري والخروج عن الإسلام والدخول في الكفر.

فبسبب هذين الشرطين وهما الشرطان الأساسان يترتّب على القول المختار عدة أمور :

الأول: إن منكر الضروري إذا كان جاهلا لشبهة أو غيرها فلا يحكم بكفره.

الثاني: إنّ منكر الضروري إذا كان جاهلاً لأجل أنه حديث العهد بالإسلام لا يحكم بكفره.

الثالث: إن منكر الضروري إذا كان جاهلا لأنه يعيش في بلاد بعيدة عن دار الإسلام أو يعيش في بلاد الكفر ولا يمكنه أن يطلع على أحكام الإسلام وضرورياته فلا يحكم بكفره.

الرابع: إن منكر الضروري كبعض المكلّفين إذا كان في أوائل بلوغهم، وعادة لا يعلم أن ما أنكره أمر ضروريّ عند المسلمين فلا يحكم بكفره.

الخامس: إن منكر الضروري إذا كان غير ملتفت إلى الملازمة فلا يحكم بكفره.

فبذلك البيان والتوضيح ظهر أنّ الخروج عن دائرة الإسلام لا يدور مدار إنكار الضروري فقط، فلذلك لم نقل بكفر منكر الضروري على سبيل السببية، بل هناك أمر آخر لا بدّ من فرضه حتّى يحكم بكفر المنكر للضروري وهو اطلاع المنكِر وعلمه بأنّ ما أنكره ضروري من ضروريّات الدين عند عامّة المسلمين، ومتى لم يعلم المنكِر بذلك لا يحكم بكفره.

نعم إن العلم والالتفات هما شرطان أساسان في الحكم بكفر منكري الضروري ولابد من إحرازهما، إما بالإقرار وإما بوجود القرائن الواضحة الدالة على أنه عالم وملتفت.

و السر في اشتراط هذين الشرطين هو عدم مخالفة الإنكار -عن جهل أو شبهة أو عدم التفات- للتدين والتصديق الإجماليين اللازمين في تحقق مفهوم الإسلام وتحقق عنوان المسلم.

و في صورة العلم والالتفات لا شك في أن منكر الضروري محكوم بالكفر والخروج عن الإسلام؛ لأن الإنكار في هذه الصورة مخالف قطعاً للتدين الاجمالي والتصديق الاجمالي.

وبناء على ذلك لا فرق عندنا في صورة العلم والالتفات بين أن يكون الضروري المنكَر بالفتح من الأمور الاعتقادية أو من الأحكام الشرعية، والتفصيل بين المسائل العقائدية والأحكام الفقهية الذي قال به الشيخ الأنصاري، نحن لا نقول به في المقام.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo