< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم منكر ضروري الدين:

تتمة الاستدلال بالروايات على القول بالسببية:

الطائفة الثانية: ما دل على كفر من جحد شيئاً من الفرائض أو مطلق الأحكام الشرعية.

كخبر داود بن كثير الرقي الذي ذكرناه ضمن البحث سابقاً:

قَالَ قُلْتُ لأبِي عَبْدِ الله سُنَنُ رَسُولِ الله صلی‌الله علیه و آلهكَفَرَائِضِ الله عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ إِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ مُوجَبَاتٍ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ تَرَكَ فَرِيضَةً مِنَ الْمُوجَبَاتِ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا وَجَحَدَهَا كَانَ كَافِراً...([1] ).

وکخبر أَبي الصَّبَّاحِ الكنانِيّ عن أَبي جعفر قَالَ:

قِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلی‌الله علیه و آلهكَانَ مُؤْمِناً؟ قَالَ: فَأَيْنَ فَرَائِضُ اللَّهِ؟. قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: كَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ كَلَاماً لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ صَوْمٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ. قَالَ وَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ إِنَّ عِنْدَنَا قَوْماً يَقُولُونَ إِذَا شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلی‌الله علیه و آله فَهُوَ مُؤْمِنٌ، قَالَ: فَلِمَ يُضْرَبُونَ الْحُدُودَ؟ وَلِمَ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ؟ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَلْقاً أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْمُؤْمِنِ، لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ خُدَّامُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ جِوَارَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ الْجَنَّةَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَنَّ الْحُورَ الْعِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ. ثُمَّ قَالَ: فَمَا بَالُ مَنْ جَحَدَ الْفَرَائِضَ كَانَ كَافِراً([2] ).

نقول: إنّ هذه الطائفة من الروايات كذلك غير صالحة للاستدلال على المدعى، والإشكال عليها من ناحيتي السند والدلالة؛ أما من جهة السند فلوجود داوود بن كثير الرقي و هو بين التوثيق والتضعيف، حيث ضعّفهُ النجاشي ووثّقهُ الشيخ المفيد والشيخ الطوسي([3][4] [5] ولوجود محمد بن الفضيل وهو كذلك مشترك بين الثقة وغيره كما صرح به السيد الخوئي في التنقيح([6] ).

وأما من جهة الدلالة فهي غير تامة الدلالة على المدعى؛ لأن التعبير المستخدم في رواية أبي الصباح الكناني هو "الإيمان" ومن الواضح أن كلامنا في الإسلام والخروج عنه - وهو الكفر- فالرواية أجنبية عن الاستدلال.

مضافاً إلى ذلك أن الإيمان الوارد في الرواية يُراد منه المرتبة العليا من الإيمان، ولا يمكن حمله على الإسلام لوجود بعض القرائن في الرواية نفسها؛ كإقامة الحدود وقطع الأيدي وغيرهما، ومن الواضح أنّ هذه الحدود تقام على المسلم ولا يخرجه ذلك عن الإسلام. وكموضوع كرامة المومن وكون الملائكة خدام المؤمنين وكون الجنة للمؤمنين... وغيرها؛ فإن هذه المقامات لا تناسب الإسلام بل تناسب المراتب العالية من الإيمان.

ولو سلمنا أن المراد من الإيمان هنا هو الإسلام، فإنّ هاتين الروايتين لا تدلان على المدعى، أي سببية انكار الضروري للكفر مطلقاً، بل تدلان على مورد العلم لأن فيهما كلمة "جحود" وهي تستعمل غالباً في معنى الإنكار مع العلم كما استعملت في قوله تعالى ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ﴾([7] ).

و كذلك هو المعروف من كلمات اللغويين بأنّ الجحود هو الإنكار مع العلم، إلا عند البعض كما في تاج العروس:

جَحَدَه حَقَّهُ. و جَحَدَهُ بحَقِّه، كمَنعَهُ ...يَجْحَدُهُ جَحْداً....أَنكَرَه معَ عِلْمِه، قاله الجوهريّ، أَي فهو أَخصُّ. ويقال له المكابَرَة. و قَد يُطلَق على مُطْلَق الإِنكارِ، قاله شيخنا([8] ).

و لا شك أن مورد العلم في كثير من موارد إنكار الفريضة أو الحكم يستلزم تكذيب النبي وإنكار الرسالة، وهما محملان للقول بالأمارية لا السببية. وإن لم نحمل الرواية على مورد العلم فكيف يمكن الالتزام بهذه الفقرة من الرواية فمن ترك فريضة من الموجبات فلم يعمل بها وجحدها كان كافراً؟ لأننا لو قلنا بها فلا بد من القول بكفر ملايين الناس.

فبالنتيجة إنّ الروايتين خارجتان عن مقام الاستدلال.

الطائفة الثالثة: ما دل على أن إنكار كل أمرٍ تكوينيّ أو تشريعيّ، عقائديّ أو عمليّ، يوجب الكفر.

كما رواه محمد بن يعقوب: عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ أَدْنَى مَا يَكُونُ الْعَبْدُ بِهِ مُشْرِكاً قَالَ فَقَالَ: مَنْ قَالَ لِلنَّوَاةِ إِنَّهَا حَصَاةٌ وَ لِلْحَصَاةِ إِنَّهَا نَوَاةٌ ثُمَّ دَانَ بِهِ‌

ويستدل بمثل هذه الرواية بأنّ المراد منها التدين بغير الواقع، والرواية بإطلاقها تشمل كلَّ من أنكر الواقع وتدين بغيره، وتحكم بكفره. ومن الواضح أنّ من أنكر ضروريَّ الدين وتدين بغيره فقد تدين بغير الواقع، وهو كافر.

ولكنْ يُشكَل على كيفية الاستدلال بهذه الرواية، ويأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo