< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تتمة الأدلة على القول بالسببية:

تتمة رد السيد الإمام الخميني على استدلال الشيخ الأنصاري :

بعد أن ذكر الإمام الخميني استدلال الشيخ الأعظم الأنصاري على القول بسببية الإنكار لكفر منكر الضروري، بدأ ببيان إشكاله عليه إلى أن قال:

والتحقيق‌: أنّ ما يعتبر في حقيقة الإسلام بحيث يقال للمتديّن به: «إنّه مسلم» ليس إلّا الاعتقاد بالأُصول الثلاثة، أو الأربعة؛ أي الأُلوهية، والتوحيد، والنبوّة، والمعاد على احتمال، وسائر القواعد عبارة عن أحكام الإسلام، ولا دخل لها في ماهيته؛ سواء عند الحدوث أو البقاء، فإذا فرض الجمع بين الاعتقاد بتلك الأُصول وعدم الاعتقاد بغيرها لشبهة بحيث لا يرجع إلى‌ إنكارها، يكون مسلماً.

نعم، لا يمكن الجمع بين الاعتقاد بالنبوّة، مع عدم الاعتقاد بشيء من الأحكام، وهذا بخلاف بعضها ضرورياً كان أو غيره لأجل بعض الشبهات والاعوجاجات، فإذا علم أنّ فلاناً اعتقد بالأُصول، والتزم بما جاء به النبي (صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم) إجمالًا الذي هو لازم الاعتقاد بنبوّته، لكن وقع في شبهة من وجوب الصلاة أو الحجّ، وتخيّل أنّهما كانا واجبين في أوّل الإسلام مثلًا، دون الأعصار المتأخّرة، لا يقال: «إنّه ليس بمسلم» في عرف المتشرّعة. وتدلّ على‌ إسلامه الأدلّة المتقدّمة الدالّة على‌ أنّ الإسلام هو الشهادتان.

ودعوى‌: أنّهما كافيتان في حدوث الإسلام، وأمّا المسلم فيعتبر في إسلامه أُمور أُخر زائداً عليهما، خالية عن الشاهد، بل الشواهد في نفس تلك الروايات‌ على‌ خلافها.

والإنصاف: أنّ دعوى كونِ الإسلامِ عبارةً عن مجموع ما جاء به النبي صلی‌الله علیه و آله وتركِ الالتزام ببعضها بأيّ نحو موجباً للكفر، ممّا لا يمكن تصديقها، و لهذا فإنّ الشيخ الأعظم لم يلتزم به بعد الكرّ والفرّ.

و مع الإغماض عمّا تقدّم، يلزم من دليلهِ كُفرُ كلِّ من أنكرَ شيئاً ممّا يطلب فيه الاعتقاد ولو لم يكن ضرورياً، كبعض أحوال القبر والبرزخ والقيامة، وكعصمة الأنبياء والأئمّة ونظائرها. والتفكيك بين الضروري وغيره خروج عن التمسّك بهذا الدليل ([1] ).

هذا تمام إشكال السيد الإمام الخميني على استدلال الشيخ الانصاري، وما يظهر من التأمل والدراسة في استدلال الشيخ الأعظم على القول بالسببية، وإيراد السيد الإمام عليه، أن استدلاله غير تام ولا يدل على المدعى؛ لأنّ التدين اللازم في الدين هو التدين الاجمالي؛ الذي هو لازم للاعتقاد بنبوة رسول الله صلی‌الله علیه و آله ولا يحتاج الى التدين التفصيليّ في كل جزء وجزء.

فعلى ذلك: إنما الصحيح أن انكار الضروري اذا استلزم عدم التدين الإجمالي، أو أضر بالتدين الإجمالي بما جاء به النبي فهو يوجب الكفر، و إلا فلا.

مضافاً إلى ذلك أنّ استدلال الشيخ منافٍ لمبنى السببية الذي اتخذه، ومنافٍ لتفصيله الذي ذكره في ختام البحث؛ لأنه (ره) تصوَّرَ التفصيل في القول بالسببية.

الدليل الرابع: الاستدلال بكفر النواصب والخوارج.

في مقام التمثيل لكفر منكر الضروري، ذكر الفقهاء كفرَ النواصب والخوارج، وقول أصحاب الدليل الرابع هو مقتضى ذلك التمثيل؛ حيث أنّ الحكم بكفر هاتين الطائفتين لا يمكن أن يكون على سبيل الأمارية والطريقية، ولا لأجل كشفه عن تكذيب الرسالة؛ لأنّنا نعلم أنّ هؤلاء كانوا يؤمنون بالرسول والرسالة، فلابدّ أن يكون الحكم بكفرهم مبنيّاً على القول الأوّل وهو القول بالسببية، إذ لا ينسجم القول بكفرهم إلا مع القول بالسببية.

ويَرِدُ على هذا الاستدلال:

أولاً: إنّ التمثيل بهؤلاء الطوائف -كما ترى- لم يرد في الروايات أصلاً، وإنّما ورد في كلمات بعض الفقهاء، وبالتالي لا يكون حجّةً في مقام الاستدلال؛ لأنّه لا يزيد على ذهاب بعض الفقهاء إلى السببيّة المطلقة، وليس حجّة كما لا يخفى.

ثانياً: الظاهر من المستدلِّ أنهُ يريد في هذا المقام إثبات تسالم الفقهاء على كفر النواصب والخوارج بإنكارهم الضروري من الدين، ولكن المتأمل يعلم أن المسألة - كما قلنا سابقاً- لم يتعرض لها قدماء الأصحاب الذين هم مدار اعتبار الاجماع والتسالم، فكيف يمكن القول بتسالمهم على كفر منكر الضروري؟ وهذا ما ذكره الفقيه الهمداني في "مصباح الفقيه" وعنون الاستدلال بـ"التسالم على كفر النواصب والخوارج" وأشكل عليه([2] ).

ثالثاً: لاريب في أن بغض وعداوة ومحاربة النواصب والخوارج لأهل البيت تنافي التصديق الإجمالي بالرسالة فتستوجب الكفر، وهذا ينسجم مع القول الثاني وهو الأمارية والطريقية لتكذيب النبي والرسالة، ولا ينسجم مع القول الأول وهو السببية.

وقد أشار الفقيه الهمداني إلى هذا الإشكال بعبارة أخرى فقال:

وما صدر من الطائفتين ـ بحسب الظاهر... فإنّهم لمّا رأوا من الأمير والحسنين ما زعموه فسقاً أو ارتداداً، استقلّت عقولهم القاصرة باستحقاقهم الاستخفاف والقتل، فلم يمكنهم تصديق النبيّ صلی‌الله علیه و آله فيما صدر منه في حقّهم إلّا بالحمل على الخطأ وغفلة النبيّ صلی‌الله علیه و آله وجهله بما يؤول إليه أمرهم، وإلّا لم يكن يأمر الناس بموالاتهم، أو الحمل على كونه ناشئاً من شدّة حبّه لهم، أو غير ذلك من المحامل التي مآلها إلى طرح قول النبيّ صلی‌الله علیه و آله ولا تخطئة أنفسهم على تقدير مخالفة ما زعموه لما أراده النبيّ صلی‌الله علیه و آله وقد عرفت فيما سبق أنّ هذا النحو من الإنكارِ كفرٌ محض([3] ).

رابعاً: إنّ كفر النواصب والخوارج ليس لإنكار الضروري؛ بل من المحتمل قوياً أنه لأجل الروايات الواردة في كفر هؤلاء، فحكم الفقهاء بكفرهم مستندين إلى هذه الروايات لا إلى إنكار الضروري، فهو خارج عن موضع الاستدلال.

فلا دليل إلى الآن -كما ذكر الفقيه الهمداني- لا دليل على سببيّة الإنكار من حيث هو للكفر، وإنما كُفرُ الطائفتين إما لأن ما أنكروه ينافي التصديق الإجماليّ، أو لمنافاته للتصديق الاجمالي، وهما لا يثبتان المُدّعى.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo