< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/03/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم منكر ضروري الدين:

تتمة ذكر الأقوال

القول الثالث: الحكم بكفر منكر الضروري على سبيل الأمارية:

تحدثنا في الدرس الماضي أن المقصود من القول الثالث عدم خصوصية في نفس إنكار الضروري، بل حقيقة هذا القول أمارية إنكار الضروري على إنكار الرسالة، وبناء على هذا يكون الموجب للكفر حقيقة هو إنكار الرسالة؛ ولذلك لو كان إنكار الضروري لا يستلزم إنكار الرسالة فلا يوجب الكفر كما هو الحال في الجهل البسيط والجهل المركب.

و ذهب عدد من الفقهاء إلى هذا القول فالمقدس الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان بعد أن عرّف الضروري كان يعطي ضمن تعريفه ضابطة لتحديد المراد من الضروري قال: المراد بالضروري الذي يكفر منكره: الذي ثبت عنده يقيناً كونه من الدين ولو كان بالبرهان، و لم يكن مجمعاً عليه، إذ الظاهر أنّ دليل كفره، هو إنكار الشريعة و إنكار صدق النبي صلی‌الله علیه و آله [1]

ويقول الإمام الخميني العاشر: الكافر وهو من انتحل غير الإسلام، أو انتحله وجحد ما يعلم من الدين ضرورة، بحيث يرجع جحوده إلى إنكار الرسالة، أو تكذيب النبي صلى الله عليه وآله، أو تنقيص شريعته المطهرة، أو صدر منه ما يقتضي كفره من قول أو فعل، من غير فرق بين المرتد والكافر الأصلي والحربي والذمي[2] .

ويقول السيد اليزدي: والمراد بالكافر من كان منكراً للألوهية أو التوحيد أو الرسالة أو ضرورياً من ضروريات الدين مع الالتفات إلی كونه ضرورياً بحيث يرجع إنكاره إلی إنكار الرسالة، والأحوط الاجتناب عن منکر الضروري مطلقاً و إن لم يکن ملتفتاً إلی كونه ضرورياً [3]

وقال السيد الحكيم: ومجرد كونه ضرورياً لا يوجب كفر منكره ، إلا بناء على كون إنكار الضروري سبباً مستقلا للكفر ، وقد عرفت عدم ثبوته[4]

ويقول الشهيد الصدر: ومنكر الضروري تارة: يؤدي إنكاره هذا إلى إنكار الرسالة، لالتفاته إلى الملازمة بينها وبين ما أنكره. وأخرى: يرى عدم هذه الملازمة، فلا يسري الإنكار إلى أصل الرسالة. ففي الأول لا شك في كفره، وإنما الكلام في الثاني الذي يكون كفره مبنياً على أخذ القيد المذكور تعبداً في تحقق الإسلام. وقد استدل على ذلك ببعض الروايات.

ثم بدأ بالنقاش في الروايات وأثبت عدم دلالته على المدعى وهو استقلالية إنكار الضروري للكفر[5]

القول الرابع: هو التفصيل بين القاصر والمقصر في الأحكام العملية دون العقائد.

وهو ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري في كتابه الطهارة فقد ذكر بحثاً طويلاً في الموضوع وأورد مطالب مهمة ومفيدة، وضمن الاستدلال مال إلى القول الأول وهو الحكم بكفر منكر الضروري على سبيل السببية المطلقة في العقائد الضرورية والأحكام العملية الضرورية ولكنه بعد كلام طويل في الموضوع ذهب إلى قول جديد، وهو الذي سميناه هنا القول الرابع،

وقال: فالأقوى : التفصيل بين القاصر وغيره في الأحكام العمليّة الضروريّة، دون العقائد ؛ تمسّكاً في عدم كفر منكر الحكم العملي الضروري؛ لعدم الدليل على سببيّته للكفر مع فرض عدم التكليف بالتديّن بذلك الحكم ولا بالعمل بمقتضاه لأنّه المفروض.

ثم قال: ويبعد أن لا يحرم على الشخص شرب الخمر ويكفّر بترك التديّن بحرمته ... وأمّا الحكم بكفر منكر العقائد الضروريّة فلعلَّه الأقوى؛ للإطلاقات المتقدّمة وخصوص ما ورد في كل من العقائد من الحكم بكفر منكرها كما لا يخفى على المتتبع لأدلة تلك العقائد مضافا إلى ما ذكر من إجماعهم على كفر الخوارج والنواصب مستدلين بإنكارهم للضروري هذا حال العقائد الضرورية. [6]

والذي يظهر من كلام الشيخ الأنصاري أنه يعترف بإطلاق النصوص والفتاوى، ويعترف بأن مقتضى الإطلاق هو الالتزام بكفر المنكر مطلقاً؛ قاصراً كان أو مقصراً، سواء كان في العقائد أو الأحكام العملية.

و لكنه رفض بعد ذلك رفع اليد عن هذا الظهور والإطلاق، والتزم بالقول بالتفصيل بين العقائد والأحكام.

ففي الأحكام الضرورية العملية كحرمة شرب الخمر ووجوب الصلاة، يلتزم بكفر المقصر فيها دون القاصر، وأما في المسائل العقائدية الضرورية كالمعاد وكون النبي صلى الله عليه وآله خاتم الأنبياء وكونه مرسلاً إلى الناس كافة ونحو ذلك مما يطلب فيه الاعتقاد دون العمل فإنه يلتزم بكفر المنكر فيه حتى لو كان قاصراً .

سؤال: لما رفع الشيخ اليد عن الظهور و مقتضى الظهور؟

الجواب:

لأنه لما التفت إلى الأحكام العملية الضرورية والتفت إلى آثار الالتزام بكفر منكر الضروري شعر بأنه إذا كان المنكَر من الأحكام العملية فالالتزام بكفر المنكر القاصر فيها يواجه الإشكال، وأشار الشيخ ضمن كلامه إلى ذلك حيث قال: ويبعد أن لا يحرم على الشخص شرب الخمر ويكفّر بترك التديّن بحرمته. يعني كيف يحكم بكفره والحال أنه لقصوره ليس مكلفاً فيها بالتدين ولا بالعمل لمقتضاه. ومن الواضح أن الحكم إذا كان كذلك فليس له محرّكية ولا باعثية ولا استحقاق للعقاب، فكيف يحكم بكفره؟ فلذلك بعد أن مال إلى القول الأول رجع إلى التفصيل وأسس للقول الرابع.

هذه الأقوال الأربعة هي عمدة الأقوال في المسألة.


[5] بحوث في شرح العروة الوثقى، للسيد محمد باقر الصدر، ج3، ص293.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo