< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/02/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الروايات التي انتُزعَ منها عنوانُ "الضروري" ومِلاكُهُ:

أشرنا سابقاً إلى أنّ عنوان "الضروري" انتزعهُ الفقهاء والعلماء من الإشارات الموجودة في الروايات والنصوص، مثل الفرائض والكبائر وغيرهما.

إنّ الشيخ الحر العاملي يُورِدُ في الوسائل- كتاب الطهارة - أبواب مقدمة العبادات، في باب مستقلٍ عنونهُ بعنوان: "باب ثبوت الكفر والارتداد بجحود بعض الضروريات وغيرها مما تقوم الحجة فيه بنقل الثقات" اثنين وعشرين حديثاً يرتبط بعضها بالبحث، فنذكرها هنا:

1 - وَعَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِسُنَنُ رَسُولِ اللَّهِ صلی‌الله علیه و آلهكَفَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ فَرَائِضَ مُوجَبَاتٍ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ تَرَكَ فَرِيضَةً مِنَ الْمُوجَبَاتِ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا وَجَحَدَهَا كَانَ كَافِراً...[1] ، نرى أن هذه الرواية لم تصرّح بعنوان الضروريّ، وإنما صرحت بلازِمِ إنكارهِ؛ وهو الكفر.

2- وَعَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: قِيلَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صلی‌الله علیه و آله كَانَ مُؤْمِناً؟ قَالَ فَأَيْنَ فَرَائِضُ اللَّهِ؟ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ قَالَ: فَمَا بَالُ مَنْ جَحَدَ الْفَرَائِضَ كَانَ كَافِراً.[2]

3 - وَعَنْهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يَرْتَكِبُ الْكَبِيرَةَ فَيَمُوتُ هَلْ يُخْرِجُهُ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْلَامِ؟ وَإِنْ عُذِّبَ كَانَ عَذَابُهُ كَعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ أَمْ لَهُ مُدَّةٌ وَانْقِطَاعٌ؟ فَقَالَ: مَنِ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ فَزَعَمَ أَنَّهَا حَلَالٌ أَخْرَجَهُ ذَلِكَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَعُذِّبَ أَشَدَّ الْعَذَابِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَرِفاً أَنَّهُ ذَنْبٌ وَمَاتَ عَلَيْهَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ عَذَابُهُ أَهْوَنَ مِنْ عَذَابِ الْأَوَّلِ[3] . فالمعيار في هذه الرواية مضافاً إلى ارتكاب الكبيرة هو الاعتقاد بحلّيّتها.

كما أفرَدَ الشيخ الكليني في "الكافي" باباً بعنوان: "باب دعائم الإسلام"، ذكر فيه عدة أحاديث تدل على أنّ بعض الأحكام و الواجبات هي من دعائم الإسلام، ولاشك في أن أهمية دعائم الاسلام أكثر من سائر الواجبات، وبالتالي فإن المُعترِف بها يبقى في دائرة الإسلام، و منكرُها خارجٌ عن الإسلام؛ فحيث لا توجد الدعائم فأين يوجد الإسلام؟ ففي الحديث:

أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوَلَايَةِ، وَلَمْ يُنَادَ بِشَيْ‌ءٍ كَمَا نُودِيَ بِالْوَلَايَةِ ...[4]

يتضمن حديث الإمام الباقر تصريحاً بأن مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها هي من أركان الإسلام، وليس المعنى أنّ هذه الأحكام شرط دخول الإنسان في حظيرة الإسلام؛ بل المعنى كونُها مِنْ أهم الواجبات التي لا يجوز إنكارها لمن أقرّ بالإسلام. وبالتالي فلا شك في أن هذا هو المراد من "ضروري الدين" الذي لا يجوز إنكاره، بل إنّ انكاره يوجب الكفر.

ومن روايات أهل السنة:

4 - روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: من جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقرَّ به ولم يحكم به فهو فاسق وظالم، وأخرجه ابن جرير وابن المنذر.

إن ورود لفظة "الفرائض" أو "الكبائر" وما شابههما من دعائم الإسلام، يدلُّ على أهمية بعض الأمور الفقهية والعقائدية في الإسلام، وهي التي بعد أن عرفها جميع المسلمين صارت من ضروري الإسلام، وصار منكرها خارجاً عن الإسلام؛ إذ بدونها لا يصح إطلاق المسلم على المُقِرِّ بذلك.

 

والنتيجة:

ما وقفنا عليه من تصريح الروايات ببعض المسائل العقائدية والأحكام الفقهية كالحج والصوم والصلاة وغيرها وتصريحها بكفر منكريها، يُظهر أنّ الفقهاء لما التفتوا الى هذه الموارد اهتموا بانتزاع عنوان جديد اصطيادي كعنوان ضروري الدين.

ولنلتفت إلى بعض منها:

عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَلَفِ بْنِ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَالِساً عَنْ يَسَارِهِ وَزُرَارَةُ عَنْ يَمِينِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِيمَنْ شَكَّ فِي اللَّهِ؟ فَقَالَ كَافِرٌ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ. قَالَ فَشَكَّ فِي رَسُولِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: كَافِرٌ قَالَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى زُرَارَةَ فَقَالَ: إِنَّمَا يَكْفُرُ إِذَا جَحَدَ([5] ).

تتعلق هذه الرواية بكفر منكر بعض المسائل العقائدية، وأما بالنسبة الى إنكار بعض الأحكام الفقهية ففيه من قبيل ما رواه محمد بن يعقوب:

1-عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ الْبَجَلِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنِ الْعَمْرَكِيِّ بْنِ عَلِيٍّ جَمِيعاً عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَخِيهِ مُوسَى قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الْحَجَّ عَلَى أَهْلِ الْجِدَةِ- فِي كُلِّ عَامٍ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ قَالَ قُلْتُ: فَمَنْ لَمْ يَحُجَّ مِنَّا فَقَدْ كَفَرَ؟ قَالَ لَا وَلَكِنْ مَنْ قَالَ لَيْسَ هَذَا هَكَذَا فَقَدْ كَفَرَ[6]

2- عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو‌ جَعْفَرٍ عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ عَلَيْهِ شُهُودٌ- أَنَّهُ أَفْطَرَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ- قَالَ يُسْأَلُ هَلْ عَلَيْكَ فِي إِفْطَارِكَ إِثْمٌ؟ فَإِنْ قَالَ لَا فَإِنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَإِنْ قَالَ نَعَمْ فَإِنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْهَكَهُ ضَرْباً[7]


[5] الكافي، كتاب الإيمان والكفر، باب الشك، ج2، ص399.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo