< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/02/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تحقيق في ضروري الدين والمذهب مفهوما وملاكاً ومعياراً:

القول المختار في تعريف وملاك ضروري الدين:

بعد استعراض وتحليل الأقوال في تعريف ضروري الدين والمذهب، يجد المتأمل فيها أمرين:

1-أنّ عنوان ضروري الدين لم يرد في القرآن ولا في الروايات.

2- وجود بعض الأحكام الضرورية التي لا يمكن إنكارها في الدين.

ومع النظر إلى هذين الأمرين نجد أنّ الاسلام لم يهتمَّ بطرحِ تعريفٍ خاصٍ وجديدٍ لهذا العنوان،

وبعبارة أخرى: أنّ الاسلام لا يرى حاجة إلى تعريفٍ جديدٍ في الشرع للعنوان المذكور، بل لهُ عنوانٌ انتزاعيٌّ مما هو موجود في العرف واللغة. والإسلام كذلك اعتمد على تعريف العرف واللغة.

وأنّ من ديدن الشرع أنه لو أراد تأسيسَ عنوانٍ جديدٍ يهتم بتعريفهِ وبيانِ حدودهِ وجوانبهِ، وإذا لم يعرّفْ دلَّ ذلك على أنه لا يوجد في الإسلام تعريفٌ جديد في هذا الموضوع؛ بل يكتفي بالتعريف الموجود في العرف واللغة.

فكان من الأحسن اتخاذُ تعريفٍ جامع ٍومعروف بين اللغة وسائر العلوم؛ ففي اللغة عُرِّفَ الضروريُّ بالبديهي كما قال صاحب مجمع البحرين بأن الضروري يُطلَقُ على ما يرادف البديهي والقطعي واليقيني.[1]

وأنتم تعرفون أنّ مجمع البحرين كتابٌ في اللغة، دَيدنُ مؤلفه تعريف اللغة بما في الروايات والنصوص، كما هو ديدن "النهاية" لابن الأثير من مصادر العامة.

وكذلك عرّفَ المناطقة الضروري بمثل هذا التعريف، ومالَ مشهور الفقهاء كذلك إلى تعريف الضروري بأنه: "ما كان واضحاً لا يحتاج إلى الاستدلال"، وهو يُطبَّقُ على البديهي عند المناطقة.

فاذا أثبتنا أن تعريف الضروري في الفقه والكلام هو نفس التعريف عند المناطقة، فلابد من القول بأن الملاك كذلك نفس المِلاك، ولا ريب في أن الملاك عند المناطقة بداهته في محيط المنطق فكذلك هو عند الفقهاء والشرع؛ أي أنّ ملاك ضروري الدين وضوحُهُ في محيط الشرع، كما صرح بذلك السيد مصطفى الخميني (نعم؛ قد يكون معلوماً خارج محيط الشرع ولدى غير المسلمين وقد لا يكون، كما أشار لذلك السيد الكلبايكاني).

هذا هو القول المشهور في تعيين ملاك ضروري الدين، وهو ما قاله السيد الإمام والعديد من الفقهاء العظام.

وهنا نقطة مهمة: إذا قلنا ببداهة الضروري ووضوحه واستغنائه عن الشرح في محيط الشرع، وافترضنا وجود مسلمٍ خارجَ فضاء المجتمع الإسلامي، وهو جاهلٌ بحكمٍ من الأحكام، فلا يمكن لأجل ذلك أنْ نُخرِجَ الحكمَ عن دائرة الضروريِّ لأجل هذه الحالة الخاصة.

وفي خصوص اعتماد الإسلام في تعريف الضروري على العرف واللغة ثمّةَ مُؤيِدٌ؛ وهو عدمُ اختلاف أهلِ السُّنة في تعريفه وتبيين الملاك فيه؛ حيث حدد الكثيرُ منهم الضروريَّ بالواضح الذي يعرفه الخاص والعام، بحيث لا يحتاج إلى إقامة دليل يدلُّ عليه، والضابطُ الذي طُرِحَ في كتبهم هو هذا القول: "معلومٌ من الدين بالضرورة" أي معلومٌ من أدلة دِينِنا علماً يشبه الضروري الذي لا يحتاج إلى نظرٍ واستدلالٍ، بحيث استوى في معرفته العامة والخاصة.

وفي أهل السنة من تصدى لتوضيح معنى الضروري؛ وهو ابن عبد البر حيث قال: فَحَدُّ الضروريِّ مَا لا يُمكنُ العالِمَ أنْ يُشكِّكَ فيهِ نفسَهُ وَلا يُدخِلَ فِيهِ على نَفسِهِ شُبهةً، وَيَقَعُ لهُ العِلمُ بِذلكَ قبلَ الفِكرةِ وَالنظَرِ.[2]

إذاً: إنّ القول المختار في تعيين ملاك الضروري هو الملاك عند مشهور الفقهاء وعلماء الدين؛ أي ما يكون واضحاً في محيط الشرع وعند عامة المسلمين، وجهلُ بعض المسلمين خارج حدود المجتمع الإسلامي لا يضرُّ بكونه ضرورياً.

وهنا قد يردُ إشكالٌ: فقد ذكرنا عبارة علماء العامة التي تقول أنّ الضروري هو المعلومُ من الدِّينِ بالضرورةِ، أي أنّ ضروريّتهُ منسوبةٌ للدين (بدلالة حرف الجرّ مِنْ)، أما في تعبيرنا فنقول "ضروري الإسلام" ولا يظهر من العبارة نسبة صفة الضرورة إلى الدين.

ويأتي الجواب عن الإشكال في الدرس المقبل إن شاء الله تعالى.


[2] جامع بيان العلم وفضله، يوسف بن عبد البر، ج2، ص446.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo