< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/02/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تحقيق في ضروري الدين والمذهب مفهوماً وملاكاً ومعياراً:

تحليل أقوال الفقهاء:

استكمالاً لذكر أقوال الفقهاء في تعريف "ضروري الدين" نذكر ما قاله العلامة المجلسي في موسوعته بحار الأنوار:

ما لا يكون فيه اختلاف بين جميع الأُمّة من ضروريات الدين التي لا يحتاج في العلم بها إلى نظر واستدلال[1]

وقال المحقق الاسترآبادي في كتابه "الفوائد المدنية":

ما يكون دليله واضحاً عند علماء الإسلام، بحيث لا يصلح لاختلافهم فيه بعد تصوره[2]

وقال السيد عبد الله شبر في كتابه "حق اليقين" نظير ما قاله المحقق الاسترآبادي، وزاد فيه:

...ونحو ذلك ضروري المذهب([3] ).

تحليل الأقوال والنظريات:

نكتفي بهذا المقدار من أقوال العلماء بعد أن وصلنا إلى مُبتغانا من الوقوف على عباراتهم، وننتقل إلى تحليل أقوالهم لبيان مواضع الاشتراك والاختلاف بينها.

إنّ المتأمل في هذه الأقوال يظهر له أمران:

الأمر الأول: اتفاق الفقهاء والعلماء في نقطة واحدة؛ وهي ثبوت الحكم والعقيدة في ضروري الدين؛ أي لا بد من كونه يقينياً ثابتاً، ولو بالدليل.

الأمر الثاني: الخلاف في التعاريف المذكورة لدى العلماء من جهة تعيين الملاك وطرق الإثبات في "الضروري"، فليس الخلاف في أصل المسألة بل في طرق العلم بها، وبالنتيجة فالخلاف حاصلٌ في تعيين مِلاك " الضروريّ ".

ويمكن تصنيف هذا الاختلاف في صورٍ خمس:

الأولى: رأى البعض أن الضروري لابد أنْ يكون معلوماً يقينياً كونه من الدين- ولو من طريق البرهان والدليل- وليس بواجب أن يكون إجماعياً، كما ذكره المقدس الأردبيلي

وبناء على ذلك فالمهم في الضروري ثبوته بصورة يقينية ولا غير؛ أي أنّ الحكم إذا كان ثابتاً ويقينياً ولو بالبرهان- نعتبره ضرورياً في الدين، حتى وإنْ كان إثباته يحتاج إلى برهان واستدلال وإدراك.

الثانية: رأى البعض الآخر أن الضروري لابد وأن يكون عليه إجماع جميع الطوائف والفرق، كما صرح به الشيخ المظفر في أصول الفقه. فصاحب هذا القول يعتقد بأن وجود الإجماع لازمٌ في تحقيق عنوان "ضروري الدين والمذهب"، ومن الواضح أن تحقُقَّ الإجماع على موضوعٍ يستلزم التصريح بالموافقة، فضلاً عن عدم الخلاف.

الثالثة: ذكر البعض أنّ مِلاك الضروري ألّا يكون فيه خلاف بين جميع الأمة، وأن يكون واضحاً لا يحتاج إلى الاستدلال والنظر، كما قاله المجلسيّ وبحسب هذا القول فلابد للضروري أن يشتمل على شرطين: الأول عدمُ الخلاف فيه بين جميع الأمة، والثاني وضوحه وعدم الحاجة إلى الاستدلال والنظر.

الرابعة: قال البعض أنّ ملاك الضروري وضابطه

أولاً: عدم حاجته إلى دليل،

وثانياً: كونه معلوماً عند علماء الإسلام وبالتالي لا يحتاج إلى أن يكون معلوماً عند الجميع،

وثالثاً عدم صلاحية المسألة للاختلاف فيها.

الخامسة: ذكر البعض أن ملاك الضروري وضابطه أن يكون معلوماً وواضحاً كمال الوضوح؛ بحيث يعتبر بديهياً ولا يحتاج في مقام السؤال إلى تفكير وتأملٍ واستدلال.

ويمكن اعتبار هذا القول المشهور بين الفقهاء وقد صرح به الإمام الخميني حينما أعطى له مثالاً فقال: "كالقول بأن الواحد نصف الاثنين"، ويؤيده قول كثير من الفقهاء المتقدمين والمتأخرين، من الشيخ الطوسي إلى السيد الكلبايكاني والعلامة المجلسي، وغيرهم.

وحسب هذا القول فإنّ ملاك ضروري الدين هو نفسهُ ملاكُ الضروري عند المناطقة؛ لأنهم كذلك يعتبرون القضايا الضرورية هي القضايا البديهية التي لا يحتاج إثباتها إلى الاستدلال والنظر بل هي معلومة بديهياً.

والاختلاف بين الفقهاء والمناطقة حاصلٌ في تطبيق الضروري على المصاديق والموارد؛ فالمناطقة يطبقون القضايا الضرورية على مواردَ مِنْ مثل "النار حارةٌ" وأما الفقهاء فيطبقون الضروري في الدين على الموارد المعلومة في الشرع من المسائل الفقهية.

فهنا - كما قدّمنا - خمسُ صورٍ في تعيين ملاك ضروري الدين، وللحكم عليها والترجيح بينها لا بد وأنّ نرجع إلى الروايات والنصوص ونطبقها عليها.

ولكن ثمّة سؤالٌ ينبغي أن يُطرح هنا:

وهو أننا إذا قلنا بأنّه لا بد من كون الضروري معلوماً، فمعلومٌ لمن؟ أواجبٌ أن يكون معلوماً عند الفقهاء وعلماء الإسلام؟ أو عند عامة الناس؟ أو عند المسلمين وغير المسلمين؟ فهناك أيضاً مبانٍ مختلفة:

منها ما يستفاد من قول السيد الإمام - وهو المشهور - أنه لابد من كونه واضحاً لدى جميع طبقات المسلمين،

ومنها ما قاله نجل الإمام الخميني (السيد مصطفى الشهيد) من لزوم وضوحه في محيط الشرع، ومنها ما يستفاد من قول السيد الكلبايكاني الذي قال بلزوم كونه واضحاً لدى المسلمين وغير المسلمين، ومثَّلَ لذلك بأن المسيحيين يعلمون كونَ الختانِ من خصائص المسلمين.


[3] حق اليقين في معرفة أصول الدين، ج2 ص245.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo