< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/02/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : تحقيق في ضروري الدين والمذهب مفهوماً وملاكاً ومعياراً :

قلنا في الدرس السابق أن المتقدمين لم يتعرضوا في كتبهم لموضوع ضروري الدين والمذهب، وإنما توجد إشارة إلى هذا العنوان ومفهومه في بعض كتب القدماء.

يقول الشيخ الطوسي في كتابه "الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد" في بيان طرق الوصول إلى المعارف الدينية: لا طريق إلى معرفة هذه الأصول التي ذكرناها إلا بالنظر في طرقها، ولا يمكن الوصول إلى معرفتها من دون النظر؛ وإنما قلنا ذلك لأن الطريق إلى معرفة الأشياء أربعةٌ لا خامسَ لها:

أولها: أن يُعلم الشيء ضرورةً لكونهِ مركوزاً في العقول، كالعلم بأنَّ الاثنينَ أكثرُ من واحدٍ، وأنَّ الجسم الواحد لا يكون في مكانين في حالةٍ واحدة، وأنَّ الجسمين لا يكونان في مكان واحد في حالة واحدةٍ، والشيء لا يخلو من أن يكون ثابتاً أو منفياً، وغير ذلك مما هو مركوزٌ في العقول.والثاني: أن يُعلَمَ من جهة الإدراك إذا أدرك وارتفعَ اللَّبسُ، كالعلم بالمشاهدات والمدركات بسائر الحواس.

والثالث: أن يُعلم بالأخبار، كالعلم بالبلدان والوقائع وأخبار الملوك وغير ذلك.

والرابع: أنْ يعلم بالنظر والاستدلال [1]

يلتَفِتُ الشيخ الطوسي إلى عنوان الضروري، ولكنْ يذَكُرهُ في طرق الوصول إلى معرفة الأشياء، ويضيف: والعلم بالله تعالى ليس بحاصلٍ من الوجه الأولِ، لأنّ ما يُعلَمُ ضرورةً لا يختلفُ العقلاء فيه بل يتفقون عليه، ولذلكَ لا يختلفون في أنّ الواحدَ لا يكونُ أكثر من اثنين، وأنَّ الشبرَ لا يطابق الذراع، والعلم بالله فيه خلافٌ بين العقلاءِ، فكيفَ يجوزُ أن يكونَ ضرورياً؟[2]

إن إثبات الضروري _ بحسب كلام الشيخ _ يحتاج إلى اتفاقٍ، ولكنه اتفاقٌ يختلفُ عما ذهبَ إليه المقدَّسُ الأردبيلي والشيخُ المظفر

ومن العباراتِ المهمّة في البحث ما ذكرهُ السيد الكلبايكاني في كتابهِ "نتائج الأفكار في نجاسة الكفار" تحت عنوان: كلمةٌ في معيار الضروري، حيث يقول:

بقي الكلام هنا في مِلاك الضروريّ، ولا بد من معرفته وتميزه عن غيره؛ كي لا يتبادر بتكفير مسلم أو الحكم بإسلام من خرج عن الإسلام،

فنقول: إنه ليس له اصطلاحٌ خاص وراء اصطلاحهِ الجاري في المنطق؛ فأهل المنطق قسموا القضايا إلى قسمين: نظرية، وضرورية.

والأولى: هي ما يحتاج إثباتهُ إلى دليلٍ وبرهانٍ ولا يمكنُ التصديقُ به بدون ذلك، نظير قولنا: العالَمُ حادثٌ؛ فإنهُ مترتبٌ على تشكيل قياسٍ وترتيب صغرى وكبرى حتى يحصل الجزم به والحكم بحدوث العالم.

وأما الثانية: أعني الضروريةَ من القضايا، فهي ما لا حاجةَ في إثباتهِ إلى ترتيبِ قياسٍ وإقامةِ دليلٍ وبرهانٍ مثل قولنا: النار حارّةٌ. وعلى هذا؛ فكلُّ حكمٍ اعتقاديِّ أو عملي في الإسلام الذي لا حاجة لنا في إثبات كونه من الإسلام وأنهُ من برامجه إلى دليل فهو ضروريٌّ، نظير الصلاة، بل ومثل الختان؛ فإنهُ في الشريعة الإسلامية من الأمور التي صارت ضروريةَ الثبوت يعلم كلُّ منْ دخل في حوزة الإسلام - بل وغير المسلمين أيضاً- أنّهُ من دين النبي صلی‌الله علیه و آله ومن خصائص المسلمين يتردّدون في إسلام من لم يكن مختوناً، أو يحكمون بكفره، فالمسلم وغير المسلم يعلم شدة اهتمام الشارع على هذه السنة. ولهذا قد يتّفقُ أنّ المسيحيّ يريد أنْ يعتنق الإسلام، فيحاسبُ نفسه أولاً أنهُ يمكنهُ التسليم حِذاءَ إجراء هذه السُنّةِ القطعيةِ عليه، فحينئذ يتشرّفُ بقبولِ الإسلام واعتناقه أم لا يمكنه ذلك، ولا يرى من نفسه التهيؤ للختان ويثقل عليه ذلك؟ فهناك يرجع وينصرف عما أرادهُ من قَبولِ الإسلام.[3]

إذنْ جرى كلام السيد الكلبايكاني على وفق ما قاله الشيخ الطوسي والإمام الخميني من أنّ الضروريَّ لا بد أن يكون واضحاً لدى المسلمين، بحيث أنّ المسألة في مقام الجواب لا تحتاج إلى تفكيرٍ وتأمُّل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo