< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/02/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الخمس في زمن النبي والأئمة:

تتمة: الإشكالات على إجابات السيد الخوئي:

ثالثاً: في الفرق بين الخمس والزكاة، قال السيّد بأنّ الزكاة أموال متعلقة بعامة المسلمين، ولاهتمام النبي صلی‌الله علیه و آله بحاجات عامة المسلمين فقد باشر جمع الزكاة، بينما يقول في الخمس: وأمّا الخمس فهو حقّ له صلی‌الله علیه و آله ولأقربائه، فيشبه الملك الشخصي، حيث لا تعود فائدته لعامّة المسلمين، ومن ثمّ لم يؤمر في مورده إلّا بمجرّد التبليغ كما في سائر الأحكام من الصلاة والصيام دون الأخذ. [1]

وليس الأمر كما قاله السيد الخوئي؛ فالخمس لم يعتبر بمثابة الأملاك الشخصية في الإسلام. نعم؛ هو حق للنبي وأقربائه ولهم الاستفادة منه، ولكن لا بعنوان الأملاك الشخصية، وعلى الخصوص في سهم الإمام حيث لم يعتبر هذا السهم ملكاً شخصياً للنبي والإمام بل يصرفانه في خدمة المجتمع وتقوية الحكومة الإسلامية، وفائدة هذا الصرف تعود لعامة المسلمين.

وإذا قلنا بذلك فلا نرى في جمع هذه الأموال نقصاً في مقام رسول الله صلی‌الله علیه و آله بل هي إحدى وظائفه و وظائف الأئمة ([2] ).

وهناك نقطة يمكن توجيه كلام السيد عبرها: إنّ هذا المال وإنْ لم يكن ملكاً للنبي والإمام، ولكن تشخيص المصلحة في صرفه لعامة المسلمين تكون في يديهما فنقول حينها أن النبي والأئمة إلى الإمام السجّاد لم يروا مصلحة لصرف المال في زمانهم، إما لحداثة عهد الناس بالإسلام، وإما لأنّ المجتمع لا يحتاج إلى الخمس لوفرةِ المال وقلّةِ المسلمين، أو لأن المجتمع في عصره لم يستطيع أن يتحمل أداء الخمس، فلم يبعث إليهم عمّالاً، بل فوض الأمر الى الإمام من بعده.

وقد ورد في كتاب الكافي:

عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَوْصَى رَجُلٌ بِثَلَاثِينَ دِينَاراً لِوُلْدِ فَاطِمَةَ قَالَ فَأَتَى بِهَا الرَّجُلُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ادْفَعْهَا إِلَى فُلَانٍ شَيْخٍ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ وَكَانَ مُعِيلًا مُقِلًّا فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ إِنَّمَا أَوْصَى بِهَا الرَّجُلُ لِوُلْدِ فَاطِمَةَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ وَهِيَ تَقَعُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَلَهُ عِيَالٌ([3] ).

رابعاً: تحدث السيد الخوئي عن علّة من علل عدم جمع الخمس وهي إخفاء الظالمين. وتحدث عن دورهم - وخصوصاً الأمويين- في إخفاء تاريخ الخمس ومنع جمعه.

ونقول: صحيح أن دور الأمويين في إخفاء الأحكام وسيرة النبي والأئمة لا شك فيه، ولكن هذا الدور لم يكن عديم النظير في ذلك، ولم يقتصر سعيهم هذا على الخمس فقط؛ بل بذلوا وُسعهم في إخفاء معالم الكثير من الأحكام والأحداث، فما قام به الأمويون هو جزء علّة في ذلك وليس العلة التامة.

أدوار تاريخ الخُمس:

نظر بعض الفقهاء إلى تاريخ الخمس من منظار جديد، فقسموه إلى ثلاثة أدوار، هي بمثابة أدوار تشريع الخمس.

1- عصر النبي صلی‌الله علیه و آله ويمكن التعبير عنه بدور السكوت عن الخمس غالباً، وهو يشمل عصور الأئمة المتقدمين إلى الإمام زين العابدين .

2- عصر الصادقَين وقد تحدّثا عن الخمس في أصل حكمه، وأصرّا على بيانه، ولكنْ صرّحا في كثير من الروايات بإباحة الخمس للشيعة في زمانهما، فقد ورد في الرواية:

عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْقَمَّاطِينَ فَقَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، تَقَعُ فِي أَيْدِينَا الْأَرْبَاحُ وَالْأَمْوَالُ وَتِجَارَاتٌ نَعْلَمُ أَنَّ حَقَّكَ فِيهَا ثَابِتٌ، وَأَنَّا عَنْ ذَلِكَ مُقَصِّرُونَ. فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَا أَنْصَفْنَاكُمْ إِنْ كَلَّفْنَاكُمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ([4] ).

3- دور أبي الحسن الرضا والأئمة بعده: وقد كانوا يأخذون الخمس ويصرفونه في موارده، فقد جاء في الرواية:

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ‌ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً عَنْ سَهْلٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الطَّبَرِيِ‌ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ مِنْ تُجَّارِ فَارِسَ- مِنْ بَعْضِ مَوَالِي أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا يَسْأَلُهُ الْإِذْنَ فِي الْخُمُسِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ، ضَمِنَ عَلَى الْعَمَلِ الثَّوَابَ وَعَلَى الضِّيقِ‌ الْهَمَّ. لَا يَحِلُّ مَالٌ إِلَّا مِنْ وَجْهٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ‌؛ إِنَّ الْخُمُسَ عَوْنُنَا عَلَى دِينِنَا وَعَلَى عِيَالاتِنَا وَعَلَى أَمَوَالِنَا، وَمَا نَبْذُلُهُ وَنَشْتَرِي مِنْ أَعْرَاضِنَا مِمَّنْ نَخَافُ سَطْوَتَهُ، فَلَا تَزْوُوهُ عَنَّا وَلَا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ دُعَاءَنَا مَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ إِخْرَاجَهُ مِفْتَاحُ رِزْقِكُمْ وَتَمْحِيصُ ذُنُوبِكُمْ وَمَا تَمْهَدُونَ لِأَنْفُسِكُمْ لِيَوْمِ فَاقَتِكُمْ، وَالْمُسْلِمُ مَنْ يَفِي لِلَّهِ بِمَا عَهِدَ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ الْمُسْلِمُ مَنْ أَجَابَ بِاللِّسَانِ وَخَالَفَ بِالْقَلْبِ. وَالسَّلَامُ.[5]

فالمستفاد من الأخبار في الأدوار الثلاثة هو تشريع الخمس مطلقاً في زمن رسول اللهصلی‌الله علیه و آله. وأما تنفيذه وبعث العمال لأخذه فقد جرى بصورة تدريجية بعد أن رأى المعصومون المصلحة في عدم أخذ الخمس إلا في موارد معينة ،ولهذا الأمر نظائرُ في سائر الأحكام . للتوسُّع في تحليل تاريخ الخمس يُراجَعُ: الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، أنوار الفقاهة، كتاب الخمس، ص292.


[2] أنوار الفقاهة، كاشف الغطاء، الشيخ حسن، كتاب الخمس، ص12.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo