< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/02/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قيام الخمس في زمن النبي والأئمة

كلام السيد الخوئي (قدس سره) حول شبهة عدم قيام النبي والأئمة (عليهم السلام) بجمع الخمس،

وجوابه عنها:

تحدثنا في الجلسات السابقة حول مطلق الخمس، وحول الإشكال بأنْ لا روايات تفيد أنّ المعصومين من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الإمام الصادق (عليه السلام) قد أرسلوا من يجمع الخُمس، وقد نقل السيد الخوئي (رحمه الله) الإشكال وتصدى للإجابة عنه، وكلامه في المقام قابلٌ للمناقشة، ونافعٌ في تنوير ذهن القارئ حول ذوق الشرع.

يقول: نعم، هاهنا إشكالٌ معروفٌ قد تداول على الألسن ولا سيّما في الآونة الأخيرة، وحاصله: أنّ الآية لو كانت مطلقة وكان هذا النوع من الخمس ثابتاً في الشريعة المقدّسة، فلما ذا لم يعهد أخذه من صاحب الشرع؟! حيث لم ينقل لا في كتب الحديث ولا التأريخ أنّ النبيّ الأعظم (صلّى اللّٰه عليه وآله) أو أحداً من المتصدّين بعده حتى وصيّه المعظّم في زمن خلافته الظاهريّة تصدّى لأخذ الأخماس من الأرباح والتجارات، كما كانوا يبعثون العمّال لجباية الزكوات، بل قد جعل سهم خاصّ للعاملين عليها، فإنّه لو كان ذلك متداولًا كالزكاة لنقل إلينا بطبيعة الحال.

وإن تعجب فعجبٌ أنّه لم يوجد لهذا القسم من الخمس عين ولا أثر في صدر الإسلام إلى عهد الصادقَين (عليهما السلام)، حيث إنّ الروايات القليلة الواردة في المقام كلّها برزت وصدرت منذ هذا العصر، أمّا قبله فلم يكن منه اسمٌ ولا رسمٌ بتاتاً حسبما عرفت([1] ).

بعد ذكر هذا الإشكال يتصدى السيد للإجابة عنه مفصلاً، ويمكننا تبويب عباراته في موارد محددة كالآتي:

الأول: تدريجية الأحكام، وجواز تأخير تبليغها، وتفويض الأمر من النبي إلى الإمام (عليهما السلام):

يقول السيد الخوئي:

والجواب: إمّا بناءً على ما سلكناه من تدريجيّة الأحكام وجواز تأخير‌ التبليغ عن عصر التشريع بإيداع بيانه من النبيّ إلى الإمام ليظهره في ظرفه المناسب له حسب المصالح الوقتيّة الباعثة على ذلك، بل قد يظهر من بعض النصوص أنّ جملة من الأحكام لم تنشر لحدّ الآن، وأنّها مودعة عند وليّ العصر (عجّل الله تعالى فرجه) وهو المأمور بتبليغها متى ما ظهر وملأ الأرض قسطاً وعدلًا. فالأمر على هذا المبنى الحاسم لمادّة الإشكال ظاهر لا سترة عليه([2] ).

الثاني: الفرق الماهوي بين الخمس والزكاة:

يستفيد السيد من الفرق بينهما فيقول:

وإمّا مع الغض عن ذلك فبإبداء الفرق بين الزكاة والخمس، نظراً إلى أنّ الأوّل ملك للفقراء وحقّ يصرف في مصالح المسلمين، وهو (صلّى الله عليه وآله) مأمور بالأخذ، قال تعالى ﴿خُذْ مِنْ أموالهم صَدَقَةً﴾[3] فمقدّمة للأخذ الواجب عليه لا محيص له (صلّى الله عليه وآله) من بعث العمّال لجباية الز كوات.

وأمّا الخمس فهو حقّ له (صلّى اللّٰه عليه وآله) ولأقربائه، فيشبه الملك الشخصي، حيث لا تعود فائدته لعامّة المسلمين، ومن ثمّ لم يؤمر في مورده إلّا بمجرّد التبليغ كما في سائر الأحكام من الصلاة والصيام دون الأخذ، فلم يكن ثَمّة باعث على جبايته، بل قد لا يناسب ذلك شأنه وجلالته كما لا يخفى. فلا مجال لقياس الخمس على الزكاة، فإنّه مع الفارق الواضح حسبما عرفت([4] ).

الثالث: عدم بعث العمال لجباية الخمس لا يكشف عن عدم الوجوب:

وكأنّ السيد في هذا المورد قد اعترف بأنّ جباية الخمس في مطلق الفوائد غير معهودة، ولم يرسل النبيّ العمالَ لجمع الخمس، فيقول:

وبالجملة: فعلى تقدير تسليم عدم بعث العمّال لأخذ الأخماس فهذا لا يكشف عن عدم الوجوب بوجه، كيف؟! ووجوب الخمس في الركاز ممّا أصفقت عليه العامّة ورووا فيه روايات كثيرة، ومع ذلك لم ينقل ولا في مورد واحد أنّ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه وآله) أو من بعده بعث أحداً لجبايته، فعدم البعث والحثّ للأخذ لازمٌ أعمّ لعدم الوجوب فلا يكشف عنه أبداً.

على أنّ العامّة قد رووا هذا الخمس عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه وآله)، فقد‌ ورد في صحيح البخاري والترمذي: أنّ رجلًا من بني عبد قيس جاء إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فلمّا أراد الانصراف أمره (صلّى الله عليه وآله) بالصلاة والصيام والزكاة وإعطاء الخمس ممّا غنم. فإنّ من الواضح عدم إرادة الخمس من غنائم دار الحرب، لعدم فرض قتال أو غزو، بل المراد خمس الأرباح والمتاجر كما لا يخفى([5] ).

الرابع: إخفاءُ الظالمين أحكامَ الدين:

يقول السيد: والإنصاف أنّه لم يتّضح لدينا بعد، ماذا كانت الحالة عليه في عصره (صلّى الله عليه وآله)، بالإضافة إلى أخذ هذا النوع من الخمس وعدمه، كيف؟! والعهد بعيد والفصل طويل، وقد تخلّل بيننا عصر الأُمويّين الذين بدّلوا الحكومة الإسلاميّة حكومةً جاهليّة، ومحقوا أحكام الدين حتى أنّ كثيراً من الناس لم يعرفوا وجوب الزكاة الثابت بنصّ القرآن كما يحيكه لنا التأريخ والحديث.

بل في صحيح أبي داود وسنن النسائي: أنّ أكثر أهل الشام لم يكونوا يعرفون أعداد الفرائض. وعن ابن سعد في الطبقات: أنّ كثيراً من الناس لم يعرفوا مناسك حجّهم. وروى ابن حزم عن ابن عباس: أنّه خطب في البصرة وذكر زكاة الفطرة وصدقة الصيام فلم يعرفوها حتى أمر من معه أن يعلّم الناس.

فإذا كان الحال هذه، بالإضافة إلى مثل هذه الأحكام التي هي من ضروريّات الإسلام ومتعلّقة بجميع الأنام، فما ظنّك بمثل الخمس الذي هو حقّ خاصّ له ولقرابته ولم يكن من الحقوق العامّة كما في الزكاة، بل لخصوص بني هاشم زادهم اللّٰه عزّاً وشرفاً، فلا غرابة إذن في جهلنا بما كان عليه أمر الخمس في عصره (صلّى اللّٰه عليه وآله) أخذاً وصرفاً([6] ).

ثم يعرض السيد الخوئي النتيجة فيقول: إلّا أنّ هذا كلّه لا يكشف عن عدم الوجوب، وعدم الوصول لا يلازم عدم‌ التشريع بعد أن نطق به الكتاب العزيز والسنّة المتواترة ولو إجمالًا حسبما عرفت وستعرف([7] ).


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo