< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/01/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الخمس في العصر الجاهلي والشرائع السابقة:

بدأنا الكلام في المحور الثاني عن نقاط الاتفاق والاختلاف بين المسلمين في مسألة الخمس، وقلنا أنّ بيان ذلك وإثبات الخمس في الإسلام لدى جميع الفرق يحتاج إلى بيان المسألة قبل الإسلام في الشرائع السابقة وفي العصر الجاهلي، وبعد ذلك نبدأ بالحديث حول هذا الموضوع (المحور الثاني)؛ لأننا نريد القول أنّ الخمس يمكن أن نجد له أصلاً حتى قبل الإسلام، وإن مسألة الخمس ليست مختصة بالإسلام فقط.

بالرجوع الإجمالي للمصادر والمراجع التاريخية يظهر لنا أنها لم تبيّن تفاصيل الموضوع، وبعبارة أخرى إن المصادر والمراجع التاريخية لم تدخل أصلاً في تفاصيل هذه القضية، ولكن يمكن الاستفادة منها في بعض الجهات لبيان بعض الإشارات إلى وجود أصل المسألة.

الجهة الأولى: التي يمكن استفادتها من التاريخ هي وجود الضرائب المالية نظيرة الخمس في العصر الجاهلي، فنقرأ في بعض مصادر اللغة أنّ من عادات العرب في العصر الجاهلي أنْ يأخذ رئيس القبيلة سهماً من أرباح المكاسب، وكان هذا السهم يعادل الربعَ ويسمى المِرباع.

ففي كتبٍ مثل: لسان العرب، ونهاية اللغة، وقاموس اللغة، وتاج العروس، حكى اللغويون هذه المسألة، واعتبروها من المسائل المتعارفة المتداولة بين العرب، فيقول: رَبَعَ القومَ يربعهم ربعاً، أي أخذ ربع أموالهم، وربع الجيش أي أخذ منهم ربع الغنيمة، ويقال للربع الذي يأخذه الرئيس: المرباع، وفي أخرى يقولون: المِرباعُ ربعُ الغنيمة الذي كان يأخذه الرئيس في الجاهلية [1]

واستند أصحاب اللغة في ذلك إلى بعض الأحاديث، كما في المروي في نهاية اللغة من قول النبي(صلى الله عليه وآله) لعديّ بن حاتم قبل إسلامه: إنك لَتَأكُلُ المِرباعَ، وهوَ لا يَحِلُّ لكَ في دِينك [2] وفي حديث آخر أيضاً: عن عدي بن حاتم قال: رَبَعتُ في الجاهلية وخَمَستُ في الإسلام [3] ، لأنه كان أميراً للجيش في الجاهلية وفي الإسلام. ويمكن الاستفادة من هذه القضية أنّ الناس فهموا الخمس بديلاً عن الرّبع الذي كان في الجاهلية.

والمهم: فيما تقدم أن هذه القضايا لا تدل على أنّ المِرباع أو الخُمس في الجاهلية وقبل الإسلام له أصلٌ إلهيٌّ ودليل شرعي في الشرائع السابقة، بل استفدنا من القضايا التاريخية أن أخذ الربع في الجاهلية كان من عادة الناس. أما الخمس الذي هو موضوع بحثنا فهو الذي جعله الله تعالى وقام عليه الدليل الشرعي.

وأما بالتأمل في الروايات، فيمكن أن نجدَ بعض الروايات الدالة على منشأ شرعي لهذه القضية (ولو بالإشارة فقط) فقد وردت في المصادر الروائية ثلاث روايات رواها الشيخ الصدوق في الخصال والفقيه وعيون أخبار الرضا(عليه السلام)، وروى الحرّ العامليّ اثنتين منها في وسائل الشيعة.

الحديث الأول: محمد بن علي بن الحسين (الشيخ الصدوق) بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً عَنِ الصَّادِقِ عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) فِي وَصِيَّةِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) لِعَلِيٍّ (عليه السلام) قَالَ: يَا عَلِيُّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- خَمْسَ سُنَنٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ- إِلَى أَنْ قَالَ: وَوَجَدَ كَنْزاً فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْخُمُسَ وَ تَصَدَّقَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‌ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُالْآيَةَ[4] هذه الآية تدل على صحةِ سُنّةٍ سَنّها عبد المطلب، فلو قُلنا بصحة الرواية فهي تدلُّ على أن مسألة الخمس في الإسلام مسألةٌ إمضائيةٌ وليست تأسيسيةً. ومرادنا من نقل الرواية هو الإشارة إلى أن للخمس سابقة في التاريخ.

الحديث الثاني: فِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ:عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَّانِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْكُوفِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) فِي حَدِيثٍ قَالَ: كَانَ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ خَمْسٌ مِنَ السُّنَنِ أَجْرَاهَا اللَّهُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ- حَرَّمَ نِسَاءَ الْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَسَنَّ الدِّيَةَ فِي الْقَتْلِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَكَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ وَوَجَدَ كَنْزاً فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْخُمُسَ وَسَمَّى زَمْزَمَ حِينَ حَفَرَهَا سِقَايَةَ الْحَاجِّ [5] .

الحديث الثالث: وقد رواه الشيخ الصدوق في الخصال، وبعض أفراد سند الحديث نظير الحديث الأول الذي رواه الشيخ الصدوق في الفقيه، وفيه بعض النقاط المفيدة، فنذكره مستقلاً للاستفادة منه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الشَّاهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ التَّمِيمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليهم السلام) عَنِ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) أَنَّهُ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ‌ يَا عَلِيُّ إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خَمْسَ سُنَنٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ حَرَّمَ نِسَاءَ الْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‌عَزَّ وَجَلَ‌ وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ وَ وَجَدَ كَنْزاً فَأَخْرَجَ مِنْهُ الْخُمُسَ وَ تَصَدَّقَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ‌ وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ‌ الْآيَةَ ،وَلَمَّا حَفَرَ زَمْزَمَ سَمَّاهَا سِقَايَةَ الْحَاجِّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ‌ أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ الْآيَةَ، وَسَنَّ فِي الْقَتْلِ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ فَأَجْرَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ، وَ لَمْ يَكُنْ لِلطَّوَافِ عَدَدٌ عِنْدَ قُرَيْشٍ فَسَنَّ فِيهِمْ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ فَأَجْرَى اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ. يَا عَلِيُّ، إِنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ كَانَ لَا يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ وَلَا يَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَلَا يَأْكُلُ مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَيَقُولُ أَنَا عَلَى دِينِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ.

إن هذه الكلمة ((أَنَا عَلَى دِينِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ)) ربما تشير إلى أنّ هذه السنن كانت في شريعة إبراهيم (عليه السلام)، لأن رسول الله يصرح بتأسيس عبد المطلب لهذه السنن، ثم ينقل عنه قوله: أنا على دين أبي إبراهيم.

ولما حكى العلامة المجلسي (رض) تمام هذا الحديث في بحار الأنوار قال: لعلّهُ عليه السلام (أي عبد المطلب) فعلَ هذه الأمور بإلهامٍ من الله تعالى، أو كانت في ملةِ إبراهيمَ فتركتْها قريشُ فأجراها فيهم فلما جاء الإسلام لم ينسخ هذه الأمور لما سنّهُ عبد المطلب [6]

يمكننا الاستفادة من الأحاديث المتقدمة وجود أصل الخمس قبل الإسلام وفي الشرائع السابقة، وكذلك توجد عدة من الروايات التاريخية تشير لوجود الخمس في الشرائع السابقة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo