< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعريف الخمس

على الباحث في موضوعٍ ما أن يتناول تعريفه قبل الدخول في أصل المسألة؛ لذا بدأ الإمام الخميني بذكر تعريف الخمس (وإنْ لم يصرح بأن مراده التعريف). فقال: وهو الذي جعله اللَّه تعالى‌ لمحمّدصلی‌الله علیه و آله وذرّيّته- كثّر اللَّه نسلهم المبارك- عوضاً عن الزكاة- التي هي من أوساخ أيدي الناس- إكراماً لهم.[1]

لم يذكر السيد الإمام هنا إلا بعض القيود، ولا بد للتعريف أن يكون جامعاً مانعاً. فالأفضل هنا أن ننقل تعريف الخمس من كلمات سائر الفقهاء، ثم ننظر فيها ونأخذ التعريف الجامع المستوفي للقيود.

جاء في مسالك الأفهام للشهيد الثاني في صدر كتاب الخمس: الخمسُ حقٌ مال يّثبتُ لبني هاشم في مالٍ مخصوصٍ بالأصالةِ عوضاً عن الزكاة[2]

والفرق بين هذا التعريف وتعريف الإمام الخميني أنّ الأول لم يحدد ما إذا كان الخمسُ حقاً مالياً. وكذلك فالشهيد الثاني قال: "لبني هاشم"، وأشار إلى أن الخمس مالٌ مخصوصٌ لهم بالأصالة.

ثم يشرع الشهيد الثاني بتوضيح التعريف:

فالحق بمنزلة الجنس يشمل الزكاة وغيرها. وخرج بالمالي غيره كالولاية الثابتة للإمام على رعيته. وخرج ببني هاشم حق الزكاة، وخرج بنو المطلب فقد قيل باستحقاقهم له. وخرج بقيد الأصالة ما لو نذر لهم ناذرٌ مالاً فإنهُ لا يُسمى خمساً، وإنْ لاحظ فيه الناذر كونه عوضاً عن الزكاة التي لا تحلّ لهم. وأشار بقيد العِوَضية إلى أنّ اللّه سبحانه فرض الخمس للرسول الله صلی‌الله علیه و آله ولقبيلته إكراماً لهم، وتعويضاً عن الزكاة التي هي أوساخ الناس، وتوسعة عليهم، وتشريفاً لهم بزيادته وكثرة موضوعه وقلة شروطه، ودفع عنهم الغضاضة في أخذه ببداءته فيه بنفسه وتثنيته برسوله، وجعله شرط الإيمان باللّه وبما أنزله على رسوله. وكل هذه المزايا زائدة على الزكاة

وذكرَ الشيخ الأنصاري في كتابه الخمس تعريفاً له فقال:

وهوَ لُغةً: رابعُ الكُسُورِ، وشرعاً: اسمٌ لحقٍّ في المالِ يجبُ للحُجّةِ وقبيلِهِ [3]

نلاحظ في تعريفه قولُهُ: "يجب للحجة" لا لبني هاشم، ولا للنبي وذريته، بل للحجة وقبيلِهِ، لذا عند بعض الفقهاء أنَّ الخُمسَ صالحٌ لمقامِ الإمامة أي لإدارة الأمة، فإذا قلنا بأن الخمس لمقام الإمامة (أي لمقام إمام حاكم) فلا بد من النقاش في هذه المسألة في زمن الغيبة: هل الخمس في زمن الغَيبة لجميع المراجع أم للوليِّ الفقيهِ فقط؟.

كذلك يذكر السيد الخونساري في جامع المدارك تعريفاً شبيهاً بتعريف الشهيد الثاني فيقول:

قد عُرّف الخمسُ بأنَّهُ حقٌّ ماليٌّ فرضهُ على عبادهِ، فإن كانَ المرادُ من الحقّ ما هو في قبال الحكم، ويكون في كثيرٍ من المواردِ قابلاً للإسقاط، فهو مبنيٌّ على عدم كونهِ من قبيلِ السهم في المال المشترك، أو من قبيلِ الكُلّي في المُعيّن، وهو محلّ الكلام، وإنْ كانَ المرادُ منه المالُ فهو غيرُ مناسبٍ للتوصيف بالماليّة، وكيف كان فوجوبه من الضروريّات.[4]

ولم يشر الخونساري إلى أن هذا المال لـِمَن؟ بخلاف معظم الفقهاء الذين أشاروا إلى صاحب الحق المالي.

وفي كتاب مصباح الفقيه، للفقيه الهمداني:

وهو حقٌّ ماليٌّ فرضهُ اللهُ على عباده فقال تبارك وتعالى في محكم كتابه وَاعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبىٰ وَالْيَتٰامىٰ وَالْمَسٰاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّٰهِ وَمٰا أنْزَلْنٰا عَلىٰ عَبْدِنٰا يَوْمَ الْفُرْقٰانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعٰانِ وَاللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ([5] ).

وأما صاحب الجواهر فَذَكرَ تعريفاً جامعاً قال فيه:

وهو حقٌّ ماليٌّ فرضهُ الله مالك الملك بالأصالة على عباده، في مال مخصوص له ولبني هاشم الذين هم رؤساؤهم وسُوّاسُهُم، وأهل الفضل والإحسان عليهم، عِوَضَ إكرامهِ إياهُم بمنع الصدقة والأوساخِ عنهم، كإكرامه تعالى لهم بجعله ذلك من شرائط الإيمان وبقرنه وبتشريكه ذاته تعالى معهم في ذلك؛ مبالغةً في نفي احتمال الصدقة والوسخية التي تُنَـزّهُ عنها تلك الذات الجامعة لجميع صفات الكمالات، وتعظيماً وإجلالاً لهم بإظهار هذه الشركة [6]

الفارق في تعريف صاحب الجواهر هو ذكرُ قيد: "لهُ" أي هذا المال حقٌّ لله، بينما لم يتطرق أكثر الفقهاء إلى هذا القيد.

أكتفي بنقل هذه الأقوال. وأقول:

أكثر هذه التعاريف مبتلىً بإشكالات، ولكن الإشكال الأساس على جميعها هو عدم جامعيتها وعدم مانعيتها، والحالُ أنَّ هذين الأصلين من أسسِ تعريفِ أيِّ موضوعٍ.

ففي بعض التعاريف كما ورد في كلام الإمام الخميني والشهيد الثاني وغيرهما يشمل التعريف قسماً من الخمس ولا يشمل الجميع، لأنّ سهم اللَّه تعالى‌ خارج. وفي بعضٍ آخرَ من التعاريف خرج سهم النبيصلی‌الله علیه و آله، وفي بعضٍ آخر خرجَ سهمُ النبي والأئمة؛ لأن سهم النبيصلی‌الله علیه و آله والأئمّة ثابت بمقتضى كونهم ذوي ولاية مطلقة إلهيّة، لا بما أنّهم من بني هاشم. أي: وإنْ كان بحسب الواقع لا يكون الإمام من غير بني هاشم ولا غير قريش، ولكنَّ استحقاقهم ليس من هذا الجانب بل من جانب الإمامة.

وهنا سؤالٌ:هل للإمام حقٌّ في الخمس بعنوان بني هاشم أم بعنوان الإمام؟ فلو قلنا أنه بعنوان بني هاشم فالتعريف يشمله. ولو قلنا أنه بعنوان الإمام فالتعريف لا يشمل.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo