< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:حكم النظر إلى الأجنبية:

إشارات عابرة إلى أهمية قاعدة تقديم الأهم على المهم

الأولى: دور القواعد الفقهية في الاجتهاد

لا شكّ و لا ترديد في أن الاجتهاد يتوقف على مقدمات عديدة ولا ريب في أنّ إحدى المقدّمات المهمّة، العلم بالقواعد الفقهية، ومن الواضح أن لهذا العلم تأثيراً واسعاً في عملية الاجتهاد والاستنباط.

ولا يمكن أن نتصور أنّ القواعد الفقهية هي الفقه نفسه وليست شيئاً آخر، لأن القواعد الفقهية علم مستقلّ يختلف عن علم أصول الفقه وعن علم الفقه ويمكن القول بأن هذا العلم بمثابة برزخ بين الفقه وأصول الفقه.

لأن القواعد الفقهية عبارة عن الأحكام العامة الجارية في أبواب مختلفة من الفقه، وليست عبارة عن الأحكام الخاصّة المترتبة على الموضوعات الجزئية.

والقواعد تنقسم إلى أقسام: منها ما يتعلق بباب خاص من الفقه. ومنها ما يشمل أكثر أبواب الفقه.

الثانية: عنوان القاعدة:

بعض الفقهاء يعبرون عنها بالقاعدة وبعض آخر يعيرونها بالأصل ولا فرق بينهما وبين هذين اللفظين والمراد منهما واحد.

وكذلك يوجد خلاف بين العلماء من جهة التعبير بعنوان القاعدة نظير: (قاعدة الأهم والمهم) ( قاعدة تقديم الأهم على المهم) (قاعدة التزاحم بين الأهم والمهم) (فقه المصالح و المفاسد) و (الضرر الأشدّ يزال بالضرر الأخفّ) و...

وقد يرى البعض أفضلية جعل (التزاحم) عنواناً للقاعدة كما صنع الأصوليون بلحاظ أن التزاحم يشمل ملاكات القاعدة التي هي عبارة عن الأهمية وإحرازها واحتمالها وتساوي المصالح والمفاسد ولكن الظاهر أن جعل العنوان لا يضر بالمسألة ولا يخل بالملكات لأن الأهم والمهم عنوان واسع تدخل تحته كل هذه الأمور.

الثالثة: تاريخ القاعدة:

إن اصطلاح (الأهم والمهم) وإطلاقه على هذه القاعدة ليس اصطلاحا قديماً بل هو اصطلاح جديد واستعماله رائج عند متأخري المتأخرين والمعاصرين فقط كصاحب الجواهر و صاحب العروة والمستمسك والتنقيح للسيد الخوئي و.... ولم نعثر على التعبير عند المتأخرين فضلاً عن القدماء.

نعم إن القدماء من الفقهاء قد عبروا عن ذلك بالمصلحة والمفسدة كما عن ابن إدريس في السرائر في أحكام الأموات والمحقق في الشرائع في باب القضاء و ... ولعل أقدم فقيه عبر عنها بالقاعدة المذكورة (الأهم والمهم) هو الفاضل المقداد في كتاب ( نضد القواعد) في باب تعارض المصلحة والمفسدة بين تطبيق الحدود الشرعية بما فيها من الأهم وبين تركها الموجب للمفسدة الأعظم، وكذلك في باب تعارض أمر المصلي بين الصلاة باللباس النجس أو الصلاة مكشوف العورة قال: فان فيه مفسدة لما فيه من الإخلال بتعظيم الله في انه لا يناجى على تلك الأحوال إلا أن تحصيل الصلاة أهم .

الرابعة: دور هذه القاعدة في أبواب شتى من الفقه:

لا ريب في أن المُتَتبِّع في الفقه وفي الأبواب المختلفة للفقه من الطهارة إلى الديات سواء على طريقة القدماء أو على طريقة المتأخرين مضافاً إلى الأدلة الخاصة يجد قانونا استثنائياً حاكماً على الأدلة ومتقدماً عليها في صورة حصول التدافع والتزاحم بين الموارد وذلك هو قانون الأهم والمهم.

و هذا القانون حاكم على السياسة والاجتماع والاقتصاد والأسرة والطب وتعلم العلم والدولة ونحوها.

فلذلك يمكن القول بأنه ما من مورد تزاحم فيه حكمان أو موضوعان وأحرز بينهما الأهم إلا ويتقدم على غيره في أي باب من أبواب الفقه الذي يجري في جميع شؤون البشر.

فثبت أن هذه القاعدة من القواعد العامة الجارية في أكثر أبواب الفقه.

الخامسة: الأهم و المهم من العناوين الثانوية والقاعدة حاكمة حتى على الأدلة الثانوية:

العنوان المأخوذ في الموضوع مرة قد يكون "عنواناً ثابتاً له فيسمى عنواناً أولياً، وأخرى يكون من العوارض والطوارئ التي قد يلحقها ويتغير حكمه بسببها، فيسمى عنواناً ثانوياً.

كلحم الميّتة حرام أكله ذاتاً بما أنه ميتة، ولكن عروض عنوان الاضطرار يوجب تغيير حكمها مؤقتاً، ثمّ بعد زواله يرجع إلى ما كان عليه، وكذا بالنسبة إلى حرمة الكذب، وإباحته أحياناً لما فيه من إصلاح ذات البين، فالكذب عنوان ثابت أولى للحرمة لا يتغير من هذه الجهة ولكن عنوان "إصلاح ذات البين" أمر عارضي مؤقت يوجب إباحته فعلاً.

وهكذا في وجوب مسح الرأس والرجلين في الوضوء أولا ولكن عروض عنوان التقية قد يوجب تغيير حكمه وتبدله بالغسل، وفي صورة زوال التقية يزال حكمها، ومن هذه الموارد والأمثلة يظهر حال العناوين الثّانوية وتميزها عن العناوين الأولية، ولكن المهم أن نعرف أن هذه القاعدة حاكمة على كل من العناوين الأولية ويغيرها بالثانوية وكذلك حاكمة على العناوين الثانوية.

يعني ما من دليل ثانوي يتقدم على الدليل الأولي إلا ويخضع لهذا القانون عند التعارض.

فلذلك إن قانون الأهم والمهم يتقدم على الأدلة الأولية بل حتى على الأدلة الثانوية مثل دليل (لا ضرر ولا ضرار) و(لا حرج) في حين أنهما يعتبران من أوسع الأدلة الثانوية ولهما حكومة على غيرهما كما أنه معروف من الفقه.

السادسة: قاعدة الأهم و المهم يدل عليها العقل و الشرع :

قاعدة الأهم والمهم عند التزاحم يدلّ عليها "العقل" و "الشر ع" و هي الروح التي تقف عند الأدلة العقلية والشرعية بل يمكن إقامة الأدلّة الأربعة على إثباتها كما لا يخفى على من تأمل أدنى التأمل في الفقه وأمثلتها كثيرة جداً.

بل يمكن القول بإرجاع عدة من المسائل كمسألة مستثنيات الكذب والغيبة وكذا قاعدة الضرورة والاضطرار وكذا الضرر والضرار، و مسألة التقية (سواء الخوفي والتحبيبي منها) إلى هذه القاعدة المهمة.

لأنه في جميع هذه الموارد يدور الأمر بين مصلحتين، ويقع التزاحم بين ملاكين فيؤخذ بالأقوى منهما، وهذا هو المراد من نفس القاعدة .

وبهذا البيان يمكن إرجاع كثير من العناوين الثّانوية إلى قاعدة الأهم والمهم.

نقطة مهمة:

هناك نقطة مهمة ولابدّ لنا من التأكيد عليها وهي أن معرفة المصالح والمفاسد، والأهم من غير الأهم، لا بدّ أن يكون بحسب مذاق الشرع، وما يُعرف من لسان أدلته، ومن اهتمام الشارع المقدس ببعض الأمور أكثر من بعض، لا بحسب مذاقنا وما يخطر ببالنا وفي أذهاننا من الاستحسانات.

وبالنتيجة إن معرفة مصاديق وموارد هذه القاعدة إنّما هو موكول إلى الفقيه العالم بلسان الشرع لا إلى الاستحسانات والعقول الضعيفة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo