< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/02/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم النظر إلى الأجنبيّة:

وأمّا الدليل علي القول بالجواز مطلقا، فإنه لا ريب في إذا أبطلنا القول بالحرمة وأوضحنا القول بالتفصيل وأرجعناه إلي القول بالمنع، فقد ثبت الجواز بلا معارض، ولا حاجة إلي ذکر دليل الجواز، لأن الجواز هو مقتضي عدم المنع، وأما المنع فيحتاج إلى الدليل، ونريد هنا أن نتعرض لأدلة الجواز إرشاداً إلي تبيين الأدلّة والاستدلال بها. فقد استُدِلّ علي الجواز بالأدلة المتعددة: منها: الاستدلال بالکتاب في قوله تعالي: {وَقُلْ لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَآئهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَا تِ النِّسَآءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [1]

مدّعياً أنّ في الآية استثناءٌ من إبداء الزينة الظاهرة، ولا محالة أنّ الزينة الظاهرة تشمل الوجه والکفين وأنّ النظر إليهما جائزٌ قطعا. ولا ريب أنّ أکمل مصاديق الزينة الظاهرة هما الوجهُ والکفّان، وبهذا البيان تظهر صلاحية الاستدلال بالآية علي الجواز، يضاف إلى ذلك أنّ بعض النصوص (کصحيحة فُضَيْل، وموثَّقةِ أبي بصير) قد فسّرت الظاهر من الزينة بالخاتم وأمثاله، وواضحٌ أنّ النّظر إلي الخاتم لاينفکّ عن النظر إلي الكف.

ومؤيداً بِما رَوى مَسعدة بن زياد عن الصادق في الجواب عن السؤال: عمّا تُظهر المرأة من زينتها قال: (الوجه والکفّين).. وبالنتيجة فإنّ الاستثناء الوارد في قوله تعالي {إلاَّ ما ظهر منها} يقتضي جواز النظر إلي الوجه والکفين بلا ريب.

ومنها: الاستدلال بالسنة،

ومثاله صحيحة أبي حمزة الثمالي. (مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ يُصِيبُهَا الْبَلَاءُ فِي جَسَدِهَا إِمَّا كَسْرٌ وَإِمَّا جُرْحٌ فِي مَكَانٍ لَا يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَيْهِ يَكُونُ الرَّجُلُ أَرْفَقَ بِعِلَاجِهِ مِنَ النِّسَاءِ أَيَصْلُحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهَا قَالَ إِذَا اضْطُرَّتْ إِلَيْهِ فَلْيُعَالِجْهَا إِنْ شَاءَتْ). [2]

 

كيفية الاستدلال:

أنّ السؤال عن أبي جعفر عن موضعٍ من جسد المرأة الذي لا يصلح النظر إليه، وبالتأمُّل يُفهم منه أنّ بجسد المرأة ما يصلح النظر إليه، وما لا يصلح النظر إليه،

والأول: لا يُتصوّر إلّا في الوجه والکفين، لأنّهما مِن القدر المتيقن،

والثاني: هو جميع جسد المرأة عدا الوجه والکفين. وسكوت الإمام في مقابل ما سئل عنه وعدم اعتراضه عليه هو تقريرٌ من الإمام أنّ في جسد المرأة ما يصلح النظر إليه، وتخصيص جواز النظر إلى الوجه والكفين لأنهما القدر المتيقن المستفاد من التقرير. يضاف إليه قيام الإجماع على منع نظر لأجنبي إلي سائر جسد المرأة الأجنبية، فالاستدلال بهذا الحديث استدلالٌ بمفهوم عبارة السائل: " في مكان لا يصلح النظر إليه". قال الشيخ الأنصاري في كتابه النكاح: إنّ الاستدلال بهذه الصحيحة تامّ؛

ونحن نقول: إنّ الصحيحة لا إشكال فی سندها، وأمَّا من حيث الدلالة فيُشَكل بأن استدلاله بها إنّما كان بمفهوم الوصف، ومعلومٌ بأن لا مفهوم للوصف عند البعض. ونحن نعلمْ أن مقصود الوصف عند النحويين هو ما يعمّ النعت وغيره ، ويشمل الوصف عند الأصوليين والنعت والحال والتميز وحتى الجارّ والمجرور ممّا يصلح أن يكون قيداً لموضوع التكليف. فلو قال المولى مثلاً: (صلِّ إلى القبلة) فإنّ الجارّ والمجرور هنا يُعتبران وصفاً عند الأصوليين لكونهما قيدٌ لوجوب الصلاة، فهو إذنْ وصف أصوليٌ وإن لم يكُ عند النحويين كذلك، ولا يترتب الحكم عليه فقط ففي قولهم: (المستطيعُ يحجُّ) خارجٌ عن البحث، وإنّما يجب أن يكون الوصف معتمداً على الموصوف كقولهم:(المكلَّف المُستطيع يحُجّ).

وللوصف أقسامٌ :

ذكرها المرحوم المظفر فقال: إنّ الوصف ينقسم إلى أقسام أربعة من حيث النسبة بين الوصف وموصوفه،

الاول :فقد تكون التساوي مثل الإنسان والمفكّر.

الثاني: وقد يكون أعمّ مثل الإنسان والماشي.

الثالث: وقد يكون أخصّ كالإنسان العادل.

الرابع: وقد يكون أعمّ من الموصوف من وجهٍ مثل الغنم السّائمة. فالقسمان الثالث والرابع مورد البحث في المقام، يُضاف إلى ذلك أن الرواية في مقام بيان حُكمٍ آخر، وهو جواز النظر عند المعالجة، فهي لا تشمل كل الحالات في الأماكن التي يصلح النظر إليها والأماكن التي لا يصلح النظر إليها. ومن الواضح أنّ من مقدمات الحكمة أنْ يكون الوصف في مقام البيان، وأمكن أن يبيّن، ولم يبيّن. وهذه النقطة غير تامة في الرواية إذ الإمام ليس في مقام بيان ما يصلح النظر إليه وما لا يصلح. فلذلك لا يجوز الاستدلال بصحيحة الثمالي،


[1] سوره نور، آیات 24 و 31.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo