< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/02/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حكم النظر إلى الأجنبيّة:

أدلة القول بالتفصيل: وقبل ذِكر أدلة هذا القول ينبغي لنا أن نتحدث عما قاله بعض الفقهاء بأن القول بالتفصيل هو أضعف قول بين الأقوال الثلاثة. فراجع مستمسك العروة الوثقي للسيد الحكيم، والآثار الفقهية للشيخ مكارم، والمباني في شرح العروة للسيد الخوئي، وعمدة ما ذكره القائلون في مقام الاستدلال بأن القولين الأولين أي حرمة النظر وجواز النظر متعارضان ولايمكن الجمع بينهما الا بالقول بالتفصيل؛ لأننا بالقول التفصيلي نستطيع أن نجمع بين القولين المتعارضين، ولأجل الجمع بين طائفتين من الروايات استدلوا ببعض الأحاديث الدالة على التفصيل. أي إنهم ذكروا هذه الروايات لإمكان الجمع بين الروايات، والقائلون بالتفصيل ذکروا في مقام الاستدلال علي قولهم هذا بعدة من النصوص والروايات التي تدل بظاهرها على التفصيل بين النظرتين، و إليك نص بعضها:

الاول: أحمد بن علي بن الحسين بِإِسْنَادِهِ عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنِ الْكَاهِلِيِّ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ النَّظْرَةُ بَعْدَ النَّظْرَةِ تَزْرَعُ فِي الْقَلْبِ الشَّهْوَةَ وَكَفَى بِهَا لِصَاحِبِهَا فِتْنَةً . [1]

والكاهلي وإن لم يرد نص على وثاقته ولكن النجاشي قال: عبد الله بن يحيى أبو محمد الكاهلي: عربي، أخو إسحاق، رويا عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان عبد الله وجها عند أبي الحسن ووصى به علي بن يقطين، فقال له: (اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنة . وقال الشيخ: عبد الله بن يحيى الكاهلي، له كتاب. وعدّه في رجاله من أصحاب الكاظمّ. وعدّه البرقي في أصحاب الصادق. وبعد ذكر هذه الموارد لا يبعد أن يكون جميع ذلك موجباً لتوثيقه.

الثاني: قالَ محمد بن علي بن الحسين قَالَ الصادق: (أَوَّلُ نَظْرَةٍ لَكَ وَالثَّانِيَةُ عَلَيْكَ وَلَا لَكَ وَالثَّالِثَةُ فِيهَا الْهَلَاكُ).[2]

الثالث: قَالَ: (وَقَالَ الصَّادِقُ مَنْ نَظَرَ إِلَى امْرَأَةٍ فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَىْ السَّمَاءِ أَوْ غَمَّضَ بَصَرَهُ لَمْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ بَصَرُهُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ). [3]

قَالَ وَفِي خَبَرٍ آخَرَ لَمْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ حَتَّى يُعْقِبَهُ اللَّهُ إِيمَاناً يَجِدُ طَعْمَهُ).[4]

الرابع: وَفِي عُيُونِ الْأَخْبَارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْجِعَابِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرِّضَا عَنْ آبَائِهِ (( قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلی‌الله علیه و آله مَنْ قَتَلَ حَيَّةً قَتَلَ كَافِراً وَقَالَ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَلَيْسَ لَكَ يَا عَلِيُّ إِلَّا أَوَّلُ نَظْرَةٍ)).[5]

الخامس: وَفِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ قَالَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلی‌الله علیه و آله يَا عَلِيُّ أَوَّلُ نَظْرَةٍ لَكَ وَالثَّانِيَةُ عَلَيْكَ لَا لَكَ).[6]

السادس: وَعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ الْعَدْلِ عَنْ جَدِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ‘ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِصلی‌الله علیه و آله قَالَ لَهُ: يَا عَلِيُّ لَكَ كَنْزٌ فِي الْجَنَّةِ وَأَنْتَ ذُو قَرْنَيْهَا فَلَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأولى وَلَيْسَتْ لَكَ الْأَخِيرَةُ.[7]

السابع: وَرد فِي الْخِصَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ فِي حَدِيثِ الْأَرْبَعِمِائَةِ قَالَ: لَكُمْ أَوَّلُ نَظْرَةٍ إِلَى الْمَرْأَةِ فَلَا تُتْبِعُوهَا نَظْرَةً أُخْرَى وَاحْذَرُوا الْفِتْنَةَ.[8]

الثامن: وَفِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ : عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عِمْرَانَ الدَّقَّاقِ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَلَوِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ عَنِ الصَّادِقِ فِي حَدِيثٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ قَالَ: إِنَّمَا قَيَّدَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالنَّظْرَةِ الْوَاحِدَةِ لأن النَّظْرَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تُوجِبُ الْخَطَأَ إِلَّا بَعْدَ النَّظْرَةِ الثَّانِيَةِ بِدَلَالَةِ قَوْلِ النَّبِيِّ| لَمَّا قَالَ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَا عَلِيُّ أَوَّلُ النَّظْرَةِ لَكَ وَالثَّانِيَةُ عَلَيْكَ لَا لَكَ.[9]

واعلم أنّ الاستدلال بهذه الأخبار أيضاً لا يخلو من إشکال :

منها: ضعف الأخبار من جهة الإرسال في أسانيد بعضها، وضعف رُواة بعضها الآخر وإن کانت هذه الطائفة مشتملة علي بعض الأخبار المُوثّقة ، کخبر الکاهلي.

ومنها: أنّ النظر المَمنوع في الأخبار هو النظرة بعد النظرة، ولا شکّ في أنّ الأولي منهما اتفاقاً وغير مقصودة، والثانية عمديةً ومقصودة، فليس الاعتبار في المنع بالعدد، لأن العدد هنا لا دخل له في الحُکم، بل الاعتبار من جهة أنّ النظرة الأولي اتفاقاً لا يشملها الحکم، وبقيت الثانية العمدية ويشملها الحُکم، فلا محالة أنّ النظرة المحرّمة لا تخرج عن كونها مع التّلذُّذ والريبة، وهي محرّمة وممنوعة، وإنْ کانت خارجة عمّا نحن فيه.

ومنها: أنّ النّظر الوارد في الأخبار فهو مُطلقٌ ولا يختصّ بالنظر إلي الوجه والکفين، بل يشمل إطلاقه النظر إلي جميع جسد المرأة، وإذا کانت الأولي من النظرتين جائزة فاللاّزم من إطلاقه جواز النظرة في المرّة الأولي إلي جميع جسَد المرأة الأجنبية، هو أمرٌ لايقول به أحدٌ من الفقهاء.

وإنْ كان المُراد من النظرة الأولى هو النظرة الاتفاقية فلا ريب في جوازه حتى بالنسبة إلى جميع جسد المرأة، لأنّه اتفاقي وغير اختياري ولا إثم على مرتكبه إذا لم يَعُدْ نظره إليها ثانياً. وحيث يدور أمرُ تقييد الروايات بين التقييد بالوجه والكفين والتقييد بالاختياري وغير الاختياري، وواضحٌ أنّ التّقييد لا يخرج من هذين الأمرين، والتقييد الذي يساعده العرف هو التقييد بالأمر الثاني، وبهذا البيان يرجع القول بالتفصيل إلي القول بالحرمة، فلذلك لا نحتاج إلي الجمع وإلي تأسيس القول الثالث بعنوان القول بالتفصيل؛ وبذا يسقط الدليل عن دليليته وعن الاستدلال، لأن النظر الاختياري من الأجنبي إلي الأجنبية بإطلاقه يشمل النظر إلي جميع جسد المرأة ولا يختص بالوجه والکفين، والمنع من النظر إلي جميع جسد المرأة واضحٌ ولا يرِدُ عليه شيء، يُضاف إليه أنه لو فُرض صحة الاستدلال بهذه الطائفة من الروايات فكيف يمكن للفقيه أن يأتي بالجواب عن بعض الأسئلة:

1 - ما هو المقدار في صدق نظر الأول إلى الوجه والكفين من المرأة الأجنبية؟ وهل يجوز احتساب الوقت بالدقائق والثواني أم لا؟ وهل يجوز له الاستمرار إلي زمان معيّن أم لا؟

2 - ما هو المقدار والفترة التي يجوز النظر إليها ثانياً؟ بمعنى إذا نظر الرجل إلى المرأة بعنوان النظر الأول فإلى أي مدّة لايجوز له النظر؟ وهل لايجوز له النظر إليها مدى الحياة أم يجوز له النظر إلي فترة معينة؟ وهل يمكن احتساب الفترة بالساعة واليوم والشهر والسنة أم لا؟ فمثلاً هل يجوز القول بتكرار النظر بعد اليوم الذي نظر إليها بعد نظره الأول إليها؟ كل هذه الأسئلة في القول بالتفصيل تحكي للفقيه أنّ هذه الطائفة من الروايات ليست في مقام تقسيم النظر من حيث العدد بل الظن القوي يدل على أنه في مقام تحديد النظر من حيث الاختياري وغير الاختياري. فتحصّل ممّا ذکرنا أنّ هذه الطائفة من الأخبار المفصّلة أيضاً لا تصلح دليلاً علي المدَّعي؛ وبالنتيجة بقيت الطائفة المجوِّزة سليماً عن المعارض لا طائفتان متعارضتين من الأخبار حتي يلزم القول بالجمع بينهما کما يقول البعض في توجيه القول بالتفصيل بالجمع بين الأخبار المتعارضة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo