< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/02/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع :حكم النظر إلى الأجنبية :

منها: حكم العقل بلزوم دفع المفسدة،

وبيان الاستدلال: "بما أنّ في النظر إلی الأجنبية بتلذُّذ المفسدة والوقوع في الحرام فإنّ العقل يحکم بوجوب دفع تلك المفسدة، وبالتالي فإنّه يحرم النظر إلی الأجنبية بما في ذلك وجهها وکفيها دفعاً للمفسدة وما يتبعها، ومن الواضح أنَّ لُزوم دفع المفسدة أمرٌ يحکم به العقل السليم" وفيه کسابقه إيراداتٌ

أوّلها: لا شک في وجود المفسدة في بعض موارد النظر إلی الوجه والکفين من المرأة، ونحن لا ننکر حکم العقل بلزوم دفع المفسدة، لکنّه من المعلوم أن المفسدة والمصلحة هما ملاکان في الحكم لا نفس الحکم.

ولا شك أنّ استخراج الملاک ليس من شأن العقل، بل هو من شأن النص والوحي فقط، والحال أنّ المستدل قد استخرج ملاک الحكم، وهو وجود المفسدة في النظر، فإذا ثبتت المفسدة فإنّ العقل يحکم بلزوم دفعها حيث لا يمکن فيه إلاّ أن يقال بالمنع من النظر.نعم إنّ للعقل أن يستکشف الحکمة من الحکم الشرعي، لکنه لا يمكنه أن يستخرج ملاکاً وعلّة للحکم، نظير حُکم الشارع بالاعتداد لحکمة عدم اختلاط المياه، وأنت تعلم أن ذلك حکمة للحکم لا علة وملاکاً له، وأما استکشاف الحکم الشرعي من خلال هذا الوجه أي الحكمة فهو ممنوع وغير ممكن.

ثانيا: إن لملاکات الأحکام جهتين من التدخل في تشريع الحکم الشرعي، وهما الاقتضائي واللاّاقتضائي، بمعنی أن المصلحة ملاکُ للوجوب والاستحباب، وأن المفسدة ملاکٌ للحرمة والکراهة، لکنّ هذين الملاکين قد يقتضيان الغعلية وقد لا يقتضيانها، وفي مرحلة الاقتضاء والشأن لا تعارض بين الحکمين ذوي الملاکين، وقد يحصل التعارض بعد اقتضاء الملاک فعلية الحكم، لأنّ التعارض لايکون في الشأنيات والاقتضائيات، وإنما يتمحض فقط في الفعليات. أما الفعلية فإنها لا تحصل بنفسها، بل هي مرتبة من الحکم الذي لا يحصل إلاّ بإرادة الله تعالی فعلياً. وفي حين أنّ الشارع يعلم بأنّ صيرورة الفعلية في الملاک توجب التعارض والتزاحم في الأحکام من جهة المکلفين، فإنه لا يريد الفعلية في الملاک، بل يبقيه في مرتبة الشأنية والاقتضائية، لأن الشارع بما هو حکيم ومحيط بکل شيء فهو لا يريد فعلية الحکم الذي يوجب التعارض في الأحکام من جهة الملاک. نظير ما ذكره الشهيد الفقيه المطهري (ره) بخصوص الطلاق: إن الطلاق من أبغض الموارد عند الله عزّ وجل، ولکن لم يحرمه الشارع، لأن الله عزّ وجلّ عالمٌ بأنّه وإن کان في الطلاق مفسدةٌ من جهة تزلزل الأسرة، لکن لا يرد تحريمه، لأنه إن صار فعلياً لحصل التعارض بينه وبين سائر الملاکات. لهذا جعل الله الطلاق بيد الأشخاص، لأنهم إذا عرفوا أن بقاء النکاح موجبٌ لمفسدة مهمة، فله أن يختار الطلاق بين الزوجين. وما نحن فيه أيضاً من قبيل ما ذُکر، لأنّا لا ننکر أنّ في بعض الموارد من النظر مفسدة شأنية واقتضائية، ولکن بما أنّ الشارع عالمٌ بجميع المصالح والمفاسد فهو يعلم قطعاً أنه إذا ألزم المکلفين بحرمة النظر فسوف يحصل فيه التعارض، ومن جهةٍ عدم حصول التعارض في إحراز الملاکين في حکم واحد لا يجعله إلزامياً. بمعنی أنّ الشارع عالمٌ بأن في النظر مفسدة ولکن لم يصيِّره إلزامياً رعايةً لعدم حصول التعارض، بمعنی أنه لا ينهی عن النظر إلى الوجه والکفين من الأجنبية بدون ريبة وتلذُّذ، وأنّ فعلية المفسدة إنما تحصل إذا کان فيه إلزامٌ من الشارع، وهو نظير ما ورد عن رسول الله بشأن السواك: لولا أنْ أشقّ علي أمتي لأمرتهم بالسواك عند كلِّ صلاة.[1] فإنّ السواك بنفسه ليس فيه مفسدة وإنما المفسدة قطعاً في الإلزام به.

ثالثا: إنّ المفسدة المظنونة في النظر مختصة بحصول النظر مع التّلذذ والريبة، لأنه لايکون في النظر مفسدة غير الريبة والتّلذذ، وهو خارجٌ عن الفرض وعّما نحن فيه، لأّنَّا بصدَد بيان حکم النظر إلی الوجه والکفين من الأجنبية بدون التّلذذ والريبة، فما قُصِد لم يقع، وما وقع لمْ يُقصَد.

ومنها: حُکم العقل بلزوم دفع المفسدة من طريق آخر، وهو: إنّ من الظاهر أنّ عمدة محاسن المرأة في وجهها، وبما أنّ النظر يؤدي غالباً إلی الوقوع في الأمر المحرّم کالزِّنا، وهو مبغوضٌ للشارع، فيحکم العقل بعدم جواز النظر حتی بدون الريبة، لأنّ مقدمة الحرام حرامٌ کذيه.

و فيه أيضاً:

أوّلاً: نحن نمنع عن النظر الذي يؤدي غالباً إلی الوقوع في الحرام، وإن کان في بعض الموارد يؤدي إليه، لأنه هو الذي يتطرق إليه احتمال التلذّذ والريبة، أما في بعض الموارد لا يکون النظر معرضاً للافتتان، ولايتطرق فيه احتمال التلذّذ، وبالنتيجة فإنّ الملاک في الحکم لا يطّرد في جميع موارده حتی يكون إلزامياً.

ثانيا: إن المفسدة هي ملاک الأحکام، والملاک لا يُعلم به إلاّ مَن ناحية النّص والوحي، والعقل أجنبي عن إدراك ملاکات الأحکام، فيظهر ممّا بيّناه من الإيرادات علی الاستدلال بدليل العقل، وإن هذا الدليل أيضاً لا ينبغي الاستدلال به.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo