< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

39/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: العلم والعالم:

>عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيْمُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ ابْنِ أَبِيْ عُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدَ بْنِ يَحْيَىْ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّد، عَنْ ابْنِ أَبِيْ عُمَيْرٍ، عَنْ سَيْفٍ بْنِ عُمَيْرَةَ، عَنْ أَبِيْ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيْ جَعْفَرٍ×، قال: >عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِيْنَ أَلْفَ عَابِدٍ<[1] .

ويحتوي هذا الحديث على مباحث متعددة، مِنها :

1- فضل العِلم.2-فضل العالِم.3- فَضلُ الانتفاع بالعلم.

وهناك بعض الأسئلة التي قد ترِدُ على البال والتي لا بدّ مِن الإجابة عليها.

الأول: ما المقصود مِنْ العلم؟

الثاني: ما المقصود مِنْ العالم في الحديث؟ هل المقصود من العلم الاصطلاحات الفنيّة للعلم الذي هو موجودٌ في كتب الفقهاء والمراجع مثلا ًوفي الرسائل والكفاية و....وهل المقصود من العلم تلك الفنون والاصطلاحات؟ وهل يطلق العالم على ذلك الشخص الذي جمع هذه الاصطلاحات والفنون على حسب القرآن والسنة؟ أم أنّ المقصود غير هذه الأمور.

الثالث : هَلْ صِفَةُ: (يُنْتفَعُ بِعِلْمِهِ ) هِي صِفة إيجادٍ أو صِفة كمَال؟ وهل تطلق هذه الصفة على العالم الذي لا ينتفع بعلمه؟

الرابع: هل فضل العالم على العابد سببه نفعُ العالِم الناسَ بعلمه؟ وهل تبقى أفضلية العالم على مكانها حتى إذا انتفع العابد بعبادته؟

الخامس: ما كيفية الانتفاع بالعلم؟ وما علامة مَنْ يسلك طريقاً إلى العلم؟

وإليك جواب بعض ما ذكر من الأسئلة:

أوّلاً: ليس المقصود مِنْ العلم المُصْطلحات العلمية فقط؟ لأنَّ العلم ليس بالتَّعلُّم، بَل هو بِحَسَب ما جاء في الروايات:>..العِلْمُ نُوْرٌ يَقْذِفُهُ اللهُ فِيْ قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ<[2]

ثانياً: مِنْ الواضح أنه ليس المقصود بِالعالم مِنْ جمع العلوم والفنون بل العالم مَن اتصف بأوصافٍ عديدة.

منها: إنه دائم الخشية لله، وهو يضع دائماً الآية الشريفة:{إنَّمَا يَخْشَىْ اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} [3] نصب عينيه. وهو الذي إذا نظرت إليه ذكرك بالآخرة، وهو الذي جاء وصفه في الحديث الشريف: >العلماء أطهر الناس أخلاقاً وأقلَّهم في المطامع أعراقاً<[4] .الإمام علي×، وهو الذي يعرف قدره ومنزلته، وهو الذي قال بحقه الإمام الحسين×: >مِنْ دَلائِلِ العَالِمِ انْتِقَادُهُ لِحَدِيْثِهِ وَعِلْمُهُ بِحَقَائِقِ فُنُوْنِ النَّظَرِ<.[5] الإمام الحسين×

ثالثاً: حسبما أوردنا في الجواب الثاني أنَّ العلم صِفَةُ وجودٍ لا صِفَةُ كمال، لأنَّ من لا يُنتفع بعلمه لا يُطلق عليه اسم العالم أبدا.

رابعاً: إنَّ العابد أيضا يُنتفع بعبادته ولكنَّ الانتفاع إنّما يقع على نفسه فقط، أمَّا عِلْم العالم ففيه نفعٌ لِنفسه وللإنسانية وللمجتمع، وهو أفضل مِنْ العابد الذي يقتصر انتفاعه بعبادته لنفسه دون غيره.>فَضْلُ العَالِمِ عَلَىْ العَابِدِ سَبْعِيْنَ دَرَجَةً، بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ حُضْرُ الفَرَسِ السَّرِيْعِ المُضْمَرِ مِئَةَ عَامٍ، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَضَعُ البِدْعَةَ لِلنَّاسِ فَيَعْرِفُهَا العَالِمُ فَيَنْهَى عَنْهَا، وَالعَابِدُ مُقْبِلٌ عَلَىْ صَلاَتِهِ لاَ يَتَوَجَّهُ لَهَا وَلَا يَعْرِفُهَا<[6] .

خامساً: للانتفاع بالعلم طرقٌ متعدِّدةٌ ومتنوعة، فالعالم الحقيقي هو الذي لا يري لنفسه حالاً ولا مقامًا، ويكره بقلبه المدح والتزكية مِن الناس كالإمام الخميني في حياته، قال أحدهم:>دخلت إلى غرفة الإمام+ والناس في الحسينيّة يهتفون بصوت عالٍ >روح مني خميني بت شكني خميني< يمدحون الإمام+، فقال الإمام+ لأحدهم:>حتَّى لو رجع الناس عن هذا القول فإنني لا أراجع عن طريقي الذي اخترته ولا يؤثر قولهم هذا في نفسي<.

وكذلك العالم الحقيقي، فهو دائم التواضع لا يحسد أحداً ولا يسخر مِنْ أحد، وهو مِن أهل الخشية لله والانكسار والذُّلّ والعبادة والنوافل، وهو أبعد ما يكون عن الدنيا وحبّ الرياسة والشهرة؛ إنَّ العالم الحقيقي هو الذي لا يَدَّعِي العلمَ، ولا يفخر به على أحد، ولا ينسب غيره إلى الجهل، وهو الذي يحسن الظن بالله وبالعلماء وبالخَلْقِ وبالمؤمنين، لذا ينبغي لنا أنْ نتعرّف على أنفسنا مِنْ جديد وأنْ نهتمَّ بمحاسبة أنفسنا قبل محاسبة الله إيانا، كما يجب علينا أنْ نسأل أنفسنا عن مدى انتفاعنا بالعلم الذي تعلمناه في حوزاتنا ومؤسساتنا، وتعليمنا إياه لغيرنا وإن نعرف مدى انعكاسه على سلوكنا وأخلاقنا، وأن نحرص على الانتفاع حقَّاً بما تعلّمناه كي نصبح فعلاً مِنْ أهل الخشية والعبادة. إخوتي العلماء عليكم الاهتمام بإصلاح المجتمع وحدثوا أنفسكم دائماً بأن يجعلكم الله في عداد مَن يكرم عباده ويهتمّ بقضاء حوائجهم، وعليكم التأسي دائماً بِقوله|: >اللَّهُمَّ إنِّيْ أَسْألُكَ عِلْمَاً نَافِعَاً[7] ، وَأَعُوْذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ[8] <، وأنْ تجعلوا ذلك نصَبْ أعينكم.

 

والحمد لله رب العالمين.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo