< قائمة الدروس

بحوث خارج الأصول

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

36/02/04

بسم الله الرحمن الرحیم

الكلام في المرحلة الثانية من البحث في المخصّص المنفصل المشتبه مصداقاً.
وهو التفصيل في جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة لمخصّصه المنفصل بين المخصّص اللّفظيّ والمخصّص اللّبّي.
أمّا المخصّص اللّفظيّ فقد تقدّم ما ينبغي من الحديث عنه. واتّضح عدم جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص المنفصل.
وأمّا المخصّص اللّبّي، وهو شيء ثبت بالارتكاز أو بحكم العقل أو بالإجماع أو تُصيّد من المذاق العامّ للشارع. أقول هذا لأنّ بعض الكلمات تُوهم أنّ المخصّص اللّبّي هو خصوص ما حكم به العقل، مع أنّ الأمر ليس كذلك.
هذا التفصيل لم نجد له عيناً ولا أثراً قبل الشيخ الأنصاريّ رحمه‌الله.
لكنّه رحمه‌الله في تقريراته المنسوبة إليه، عقد هدايةً في ثنايا بحث العامّ والخاصّ للتفرقة بين المخصّص اللّفظيّ والمخصّص اللّبّي، ولديه كلام وإن أطال فيه شيئاً ما لكنّه غير عارٍ عن الإجمال على مستوى المراد؛ إذ يظهر من جملةٍ من كلامه أنّه لا يتحدّث عن محلّ كلامنا في المخصّص على مستوى الموضوع، بل نجده تحدّث في كلامه عن المخصّص اللّبّي على مستوى الملاك، وتحدّث أيضاً عن شيءٍ خارج عن باب التخصيص الاصطلاحيّ، من قبيل عناوين الصحّة والفساد التي تُنتزع من مطابقة المأتيّ به للمأمور به. وتحدّث ثالثةً عن المخصّص الذي يخصّص من العامّ (وهذا هو الذي يعنينا) بعنوان، والمخصّص الذي يخصّص من العامّ بغير عنوان، ذاكراً أنّ المخصّصات اللّفظيّة في العادة من الأوّل، والمخصّص اللّبّي في الغالب من الثاني.
ومُثّل لذلك في بعض حواشي الفرائد أو بعض كلمات المتعرّضين لكلام الشيخ رحمه‌الله، بما لو ورد ـ مثلاً ـ (أكرم كلّ عالم) وورد (لا تكرم زيداً)؛ فإنّ تخصيص زيد ليس تخصيصاً له بعنوانٍ له علاقة موضوعيّة بالعالم، لا من جهة أصل الموضوع في العامّ، ولا من جهة الأوصاف التي تقتطع من العامّ كالفسق ونحوه.
ومن الواضح: أنّ هذا التفصيل بمعزل عن المناقشة في الصغرى، وأنّه هل التخصيصات اللّفظيّة غالباً تكون تخصيصات بعنوان، والتخصيصات اللّبّيّة تكون تخصيصات بغير عنوان؟ هذا البحث لا جدوى في البحث عنه؛ إذ نبحث في كلّ مخصّص مخصّص، وإلّا، فإنّه قد يُناقَش في أنّ المخصّصات اللّبّيّة عادةً يكون التخصيص بها بغير عنوان؛ إذ معاقد الإجماعات أو المرتكزات أو المتصيَّدات أو أحكام العقل غالباً ما تكون ضمن عناوين خاصّة نسبتها مع الموضوع في العامّ إمّا عموم وخصوص مطلق، أو عموم وخصوص من وجه.
نعم، يصحّ ما قاله من أنّه في الغالب في المخصّصات اللّفظيّة يكون التخصيص بعنوان، خصوصاً في مثل تشريعات شارعنا التي هي في الغالب من قبيل القضايا الحقيقيّة بالمصطلح الأصوليّ، نعم، في التشريعات اليوميّة للآباء والأبناء أو الموالي العرفيّين قد تكثر شيئاً ما التخصيصات اللّفظيّة التي لا تكون من قبيل الاقتطاع من العنوان؛ إذ ليس المولى مضطرّاً وهو يبيّن قضاياه التشريعيّة لعبده بنحو القضايا الشخصيّة والخارجيّة ليس مضطرّاً إلى بيان المائز الموضوعيّ الذي لأجله خصَّص وقيَّد.
فهذا التفصيل الذي يفصّله الشيخ رحمه‌الله على الصعيد الثالث، لا بأس به، سواء كان هناك مخصّص لفظيّ أم لبّيّ، إذا قال: (أكرم كلّ عالم) ثمّ قال: (لا تكرم زيداً)، عليّ أن لا أُكرم زيداً سواء كان عالماً أم كان غير عالم، وهذا من قبيل موت الأفراد، غاية الأمر: أنّ الموت انتفاء حقيقيّ للموضوع، وهنا ينتفي الموضوع بنفي الحكم تعبّداً من المولى، لكنّه يُشبهه من جهة أنّه ليس اقتطاعاً توصيفيّاً أو استثنائيّاً من نفس عنوان العامّ، بل بعنوان آخر، من قبيل الأعلام الشخصيّة.
لكنّ الإنصاف: أنّنا لا نشعر أنّ هناك فرقاً في هذا بين ما لو قال المولى: لا تكرم زيداً، باللّفظ، أو انعقد الإجماع على عدمه، أو عَلِمْنا من أيّ باب (لكن لا من دليل لفظيّ) أنّه لا يريد إكرام زيد، كما لو تصيّدنا ذلك من سلوكه مع زيد، فعلمْنا أنّه لا يريد إكرامه، مع أنّ زيداً من أهل العلم، فمن الواضح حينئذٍ أنّ المائز بالعنوان وعدم العنوان كبرويّاً جيّد وصحيح، لكنّه ليس تفصيلاً بين المخصّص اللّفظيّ والمخصّص اللّبّي؛ إذ هو غير مطّرد في الأوّل وغير منعكس في الثاني، كما هو واضح.
فقد يكون التخصيص اللّبّي بعنوان، كما لو علمْتُ بعد أن قال: (أكرم العلماء) أنّه لا يرضى بإكرام أعدائه، وكان في العلماء من هو من أعدائه، فهنا، المخصّص ليس لفظيّاً، لكنّ التخصيص يحمل عنواناً ومائزاً موضوعيّاً له علاقة بالعنوان الذي ذُكر، إمّا أخصّ منه كما في بعض الأمثلة، وإمّا النسبة هي العموم والخصوص من وجه، كما في هذا المثال.
وقد يُخرج المولى فرداً من الأفراد بغير عنوان، ونحن لا ندري لماذا أخرجه، ولا ندري أنّ إخراجه كان من باب التخصّص أو التخصيص، كما لو قال: (أكرم العلماء) وقال: (لا تكرم زيداً)، دون أن يبيّن لماذا لا يريد إكرامه.
هذا هو زبد المخض فيما أفاده الشيخ رحمه‌الله.
ولكن تبقى الكبرى التي أفادها في محلّها، ولكنّها في بعض مواردها، وعلى بعض تقاديرها، خارجة عن محلّ البحث أصلاً؛ لأنّ استثناء الفرد يكون من قبيل التخصّص، لا التخصيص، فحيث يقتطع المولى من دون عنوان، فقد يكون هذا من باب التخصّص، لا التخصيص.
هذا. لكنّ صاحب الكفاية رحمه‌الله، والذي زعم غير واحدٍ من المحقّقين أنّه يُعيد تقرير كلام الشيخ، قد أفاد مطلباً لم نستطع فهمه من كلام الشيخ، وهو لم ينسبه إلى الشيخ أساساً؛ إذ لم يربط المسألة كبرويّاً بما أفاده الشيخ من الاقتطاع بعنوان أو بغير عنوان، بل قال مباشرةً: إنّ المخصّص المنفصل في الشبهة المصداقيّة إمّا أن يكون لفظيّاً، وقد تقدّم الكلام فيه، وإمّا أن يكون لبّيّاً، واللّبّي إمّا من قبيل الارتكازات التي هي بحكم القرائن اللّفظيّة المتّصلة، أي: التي تقترن بظهور الكلام وإن لم تكن لفظاً نطق به المولى أو أفاده بكلامه، كما لو قال المولى: أكرم العلماء، وأنا أعلم بالبداهة من دين المولى أنّه لا يرضى بإكرام الكافرين ـ مثلاً ـ، فهذا بمثابة القرينة المتّصلة، فأفاد أنّ الكلام هنا في المخصّص اللّبّي المقترن بالكلام، والارتكازات دائماً من هذا القبيل، هو كالقرينة المتّصلة اللّفظيّة، في أنّ الظهور في المراد الجدّيّ لا ينعقد من الأوّل إلّا في غير ما أخرجه الارتكاز، قال: وإمّا أن يكون المخصّص اللّبّي منفصلاً، يعني: بيّن المولى (أكرم كلّ عالم)، وبعد مدّةٍ عرفت أنّه لا يرضى بإكرام أعدائه، من دون بيان لفظيّ، فهذا تخصيص بعنوان. (فتفصيل صاحب الكفاية أساساً هو في القسم الأوّل من القسمين اللّذين أفادهما الشيخ الأنصاريّ). أو قال: (أكرم جيراني) ثمّ عرفت بعد مدّة أنّه لا يرضى بإكرام الجار الذي بينه وبينه خصومة وعداوة، فأفاد الآخوند رحمه‌الله: أنّه لا يخلو الأمر في المصاديق في المخصّص اللّبّي من أن نجزم بأنّها مصاديق له، فهنا لا كلام في التخصيص؛ إذ المخصّص اللّبّيّ الذي يكشف عن المراد الجدّيّ للمولى يخصّص، بينما إذا التبس علينا الأمر في مصداقٍ أنّه من مصاديق من بينه وبين المولى عداوة، فحينئذٍ: قال بأنّنا هنا نتمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص اللّبّي المنفصل؛ لأنّ المولى لم يبيّن لنا سوى حجّة واحدة في المقام، لم يتصدّ إلّا لبيانٍ واحد، وهو العامّ، بينما هو في المخصّص اللّفظيّ قد تصدّى بنفسه لبيان التخصيص، وحيث إنّه لم يبيّن بياناً ثانياً ولم يتصدّ له، فإنّ العامّ يبقى حجّةً في كلّ موردٍ لم يَثبت فيه حجّيّة الخاصّ، ولو للاشتباه المصداقيّ. والشاهد على هذا ـ هو يقول ـ: أنّ شخصاً لو تخلّف عن إكرام جارٍ من جيران المولى عندما قال: أكرم جيراني، بحجّة أنّه قد يكون عدوّاً، أي: مصداقاً للمخصّص اللّبّي، فإنّ من حقّ المولى عند العقلاء أن يعاتبه ويعاقبه لأنّه تخلّف عن الحجّة الواضحة البيّنة التي تقول: أكرم جيراني، ولا يُقبل منه العذر؛ بأنّه علم بأنّه لا يرضى بإكرام أعدائه من الجيران، وهذا مشكوك أنّه من أعدائه؛ إذ من حقّ المولى أن يقول له: كيف تتخلّف عن حجّةٍ واضحة بحجّة احتمال أن يكون من أعدائي، والعكس صحيح، فلو أنّه ـ في مورد الاشتباه المصداقيّ ـ أكرمه، وبان أنّه من أعدائه، فمن حقّه أن يعتذر لدى مولاه، بأنّني أكرمته لأنّ لديّ حجّةً منك قالت: أكرم جيراني، وهذا من جيرانه، ولا يُعلم خروجه بمُخْرج، وإن علمنا بكبرى لبّيّة أفادت عدم وجوب أو عدم جواز إكرام أعدائك.
هذا حاصل كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله.
والنكتة الفنّيّة فيما أفاده رحمه‌الله أنّ الفارق بينهما ليس في جهة اللّبّيّة واللّفظيّة، بل في جهة أنّ المولى تصدّى للبيان في الأوّل، ولم يتصدّ للبيان في الثاني.
نحن من حقّنا أن نسأل صاحب الكفاية رحمه‌الله: بأنّه قال إنّ التخصيص في المخصّص اللّفظيّ إنّما يكون لأنّه يُوجب انحسار حجّيّة العامّ عن العنوان الذي ثبت بالتخصيص. فنسأل: بناءاً على كلامه، لماذا كان المخصّص اللّفظيّ يستوجب حجّيّة العامّ في بقيّة عناوينه إلّا في العنوان الذي اقتطع منه الخاصّ، أليس لأنّه كشف وبحجّةٍ أقوى، من باب القرينيّة أو الأظهريّة، كما يقول صاحب الكفاية رحمه‌الله، أنّ المراد الجدّيّ للمولى هو خصوص إكرام غير الأعداء، إذا بُيّن بلفظ، أم أنّ اللّفظ بما هو لفظ له موضوعيّة؟
والجواب: قطعاً لأنّ الألفاظ تكشف عن المقاصد والمرادات الجدّيّة، فنسأل: المخصّص اللّبّي الذي هو نظير المخصّص اللّفظيّ، كما لو علمْتُ بمذاق الشارع بنحو القرينة المنفصلة (النظريّة، التي لا تكون من قبيل الارتكازات؛ فإنّ الارتكازات هي في قوّة القرينة المتّصلة) أنّه لا يريد إكرام العدوّ من الجيران، فهذا، هل يبقى معه العامّ حجّة حتّى في العدوّ؟ قطعاً سيجيب صاحب الكفاية رحمه‌الله بأنّه تنحسر حجّيّته؛ بدليل أنّه في غير المصداق المشتبه، في المصداق الواضح أنّه من الأعداء، في المخصّص اللّبّي المنفصل قابلة للتخصيص، وإنّما خصّص اللّبّي المنفصل في المصاديق المعلومة لأنّ حجّيّة العامّ قد انحسرت، وهو أساساً لا يقول بتعنون العامّ بنقيض عنوان الخاصّ.
وبناءاً عليه نقول: هذا الفرد المشتبه مصداقاً للخاصّ يُشكّ في أنّه من الأعداء، وهذا يستوجب الشكّ في انطباق العامّ عليه الذي هو بعد التخصيص بالمخصّص اللّبّي المنفصل لم يعُد حجّةً فيمن كان من الأعداء، وهذا واضح لا يخفى على صاحب الكفاية رحمه‌الله.
فأظنّ أنّ القضيّة ما هي إلّا خيانة عبائر، بدليل أنّ هذا الكلام هو من الواضحات في القضايا الحقيقيّة، أو في القضايا الخارجيّة من القسم الأوّل، وهي القضايا الخارجيّة التي لا يكون المولى متصدّياً فيها لإحراز الموضوع في الأفراد بشكلٍ مباشر. ولعلّ من هذا القبيل (أكرم جيراني)، في الموالي العرفيّين، كما لو سافر شخص غاب فترةً وصار من الأثرياء، وبعد مدّةٍ أرسل لأخيه قائلاً: أكرم جيراني، دون أن يعلم من هم جيرانه تفصيلاً، لكنّ أخاه كان يعلم من مذاقه أنّه لا يعلم بإكرام من كان من عشيرة فلان، فهنا من الواضح في مثل هذه الحالة أنّ أخاه الذي يعلم يقيناً بذلك لا يريد إكرام هذا الذي هو من عشيرة فلان، وإن كان من الجيران، فإذا شكّ، فكذلك، الكلام هو الكلام.
فالعبرة ليست في كون القضيّة حقيقيّة أو خارجيّة، بل في كون القضيّة من القضايا التي تصدّى المولى لإحراز تواجد الملاك والمراد النهائيّ له فيها، فإذا كانت القضيّة من قبيل القضايا الحقيقيّة، كما في شرعنا وفقهنا، أو من القضايا الخارجيّة في هذا القسم الذي تحدّثنا عنه، فمن الواضح: أنّه لا يصحّ كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله، والكلام في المخصّص اللّبّي المنفصل هو الكلام في المخصّص اللّفظيّ.
نعم، في مورد القضيّة الخارجيّة من القسم الثاني، التي تصدّى المولى فيها لإحراز الموضوع، كما لو قال: أكرم كلّ جيراني، وهو يعرف من هم جيرانه تفصيلاً، أو صبّ حكمه على أفراد، لا على عنوان، لكن بواسطة عنوان لا موضوعيّة له، وهو العنوان المشير، كما لو أحرز أنّ في الغرفة زيداً وبكراً وعمراً وخالداً، فقال: أكرم كلّ من في الغرفة، فإنّ وجودهم في الغرفة ليس هو الموضوع ثبوتاً.
هنا، لو احتمل أنّ المولى لا يريد إكرام أحدٍ منهم لأنّه يُحتمل كونه من أعدائه، وهو لا يريد إكرام أعدائه. نعم، هنا يصحّ كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله، وأنّه ليس للعبد أن يتخلّف عن حكمٍ للمولى هو أحرز بنفسه انطباق مصاديقه، حتّى لو كان المولى غير معصوم أصلاً، وأخطأ في التطبيق، (في موارد الالتباس والشبهة)، فحينئذٍ: من الواضح جدّاً أنّه لا يستطيع بحجّة الالتباس عنده أن يتخلّف ما دام المولى قد نصّ، أو بحكمّ من نصّ، على الأفراد الذين أراد إكرامهم، وبالأخصّ في مثل العناوين المشيرة.
ولعلّ من هذا القبيل ما يُقال: لعن الله بني أميّة قاطبةً، على ما ورد في الروايات؛ إذ المعصوم% عندما قال هذه المقالة ـ بناءاً على ثبوت هذا اللّفظ ـ وهو ممّن يعلم ما يؤول إليه الأمر في أفرادهم، فلعلّ هذا من قبيل تشخيص أنّ أفراد بني أميّة لا يوجد فيهم المؤمن الحقيقيّ الذي لا يجوز لعنه، وإن تظاهر بعضهم بالإيمان ـ مثلاً ـ، أو أنّ انتسابهم إلى هذه العائلة يحمل مقتضىً أقوى بكثير على مستوى تنافي وتزاحم المقتضيات من كون واحدٍ منهم مؤمناً ـ مثلاً ـ، أو أنّ المولى يعلم أنّ إيمان مؤمنهم لا يخلو من شوب النفاق أو إبطان الكفر.
إذاً، فالمائز ليس في كون المخصّص لفظيّاً أو لبّيّاً، بل صار بحثاً في المصداق، لا في الكبريات والأدلّة، فهنا يصحّ كلام صاحب الكفاية رحمه‌الله، لا يستطيع أن يعتذر لمولاه إذا لم يُكرم واحداً من جيرانه، وقال: أكرم كلّ جيراني، وهو على معرفة بهم، بحجّة أنّه يحتمل أنّهم من الأعداء، فإنّ هذا ليس شغل المكلّف بعدما تصدّى المولى نفسه لتطبيق الموضوع، وقال: أكرمهم جميعهم.
ولعلّ هذا هو مراد صاحب الكفاية رحمه‌الله؛ لأنّه مثّل بمثال هو من قبيل القضيّة الخارجيّة، فـ أكرم جيراني، عادةً يعرف من هم جيرانه.
اللّهمّ إلّا في الموالي العرفيّين وغير المعصومين، وعلمْتُ في موردٍ أنّ جاراً من جيرانه عدوّ له، وهو قطعاً لا يريد إكرام أعداءه، لكنّ المولى لم يكن قد شخّص أنّه من أعدائه، فقال: أكرم كلّ جيراني، فهنا، ينبغي أن لا يُكرمه. وأمّا في حالات الاشتباه، فلا، وعليه أن يمتثل.
إذاً، القضيّة ليست في الفارق بين اللّفظيّ واللّبّي.
هذا غاية ما ينبغي أن يُقال في هذا البحث.
ونصرّ على أنّ مطلب الشيخ الأنصاريّ رحمه‌الله في جهة، ومطلب الشيخ الآخوند رحمه‌الله في جهة أُخرى.
وإنّما لم نفصّل في مطلب الشيخ الأنصاريّ رحمه‌الله مع أنّه يستحقّ التفصيل؛ لأنّنا لم نتصوّر له ثمرة عمليّة في الفقه؛ إذ يدور كلامه برمّته حول كشف الملاك وعدم كشف الملاك، ونحن لا شغل لنا في كشف ملاكات أحكام الشارع، ولا نستطيع أن نتحدّث عن الملاكات إلّا بقدر ما ينكشف من الألفاظ والأدلّة.
هذا تمام الكلام في المقام الثالث.
***

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo