< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ حسان سویدان

36/03/23

بسم الله الرحمن الرحیم

تعرّضنا تبعاً للماتن ره إلى أنّه يُشترط في التقصير أن لا يكون السفر سفر معصية. سواء كان في حدّ نفسه سفر معصية، كمشايعة السلطان، أو سفر الزوجة بغير إذن الزوج، أو سفر الولد عقوقاً للوالدين، حيث تكون نفس الحالة السفريّة معصية. أو كان مقدّمةً لمعصية، وإن لم يكن في حدّ نفسه معصية؛ إذ مقدّمة الحرام ليست حراماً إلّا حيث تكون مقدّمة توليديّة، وليس السفر منها في العادة.
وقد علّقنا على أصل الاصطلاح. وكان لا بدّ من التعرّض للأدلّة، لننظر أنّها هل تدلّ على هذا الشرط، وهل إذا وجدنا دليلاً يدلّ عليه فهو يدلّ عليه في الشقّين أم في شقّ واحد منهما؟
إذ أثار الشهيد الثاني ره زوبعةً بين المحقّقين عندما زعم في روض الجنان عدم وجود الدليل على هذه الشرطيّة فيما لو كان نفس السفر معصية. وأنّ الأدلّة إنّما تتناول ما كان مقدّمةً لمعصية. فلا بدّ من قراءة الروايات الواردة في الباب قبل التعرّض للفروع التي ذكروها في المقام.
هذا الروايات عقد لها الحرّ العامليّ ره في الوسائل الباب 8 من أبواب صلاة المسافر. وهي روايات:
الرواية الأُولى:
محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله ع قال: لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلّا في سبيل حق. ورواه الصدوق مرسلاً.[1]
وعلى قول المحدّث العامليّ (ورواه الصدوق مرسلاً) جرى المحقّقون. هذه الرواية في الكافي هي من مراسيل ابن أبي عمير، فالقول بحجّيّتها أو عدم حجّيّتها يتبع المبنى من حجّيّة أو عدم حجّيّة مراسيل ابن أبي عمير. لكنّ السيّد الخوئي ره أثار نكتةً في المقام حاول من خلالها إنكار ارتباط حجّيّة الرواية بهذا المبنى؛ إذ أفاد أنّ الرواية بنقل الصدوق ره ليست مرسلةً، وأنّها مسندة. ودفعاً للالتباس لا بأس بقراءة نصّ عبارته، فإنّه بعد أن نقل الرواية، قال: وهذه الرواية وإن رواها الكلينيّ عن ابن أبي عمير مرسلاً، ولا نعمل بالمراسيل، إلّا أنّ الصدوق! رواها في ذيل الرواية المتقدّمة، عن عمّار بن مروان، فهي جزء من تلك الصحيحة. ولكنّ صاحب الوسائل تخيّل أنّ الذيل من كلام الصدوق، فجعلها رواية مستقلّة مرسلة. وليس كذلك، بل هي تتمّة لما سبق. وجملة: وقال ع، من كلام عمّار بن مروان، لا من كلام الصدوق نفسه؛ إذ لم نعهد في مراسيله مثل هذا التعبير، ولو أراد ذلك، لعبّر هكذا: وقال الصادق ع (يريد أن يقول: إنّ الإضمار قرينة على أنّ كلمة (وقال ع) هي من كلام عمّار بن مروان، الذي هو من أصحاب الإمام الصادق ع، فالذي عطف (وقال ع) على رواية عمّار بن مروان التي هي قبلها في الفقيه، هو عمّار بن مروان، لا الصدوق، بقرينة الإضمار؛ إذ لو كان القائل هو الصدوق لقال: وقال الصادق ع، كما هي عادته)، أو: وقال رسول الله-، ونحو ذلك، كما عبّر بمثله في الرواية اللّاحقة. فالظاهر: أنّ الرواية ليست بمرسلة، بل مسندة بالسند الصحيح المتقدّم، كما عرفت، فتدبّر.
هذا السند الصحيح المتقدّم وفي الفقيه هو متأخّر هنا في الوسائل، وهو في الرواية الثالثة من الباب.
وأمّا أنّ هذا السند صحيح أو ليس بصحيح، فسيأتي.
يريد السيّد الخوئي ره أن يقول: إنّ مرسلة ابن أبي عمير في الكافي هي بعينها ذكرها عمّار بن مروان بعد روايته عن الصادق ع روايةً ثانية، فيكون سند روايته: (وقال ع) نفس سند الرواية الأُولى عن عمّار بن مروان، يعني أنّ الذين رووا عن عمّار بن مروان رووا عنه الرواية الأُولى والرواية الثانية، وهي (وقال ع).
لكنّ الإنصاف: أنّ من مارس علم الحديث فيما يرتبط بكتاب الفقيه يرى أنّ الشيخ الصدوق ره كثيراً ما لا يلتزم بما يلتزم به أصحاب كتب الحديث المتمحّضة للحديث، مثل الكافي والتهذيبين؛ إذ من لا يحضره الفقيه كتاب فقه وليس كتاب حديث، وإن كان في معظمه برواية الحديث. يعني: ألّف أبو زكريّا كتاب (طبيب من لا يحضره الطبيب)، جمع فيه قوانين الطبّ، لتكون في أيدي الراغبين، وصرّح الشيخ الصدوق ره في مقدّمة الكتاب أنّه بصدد تأليف كتابٍ على غراره في الفقه، ولذلك فقد ذكر أنّه لا يودِع فيه إلّا ما يُفتي به بينه وبين الله تعالى، سوى بعض الموارد القليلة التي صرّح فيها بأنّه لا يعمل بالرواية. وما دام نبّه على ذلك، فلا تثريب عليه.
لكنّ المحقّقين بعد ذلك انقسموا. فقسم ذكر أنّ الشيخ الصدوق ره لم يفِ بما وعد به. وقد فتح هذا باباً لدراسات كثيرة في من لا يحضره الفقيه، حتّى بات بعض المحقّقين يميّز بين المراسيل الجزميّة للشيخ الصدوق والمراسيل غير الجزميّة. وهناك أبحاث كثيرة جديدة في هذا المجال.
لكن من الظواهر البارزة في كتاب الفقيه أنّك تجد فيه روايات أُضيفت فيها عبائر، ونفس هذه الروايات موجودة في الكافي أو التهذيبين من دون هذه العبارة. وتجد في الفقيه ظاهرة المراسيل الكثيرة، والتفنّن في التعبير عن المراسيل الكثيرة، مرّة بلسان: قال الصادق ع، ومرّة: روي عن الصادق ع، ومرّة: نُقل عن الصادق ع.
والصحيح في محلّه: أنّ هذه مجرّد تفنّنات، وإلّا، فلم يَثبت لدينا أبداً أنّه تراجع عمّا بنى عليه في مقدّمة الكتاب، خصوصاً وأنّه يوجد في المقدّمة قرائن تدلّ على أنّه كتبها بعد تصنيف الكتاب، وهي قد كانت عادةً شائعةً عند أصحاب الكتب.
وعلى هذا الأساس، فما ذكره السيّد الخوئي ره من: وقال ع، يُحتمل بعيداً أن يكون من كلام عمّار بن مروان، وأن يكون السند إلى عمّار هو نفس السند إلى روايته الأصليّة التي سيأتي التعرّض لها. لكن يُحتمل في المقابل أن تكون من المراسيل التي لم يُذكر لها سند أصلاً. ومجرّد أنّه لم يصرّح مظهَراً باسم الصادق ع، فهذا له نظائر في الكتاب.
نعم، حيث كان النقل عن الصادق ع والمضمون واحداً والكلام عن مطلب واحد، فإنّه أضمر، فقال: وقال ع، ولو أنّه انتقل من مضمون إلى مضمون لكان الأقرب أن يصرّح بالإظهار، لا الإضمار، لكنّه حيث إنّه يفيد نفس النكتة فالرواية مرسلة.
لكن على مبنانا وعلى مبنى مشهور المحقّقين فهذا الإرسال؛ لصحّة دعوى ادّعاها الشيخ الطوسيّ ره في العدّة من حجّيّة مراسيل ابن أبي عمير وأضرابه الذين عُرفوا في الطائفة بأنّهم لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.
وهذا بحث طويل الذيل في محلّه، خلاصته: أنّنا بعد أن آمنّا بحجّيّة كلام الشيخ ره في مسانيد ابن أبي عمير، وجدنا أنّ النسبة المئويّة للضعفاء منهم بلحاظ عدد الروايات، لا الرواة (وهذا خطأ شائع)؛ إذ صحيح أنّ ابن أبي عمير يروي عن ستّة أو سبعة أشخاص وقع الخلاف فيهم أو ضُعّفوا من مجموع ثلاثمائة ـ مثلاً ـ، لكنّ أُولئك الثلاثمائة يروي عن بعضهم خمسة موارد أو عشرة أو عشرين مورداً، بينما لم يروِ عن هؤلاء الضعفاء أو المختلف فيهم إلّا مورداً واحداً فقط، فالنسبة المئويّة يجب أن تُستخرج بلحاظ عدد الروايات، لا عدد المرويّ عنهم؛ لأنّ أساس الشهادة: لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة، فكلّ مورد رواية هو شهادة. وإذا كان الأمر كذلك، فالنسبة المئويّة لا تتجاوز الربع بالمائة لعلّه، أو أقلّه، وبلحاظ أناس لم يَثبت ضعفهم بشكلٍ قطعيّ، أكثرهم مختلف في أنّهم ضعفاء أم لا.
من هنا، فهذا التسرّع في النقض، والذي جرى عليه السيّد الخوئي ره في مقدّمة علم الرجال ليست على ما ينبغي.
المهمّ هنا أنّنا في محلّه نبني على حجّيّة مراسيل ابن أبي عمير وأضرابه؛ لندرة الرواية عن ضعيف بما لا يتجاوز نسبة الربع أو الخُمس أو أقلّ بالمائة، ولعلّه الواحد بالألف. وعلى هذا الأساس، يكون هناك اطمئنان تامّ بأنّ بعض الأصحاب في الوسط هو من الثقات. (السيّد الخوئي ره في بعض الأبحاث الفقهيّة القديمة يقبل بذلك إذا نقل عن غير واحد، يقول: لأنّ اقتران الضعيفين بعيد غايته. ونفس الكلام نحن نقوله في الواحد أيضاً بعد الإحصاءات الدقيقة).
فهذه الرواية هي مرسلة ابن أبي عمير؛ لأنّه لم يَثبت أنّها رواية عمّار بن مروان، كما يقول السيّد الخوئي ره. وما ذهب إليه الشيخ الحرّ ره من جعلها من مراسيل الصدوق في محلّه. لكنّنا لا نعتمدها مرسلةً للصدوق ره؛ لأنّ الصدوق لم يذكر سنداً أبداً، بل نعتمدها مرسلة الكلينيّ ره.
هذه الرواية حاصرة؛ لوجود أداة الحصر فيها، ونحن نعلم من خارجٍ بالملازمة بين الإفطار وبين القصر.
وسواء قرأنا الرواية (سبيلٍ حقٍّ) أو (سبيلِ حقٍّ)، فإنّها شاملة لما لو كان مقدّمة لمعصية، أو لما لو كان في نفسه معصية. إذا قلنا: سبيلٍ حقّ، فواضح، وهي إلى نفس سفر المعصية أقرب منها إلى السفر الذي هو مقدّمة للمعصية، لكنّها تشمل الاثنين، وإذا قلنا: سبيلِ حقٍّ، فالسفر الذي هو معصية لا شكّ في أنّه ليس سبيل حقّ.
والقول ـ كما يشير إلى كلام صاحب المستمسك ره وربما غيره ـ أنّه ظاهر في أنّ (سبيلِ حقّ) بمعنى: سبيل إلى شيءٍ من الحقّ،فتتعدّى بمثل إلى وغيره، فلا تشمل الحديث عن نفس السبيل، بل عن المسبول إليه، خلاف الظاهر جدّاً.
وعلى هذا الأساس، فلا شكّ في أنّ سفر المعصية ليس سبيل حقّ.
الرواية الثانية:
لا ربط لها بمحلّ بحثنا، وإن زُجّ بها هنا، فلا نقرؤها.
الرواية الثالثة:
محمّد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيّوب، عن عمّار بن مروان، عن أبي عبد الله ع قال: سمعته يقول: من سافر قصّر وأفطر إلّا أن يكون رجلاً سفره إلى صيد أو في معصية الله أو رسولاً لمن يعصي الله أو فطلب عدوّ أو شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم من المسلمين. [2]
ورواه الكليني، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب.
ورواه الشيخ بإسناده عن محمّد بن يعقوب مثله.
طريق الشيخ الصدوق ره في المشيخة إلى الحسن بن محبوب صحيح.
وأبو أيّوب هو إبراهيم بن نعيم الخزّاز، من ثقات الطائفة.
لا كلام في السند إلى عمّار بن مروان.
وأمّا عمّار بن مروان، فالمذكور في كتاب الشيخ النجاشيّ وفهرست الشيخ ورجاله هو عمّار بن مروان مولى بني ثوبان اليشكريّين، ومن هنا اشتهر بـ عمّار بن مروان اليشكريّ. فهو ليس يشكريّاً، لكنّه مولىً لقومٍ يشكريّين.
وقد وثّق الشيخ النجاشيّ ره صريحاً عمّار بن مروان اليشكريّ هو وأخوه عمرو، لكنّ طريق الشيخ النجاشيّ إلى كتاب عمّار بن مروان اليشكريّ صحيح إلى محمّد بن سنان، ومحمّد بن سنان هو الراوي عن اليشكريّ، ونفس الحالة ـ مع اختلافات في بدايات السند ـ في فهرست الشيخ الطوسيّ، من هنا، كان طريق الشيخ الطوسيّ إليه ضعيفاً. لكنّ الذي يروي هنا هو أبو أيّوب الخزّاز.
روايات عمّار بن مروان ليست كثيرة في علم الحديث، ولم يُقيَّد في أيٍّ منها باليشكريّ، لكنّ هذا بمجرّده لا يسبّب أيّة مشكلة؛ فإنّ اليشكريّ من أصحاب الإمام الصادق ع، وهذا الراوي هنا يروي عنه ع.
وهذه المشكلة أثارها السيّد الخوئي ره بقوّة في خمس الحلال المختلط بالحرام، ولذلك بقي زماناً لا يقول بخمس الحلال المختلط بالحرام؛ لأنّه يتوقّف القول به على رواية عمّار بن مروان.
لكن الشيخ الصدوق ره في مشيخة من لا يحضره الفقيه ذكر الطريق إلى عمّار بن مروان الكلبيّ، وهم قبيلة عربيّة معروفة. وعمّار بن مروان الكلبيّ هذا ليس مذكوراً أصلاً في كتب الرجال. ولا هو في كامل الزيارات، ولا في تفسير القمّيّ.
من هنا، توقّف السيّد الخوئي ره في عمّار بن مروان هناك في خمس الحلال المختلط بالحرام؛ إذ لم يتّضح أنّ المراد هو الكلبيّ أو اليشكريّ.
وأمّا صاحب جامع الرواة، فهو لتسرّعٍ قديمٍ عنده، حَكَم باتّحاد الرجلين، بدعوى: أنّ الراوي في العادة عن عمّار بن مروان هو أبو أيّوب الخزّاز، وفي طريق المشيخة موجود. وكلاهما من أصحاب الصادق ع.
لكنّ هذا لا هو بيّن ولا مبيّن. ونحن لا نقول في تمييز المشتركات وتوحيد المختلفات بحجّيّة الظنّ المطلق، فلم يَثبت اتّحاد الكلبيّ مع اليشكريّ.
وفي هذه الروايات، وهي قليلة في الفقه، فيها عمّار بن مروان، وليس فيها تقييد بالكلبيّ، ولا باليشكريّ. فهل نسقطها جميعاً عن الحجّيّة أم لا؟
يظهر من صاحب الحدائق ره إذ عبّر بأنّ السند صحيح إلى عمّار بن مروان، أي: وموقوف من جهته، على مستوى الصحّة والضعف، وهذا تعبير مألوف في علم الحديث، ويُراد منه: صحيح إلى فلان، أي: لولا فلان لكان صحيحاً، فهو متّصف بالصحّة النسبيّة، لكنّ الصحّة النسبيّة لا قيمة لها، ولا تجعل دليل التعبّد بالسند شاملاً للسند.
وأمّا على ما بنينا عليه في الكبريات الرجاليّة، فنحن بالغنى عن هذا البحث كلّه؛ إذ الراوي لهذه الرواية هو الحسن بن محبوب، وهو من أصحاب الإجماع، وهم لا يروون ولا يُرسلون إلّا عن ثقة، ولو كان مع الواسطة. فعمّار بن مروان حيث يكون في السند الحسن بن محبوب فهو ثقة. لكن لا نستطيع أن نوثّق عمّار بن مروان الكلبيّ؛ إذ ليس معلوماً أنّه في هذه الرواية هو الكلبيّ، بل قد يكون هو اليشكريّ. وفي هذه الرواية، لو كان هو الكلبيّ، فهو ثقة، ولو كان هو اليشكريّ، فهو أيضاً ثقة. وهذا وإن كان لا يصحّح عمّار بن مروان إلّا في هذه الرواية، لكن في غالب رواياته وجدنا الحسن بن محبوب يروي عنه أيضاً.
السيّد الخوئي ره اضطرب كلامه في عمّار بن مروان بين معجم رجال حديثه وبين بحثه لهذه الرواية هنا في صلاة المسافر.
المشكلة في هذه الرواية أنّه في التهذيبين ورد (محمّد بن مروان)، وفي الكافي نقلوا أنّه ورد (محمّد بن مروان)، ومن هنا، آمن السيّد الخوئي ره في معجم رجال الحديث بوجود شخصٍ ثانٍ اسمه محمّد بن مروان، لكن في الوافي (وله قيمة في مثل هذه النسخ، حيث إنّ ميزة الوافي أساساً هي التحقيق في النسخ) ذكر اختلاف النسخ، ففي بعضها عمّار بن مروان، وفي بعضها محمّد بن مروان.
الفقيه الهمدانيّ في مصباح الفقيه قال: حمّاد بن مروان، ولا ندري من أين قال بها؟! إذ لا وجود لذلك في كتب الرجال. فهي من سهو القلم بلا شكّ.
من هنا، فإنّ نسخ الكافي مختلفة، كما أشار صاحب الوافي، (من الغريب أنّه لم يشر صاحب الوسائل إلى شيء من هذا)، فيبقى في المقام أنّه كيف نشخّص أنّ عمّار بن مروان هو اليشكريّ أو غيره، فقد ادُّعي أنّ عمّار بن مروان اليشكريّ صاحب كتاب، وهو المشهور والمعروف، بينما بين عمّار بن مروان الكلبيّ، ينقل عنه فقط الشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه.
وقد حاول السيّد الخوئي ره في المعجم أن يخطّئ الشيخ الصدوق ره، وأنّه محمّد بن مروان، لكنّ الشيخ الصدوق ذكر أنّه عمّار بن مروان، ثمّ تراجع عن هذا في بحثه هنا في هذه المسألة، من دون أن يشير إلى أنّه تراجع عمّا ذكره في معجم الرجال. وإنّما بنى على أنّه اليشكريّ؛ لأنّه الرجل الذي له كتاب، بينما ذاك لا كتاب له.
فنقول: إنّ الشيخين الطوسيّ والنجاشيّ رحمهم الله ذكرا أنّ السند إلى اليشكريّ يمرّ بمحمّد بن سنان، ولم نجد روايةً واحدة لعمّار بن مروان تمرّ عبر محمّد بن سنان. وعمّار بن مروان الكلبيّ الذي ذكره الشيخ الصدوق يمرّ السند عبر الخزّاز، فهذه قرينة معاكسة على أنّ المراد عمّار بن مروان الكلبيّ هذا. ولا ندري كيف غفل عن هذا السيّد الخوئي ره.
لكن يلزم من هذا حينئذٍ أن تكون الروايات كلّها لعمّار بن مروان الآخر. ويبعد أنّ الشيخين ترجما لصاحب كتاب، وذكرا كتابه، ولم يُخرجا عنه في كتب الرواية حتّى رواية واحدة.
ثمّ إنّ كون الطريق يمرّ عبر محمّد بن سنان لا يعني أنّه لا يوجد طريق آخر؛ لأنّ الشيخين لم يذكرا أنّهما يذكران جميع الطرق، بل يقتصران على طريق أو طريقين، كما صرّحا، فيمكن أن يكون هناك طريق لليشكريّ يمرّ عبر الخزّاز أيضاً. ولذلك نقول: هذه قرائن ظنّيّة، لا قطعيّة.
ثمّ ذكر كتاب لا يكفي؛ لأنّ إثبات شيءٍ لا ينفي ما عداه، فمن قال: إنّ ذاك لا كتاب له؟ غايته: أنّه لم يذكروا له كتاباً، فلا يمكن الجزم بالانصراف.
ومن هنا، فعلى غير مبنى أنّ أصحاب الإجماع إذا وقعوا في السند يُوثَّق من بعدهم لا يمكن تصحيح الرواية. والله العالم.
***

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo