< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

42/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الصيد والذباحة

 

القول: في الذباحة

 

مسألة (3): لا يجوز الذبح بغير الحديد مع الاختيار، فإن ذبح بغيره مع التمكّن منه لم يحلّ؛ و إن كان من المعادن المنطبعة كالصفر و النحاس و الذهب والفضّة وغيرها. نعم، لو لم يوجد الحديد وخيف فوت الذبيحة بتأخير ذبحها، أو اضطرّ إليه، جاز بكلّ ما يفري أعضاء الذبح؛ ولو كان قصباً أو ليطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غيرها. نعم، في وقوع الذّكاة بالسنّ و الظفر مع الضرورة إشكال؛ و إن كان عدم الوقوع بهما في حال اتّصالهما بالمحلّ لا يخلو من رجحان، والأحوط الاجتناب مع الانفصال أيضاً؛ و إن كان الوقوع لا يخلو من قرب[1] .

 

اشتراط الذبح بالحديد خاصًة:

لا اشكال ولا خلاف بين الفقهاء (اعلى الله مقامهم) قديمًا وحديثًا اشتراطهم أن تكون آلة الذبح من الحديد بمفهومه الخاص دون سواه من المعادن المنطبعة كالصفر والنحاس والذهب والفضة والقصدير وغيرها، وأما ما يسمى بالستانلس ستيل فإن كانت نسبة الحديد فيه غالبة على ما يمتزج به الستانلس (قصدير) فيحل الذبح به وذلك لاستهلاك الخليط بالحديد ولا يخرجه عرفًا عن كونه حديدًا. بخلاف ما لو كانت نسبة الحديد فيه غير غالبة على ممزوجه فلا يجوز عندئذ لعدم صدق الحديد عليه، وإنما يكون ذلك في حالة الاختيار.

ويدل عليه:

أولًا: الاجماع دون نكير من أحد منهم (رضوان الله عليهم).

ثانيًا: النصوص الصريحة والمعتبرة في المقام منها صحيح محمد بن مسلم:

-(محمد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أُذينة، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر (عليه‌ السلام) عن الذبيحة بالليطة وبالمروة؟ فقال: لا ذكاة إلاّ بحديدة)[2] .

وصحيح الحلبي:

-(عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، قال: سألته عن ذبيحة العود والحجر والقصبة؟، فقال: قال عليٌّ (عليه‌ السلام): لا يصلح إلاّ بالحديدة)[3] .

وحسنة سيف بن عميرة:

-(محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، أنّه قال: لا يؤكل ما لم يذبح بحديدة)[4] .

وموثق سماعة:

-(عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران، قال: سألته عن الذكاة؟ فقال: لا تذكِّ إلاّ بحديدة، نهى عن ذلك أمير المؤمنين (عليه‌ السلام))[5] .

ومع وضوح الدلالة وظهورها في النهي عن غير الحديد، فلا تحل الذبيحة بغير الحديد في حال الاختيار ومع الإمكان.

يجوز الذبح بغير الحديد عند الاضطرار

كما أنه قد اتفق الفقهاء (اعلى الله مقامهم) على جواز الذبح وحلية الذبيحة بغير الحديد عند الاضطرار، سواءٌ أكان ذلك لعدم وجود الحديد أصلًا، أم كان موجودًا وتعذر استعماله لفوت الوقت بموت الحيوان لتحصيل الحديد، أو لتقية من الظالمين، أو كان موجودًا ولكن الذابح أتلفه، أو ألقاه في البئر أو اليم مثلًا وذلك لشمول اطلاقات الأدلة على هذه الموارد والمصاديق كلها، مما سيأتي بعد قليل.

أما في صورة (عدم وجدانه) أصلًا وكذا في صورة (فوت الوقت وموت الحيوان لإدراك الحديد) فإطلاق الدليل اللفظي جار بلا منازع.

وأما في حالة التقية فالتمسك بإطلاق المقام كافٍ للحلية.

وأما في صورة الاضطرار بسوء الاختيار، فهذا مبني على أن التكاليف الاضطرارية تشمل ما إذا وجد الاضطرار بسوء الاختيار، وإن كان الاحوط خلافه.

وهذه الصورة الملحوظ فيها الحكم الوضعي لا التكليفي كما هو واضح.

وعليه فلو لم يوجد الحديد اصلًا أو وجد ولكنه تعذر استعماله لما تقدم أعلاه، جاز عندئذٍ الذبح بكل ما يفري أعضاء الذبح ولو كان قصبًا أو ليطة (قشر القصب) أو حجارة حادة أو زجاجة أو غيرها مما يفري الاوداج الأربعة، وذلك مضافًا إلى الاجماع النصوص الصحيحة المعتبرة في المقام منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:

-(محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا إبراهيم (عليه‌ السلام) عن المروة والقصبة والعود، يذبح بهنَّ الانسان إذا لم يجد سكّيناً؟ فقال: إذا فرى الأوداج، فلا بأس بذلك)[6] .

وصحيح عبد الله بن سنان:

-(عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، قال: لا بأس أن تأكل ما ذبح بحجر إذا لم تجد حديدة)[7] .

وصحيح زيد الشحام:

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن زيد الشحّام، قال: سألت أبا عبد الله (عليه‌ السلام) عن رجل لم يكن بحضرته سكّين، أيذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم، وخرج الدم، فلا بأس به)[8] .

وصحيح محمد بن مسلم:

-(عن محمّد بن يحيى، عن عبد الله بن محمّد، عن عليّ ابن الحكم، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام) في الذبيحة بغير حديدة، قال: إذا اضطررت إليها، فان لم تجد حديدة فاذبحها بحجر)[9] .

حكم الذبح بالسِّن والعظم عند الضرورة.

ذهب جمعٌ من الفقهاء (اعلى مقامهم) إلى عدم جواز الذبح بالسِّن والعظم ولو حين الاضطرار.

ويمكن الاستدلال على ذلك:

أولًا: بأصالة عدم التذكية.

ويرد عليه: بأن بعض الاخبار المتقدمة كصحيح زيد الشحام:

-(محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن زيد الشحّام، قال: سألت أبا عبد الله (عليه‌ السلام) عن رجل لم يكن بحضرته سكّين، أيذبح بقصبة؟ فقال: اذبح بالحجر وبالعظم وبالقصبة والعود إذا لم تصب الحديدة، إذا قطع الحلقوم، وخرج الدم، فلا بأس به)[10] .

يلغي جريان الأصل لأنه كما هو واضح بأنه في طول الدليل لا في عرضه.

ثانيًا: بالإجماع.

ويرد عليه: لا وجه للإجماع ههنا مع وجود المخالف بل هو أول الكلام خصوصًا أن المسألة اجتهادية.

ثالثًا: بما رُوي عن مولانا امير المؤمنين (عليه السلام):

-(عبد الله بن جعفر في (قرب الإِسناد) عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عليّ (عليه‌ السلام) أنّه كان يقول: لا بأس بذبيحة المروة والعود وأشباههما، ما خلا السنّ والعظم)[11] .

ويرد عليه:

أ – بإمكان حمل رواية الحسين بن علوان على كون العظم مما لا حدّة فيه فلا يقطع الأوداج، وعندئذٍ يُحمل صحيح الشحام على كونه قاطعًا للأوداج بخلاف رواية الحسين بن علوان فتحمل على كونه غير قاطع لها.

ب – يمكن حمل رواية بن علوان على الكراهة جمعًا بينها وبين صحيح الشحام.

بقي أن المناط واحد في العظم والسِّن لعدم الخصوصية في أحدهما دون الآخر وعليه فالأقوى جواز الذبح عند الاضطرار بأية وسيلة حادة غير الحديد كما تقدم بما فيها العظم والسِّن وإن كان الاحوط خلافه. والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo