< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

42/02/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الصيد والذباحة

 

القول: في الذباحة

 

والكلام في الذابح وآلة الذبح وكيفيته وبعض الأحكام المتعلّقة به في طيّ مسائل:

مسألة (1): يشترط في الذابح: أن يكون مسلماً أو بحكمه كالمتولّد منه، فلا تحلّ ذبيحة الكافر مشركاً كان أم غيره؛ حتّى الكتابي على الأقوى. ولا يشترط فيه الإيمان، فتحلّ ذبيحة جميع فرق الإسلام، عدا الناصب وإن أظهر الإسلام.[1]

 

تابع مسالة (1): وقوله (قده): (حتى الكتابي على الأقوى).

تقدم قبل قليل الكلام في قضية ذبيحة الكتابي والشهرة العظيمة بل الاجماع على حرمة ذبائحهم وذكرنا بعض النصوص عل ذلك ونضيف ههنا البعض منها:

-(محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين الأحمسي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال له رجل: أصلحك الله، إنّ لنا جاراً قصّاباً، فيجيء بيهوديّ، فيذبح له حتىٰ يشتري منه اليهود، فقال: لا تأكل من ذبيحته، ولا تشترِ منه)[2] .

-(عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي المغرا حميد بن المثنّى، عن العبد الصالح (عليه السلام)، أنّه سأله عن ذبيحة اليهوديّ والنصراني؟ فقال: لا تقربوها)[3] . وغيرها.

وأما ما يمكن الاستدلال به على حلية ذبائح أهل الكتاب كما ذهب إليه الاسكافي من المتقدمين والشهيد الثاني ومن تبعه من المتأخرين فهو بعض الروايات المختلفة اختلافًا كبيرًا في مضمونها ودلالتها فبعضها قاصر السند وموافق للعامة ومخالف لما عليه مشهور فقهائنا (اعلى الله مقامهم) بالإضافة إلى معارضتها بما هو أرجح منها فلا يمكن الاعتماد عليها. ومنها:

-(عن الصفّار، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن يونس بن بهمن، قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): أهدى إليَّ قرابة لي نصراني دجاجاً وفراخاً قد شواها، وعمل لي فالوذجة، فآكله؟ فقال: لا بأس به)[4] .

-(عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن سعد بن اسماعيل، عن أبيه إسماعيل بن عيسى، قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن ذبائح اليهود والنصارى وطعامهم؟ فقال: نعم)[5] . وغيرها.

وبعضها يعلّق حلية ذبائح أهل الكتاب على التسمية وهي محرّمة عن لم يسمّوا عليها أو لم يخبرهم المسلم بالتسمية، أو كان المسلم غائبًا عن مشهد الذبح ولم يعلم ما إذا سمّوا عليها أو، لا وغير ذلك، وبعضها يذكر أن ذكرهم للمسيح عليها فإنما يراد به الله. ومنها:

-(عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، عن حمران، قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في ذبيحة الناصب واليهوديّ والنصراني: لا تأكل ذبيحته، حتى تسمعه يذكر اسم الله، فقلت: المجوسيّ؟ فقال: نعم، إذا سمعته يذكر اسم الله، أما سمعت قول الله: (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ))[6] . وغيرها.

-(عن فضالة بن أيّوب، عن القاسم بن بريد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: كل ذبيحة المشرك إذا ذكر اسم الله عليها، وأنت تسمع، ولا تأكل ذبيحة نصارى العرب)[7] .

-(عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل، ومحمد بن حمران، أنّهما سألا أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذبائح اليهود والنصارى والمجوس، فقال: كل، فقال بعضهم: إنّهم لا يسمّون، فقال: فإن حضرتموهم فلم يسمّوا فلا تأكلوا، وقال: إذا غاب فكل. )[8] .

-(عن الحسن، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن محمد الحلبي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذبيحة أهل الكتاب ونسائهم؟ فقال: لا بأس به. )[9] .

-(عن القاسم بن محمد، عن جميل بن صالح، عن عبد الملك بن عمرو، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في ذبائح النصارى؟ فقال: لا بأس بها، قلت: فإنّهم يذكرون عليها المسيح، فقال: إنّما أرادوا بالمسيح الله. )[10] .

-(عن حمّاد بن عيسى، عن حريز، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وعن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام)، أنّهما قالا في ذبائح أهل الكتاب: فإذا شهدتموهم وقد سمّوا اسم الله فكلوا ذبائحهم، وإن لم تشهدوهم فلا تأكلوا، وإن أتاك رجل مسلم، فأخبرك أنّهم سمّوا فكل)[11] .

ولكن يمكن الرد على ذلك:

أولًا: لمعارضتها للأخبار الأكثر عددًا والاشهر عملًا وهو ما عليه سيرة المؤمنين قديمًا وحديثًا. منها معتبرة زيد الشحام:

-(عن عمرو بن عثمان، عن مفضّل بن صالح عن زيد الشحّام، قال: سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن ذبيحة الذمّي؟ فقال: لا تأكله إن سمّى وإن لم يسمِّ)[12] . وغيرها مما تقدم.

ثانيًا: لموافقتها للعامة ومخالفتها لما عليه الاصحاب قديمًا وحديثًا.

ثالثًا: لمخالفتها لما عليه الاصحاب من أصالة عدم التذكية.

رابعًا: لإمكان حملها على التقية خصوصًا أن أهل الكتاب كانوا يتصدّون لعمل الذباحة في بعض الازمان من حكومة بني العباس بإشراف السلطات الحاكمة يومذاك.

ومن الروايات التي يتضح من خلالها الإشارة إلى التقية بل يمكن القطع بخروجها مخرجها ومنها:

-(عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن بشير، عن (ابن أبي عقيلة) الحسن بن أيّوب، عن داود بن كثير الرقي، عن بشير بن أبي غيلان الشيباني، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذبائح اليهود والنصارى والنصّاب؟ قال: فلوى شدقه، وقال: كلها إلى يوم ما)[13] .

-(عن النضر بن سويد، عن شعيب العقرقوفي، قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام)، ومعنا أبو بصير، وأُناس من أهل الجبل، يسألونه عن ذبائح أهل الكتاب، فقال لهم أبو عبد الله (عليه السلام): قد سمعتم ما قال الله عزّ وجلّ في كتابه، فقالوا له: نحبّ أن تخبرنا، فقال: لا تأكلوها، فلمّا خرجنا، قال أبو بصير: كلها في عنقي ما فيها، فقد سمعته وسمعت أباه جميعاً يأمران بأكلها، فرجعنا إليه، فقال لي أبو بصير: سله، فقلت له: جعلت فداك، ما تقول في ذبائح أهل الكتاب، فقال: أليس قد شهدتنا بالغداة وسمعت؟ قلت: بلى، فقال: لا تأكلها)[14] .

-(عن غير واحد، عن أبي المغرا، عن الحلبي، وعن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألته عن ذبيحة المرجئ والحروريّ؟ فقال: كل وقرّ واستقرّ، حتّى يكون ما يكون)[15] .

خامسًا: لإمكان حملها على حالة الضرورة، كما في قول مولانا الرضا (عليه السلام): وعنه، عن أحمد بن حمزة، عن زكريّا بن آدم، قال: قال أبو الحسن (عليه السلام): إنّي أنهاك عن ذبيحة كلّ من كان على خلاف الذي أنت عليه وأصحابك إلاّ في وقت الضرورة إليه)[16] .

هذا مضافًا إلى الروايات التي تتحدث عن حلية ذبائح المرأة إذا كانت مسلمة ومنها:

-(عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ أنّه سئل عن ذبيحة المرأة؟ فقال: إذا كانت مسلمة فذكرت اسم الله عليها )[17] .

-(عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذبيحة الغلام والمرأة، هل تؤكل؟ فقال: إذا كانت المرأة مسلمة، فذكرت اسم الله على ذبيحتها حلّت ذبيحتها، وكذلك الغلام إذا قوي على الذبيحة، فذكر اسم الله، وذلك إذا خيف فوت الذبيحة، ولم يوجد من يذبح غيرهما.)[18] .

محمد بن مسعود العياشي في (تفسيره) عن ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سألت عن ذبيحة المرأة والغلام، هل تؤكل؟ قال: نعم إذا كانت المرأة مسلمة، وذكرت اسم الله حلت ذبيحتها، وإذا كان الغلام قويّاً على الذبح، وذكر اسم الله حلّت ذبيحته، وإذا كان الرجل مسلماً، فنسي أن يسمّي فلا بأس بأكله إذا لم تتّهمه)[19] .

هذا ولولا خوفنا من الاطناب والوقوع في الحشو الزائد لتوسعنا فيما زاد عمّا ذكرنا ونسأل الله تعالى الرشد والسداد في القول والعمل والحمد لله رب العالمين.

وقوله (قده): (ولا يشترط فيه الايمان فتحل ذبيحة جميع فرق الإسلام عدا الناصب وإن أظهر الإسلام)

وذلك لإطلاق قوله تعالى: (فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ)[20]

ولجملة من الروايات تقدم بعضها ومنها:

-(عن سهل ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن سنان عن إسماعيل بن جابر ، وعبد الله بن طلحة ، قال ابن سنان : قال إسماعيل بن جابر : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تأكل من ذبائح اليهود والنصارى ، ولا تأكل في آنيتهم)[21] .

(عن ابن سنان، عن قتيبة الأعشى، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذبائح اليهود والنصارى، فقال: الذبيحة اسم، ولا يؤمن على الاسم إلاّ مسلم)[22] . وأيضًا:

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن (الحسن، عن يوسف بن عقيل) عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): ذبيحة من دان بكلمة الإِسلام وصام وصلّى لكم حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليه)[23] . وغيرها.

ولما تقدم من اخبار قاعدة (سوق المسلمين).

وأما الناصب فقد تقدم الكلام عن حرمة ذبائحه أول المسألة ومنها:

-(عن النضر بن سويد، عن زرعة، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ذبيحة الناصب لا تحل)[24] .

-(عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن حمزة، عن محمد بن عليّ، عن يونس بن يعقوب، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري اللحم من السوق، وعنده من يذبح، ويبيع من إخوانه، فيتعمد الشراء من النصاب؟ فقال أيّ شيء تسألني أن أقول؟! ما يأكل إلاّ مثل الميتة والدم ولحم الخنزير، قلت: سبحان الله مثل الدم والميتة ولحم الخنزير؟! فقال: نعم، وأعظم عند الله من ذلك، ثمَّ قال: إنَّ هذا في قلبه على المؤمنين مرض)[25] .

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo