< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

41/06/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الصيد والذباحة

القول: في الصيد

مسألة (27): لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك، فكلّ ما وقع واحتبس فيهما ملكه، فإن اخرج ما فيهما من الماء حيّاً حلّ بلا إشكال، وكذا لو نضب الماء وغار- ولو بسبب جزره- فمات فيهما بعد نضوبه. وأمّا لو مات في الماء فهل هو حلال أم لا؟ قولان أشهرهما وأحوطهما الثاني، بل لا يخلو من قوّة، ولو أخرج الشبكة من الماء، فوجد بعض ما فيها أو كلّه ميّتاً، ولم يدر أنّه قد مات في الماء أو بعد خروجه، فالأحوط الاجتناب عنه[1] .

 

المسألة لها صورتان:

الصورة الأولى: لو نصب شبكة أو صنع حظيرة في الماء لاصطياد السمك، فإن كل ما وقع واحتسب في الشبكة والحظيرة هو ملكه ويحل أكله فيما لو اخرجه من الماء حيًا.

فأما ملكه: لأجل كونه قد حاز على المباحات الأولية فيملكها.

وأما الحلية: فلما تقدم من الاجماع والروايات على الحلية في المفروض، وهو اخراج السمك من الماء حيًا.

الصورة الثانية: لو ماتت في الماء، وكذا لو اخرج الشبكة فوجد بعض ما فيه من السمك أو كله ميتًا ولم يدر أنه قد مات في الماء أو بعد خروجه.

وقد ذهب سيدنا الماتن (قده) إلى أقوائية الحكم بحرمة السمك في حالة العلم بموتها في الشبكة والحظيرة واحتاط بالاجتناب فيما لو شك في موتها داخل الماء أو بعد خروجها منه.

وهذان الوجهان من جهة الاستدلال عليهما إثباتًا ونفيًا –بمثابة الامر الواحد لجهة ما اختلف فيه الفقهاء– (اعلى الله مقامهم).

نعم يمكن أن يستدل بأصالة الاستصحاب على الوجه الثاني (الشك في موت السمك داخل الماء في الشبكة أو خارجه)، فقد يقال بجريان أصل استصحاب بقاء الحياة إلى ما بعد الخروج من الماء وحينئذ يقال بالحلية لوقوع الموت خارج الماء، اللّهم إلا أن يُراد بجريان نفس الأصل إثبات أن الموت وقع بعد الخروج من الماء فيكون عندئذ من الأصل المثبت وهو لا يثبت حكمًا شرعيًا.

وعلى أي حال، فقد ذهب المشهور إلى الحرمة وخصوصًا في الصورة الاولى (فيما لو مات في الماء) واحتاطوا في الصورة الثانية (عند الشك في موته في الماء أو بعد خروجه منه).

ويمكن الاستدلال على ذلك بروايات بعضها صحيح منها صحيحة أبي أيّوب:

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن أبي أيّوب، أنّه سأل أبا عبد الله (عليه‌ السلام) عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط، وأرسلها في الماء، فماتت أتؤكل؟ فقال: لا)[2] .

وصحيحة عبد الرحمن بن سيّابة:

-(عن القاسم بن محمّد، وفضالة جميعاً، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سيّابة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه‌ السلام) عن السمك يصاد، ثمَّ يجعل في شيء، ثمَّ يعاد في الماء، فيموت فيه؟ فقال: لا تأكله ؛ لأنّه مات في الذي فيه حياته)[3] .

ومعتبرة ابن مسكان:

-(محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن عليّ ابن النعمان، عن ابن مسكان، عن (عبد المؤمن) ، قال: أمرت رجلاً أن يسأل لي أبا عبد الله (عليه‌ السلام)، عن رجل صاد سمكاً وهنَّ أحياء، ثمَّ أخرجهنّ بعدما مات بعضهنّ، فقال ما مات فلا تأكله، فانّه مات فيما كان فيه حياته)[4] .

ولكن يرد على ذلك، أن هذه النصوص ناظرة إلى إعادة السمك إلى الماء بعدما صِيدَ أو أُخرج منه، كما هو واضح من دلالتها.

بقي أنه لو قيل بكون النصوص هذه معللة ب (لأنه مات في الذي فيه حياته) فتقدم على غيرها من الروايات عند التعارض فيمكن الإجابة على ذلك:

أولًا: بعدم ثبوت كون التعليل من المرجحات لعدم ثبوته لا بدليل نقلي ولا عقلي.

ثانيًا: فإنه على افتراضه فمن قال بالحلية كما سيأتي نجد بأنه اعتمد على روايات معللة أيضًا فلا بد من حمل الروايات القائلة بالحرمة على ما تقدم منها (كصحيحتي) ابي أيوب وعبد الرحمن بن سيّابه.

وأما القول بالحلية فهو الأقوى وذلك للنصوص العديدة وبعضها صحيح وهي صريحة في المقام ومنها صحيح محمد بن مسلم:

-(عن فضالة، عن القاسم بن بريد، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر، (عليه‌ السلام) في رجل نصب شبكة في الماء، ثمَّ رجع إلى بيته، وتركها منصوبة، فأتاها بعد ذلك وقد وقع فيها سمك فيموتنَّ، فقال: ما عملت يده فلا بأس بأكل ما وقع فيها)[5] .

وصحيحة الحلبي:

-(عن ابن أبي عمير، عن حمّاد بن عثمان، عن الحلبي، قال: سألته عن الحظيرة من القصب تجعل في الماء للحيتان، فيدخل فيها الحيتان، فيموت بعضها فيها؟ فقال لا بأس به، إنَّ تلك الحظيرة إنّما جعلت ليصاد بها)[6] .

وصحيحة عبد الله بن سنان:

-(محمد بن عليّ بن الحسين بإسناده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، قال: سألته عن الحضيرة من القصب تجعل للحيتان في الماء، فيدخلها الحيتان، فيموت بعضها فيها؟ قال: لا بأس)[7] .

وأيضًا معتبرة مسعدة بن صدقة:

-(عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام)، قال: سمعت أبي (عليه‌ السلام) يقول: إذا ضرب صاحب الشبكة بالشبكة، فما أصاب فيها من حيّ أو ميّت فهو حلال، ما خلا ما ليس له قشر ولا يؤكل الطافي من السمك)[8] .

وصحيحة عليّ بن جعفر:

-(عبد الله بن جعفر في (قرب الإِسناد) عن عبد الله بن الحسن، عن جدّه عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن الصيد نحبسه، فيموت في مصيدته، أيحلُّ أكله؟ قال: إذا كان محبوساً فكله، فلا بأس)[9] .

ولا وجه للتعارض بين الطائفتين من النصوص، بعد حمل الطائفة الأولى على ما تقدم، فتبقى الطائفة الثانية دون معارض، ولا أقل فهي اقوى سندًا وأوضح دلالة. وعليه فلا يجب الاحتياط كما في المتن إلا أنه حسن على كل حال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo