< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

41/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الصيد والذباحة

القول: في الصيد

(مسألة 19): لو رماه فجرحه لكن لم يخرج عن الامتناع، فدخل داراً فأخذه صاحبها ملكه بأخذه، لا بدخول الدار، كما أنّه لو رماه ولم يثبته فرماه شخص آخر فأثبته فهو للثاني[1] .

 

في المسألة صورتان من صور عدم تحقق الاستيلاء وبالتالي عدم تحقق الملكية، وذلك لعدم تحقق الملكية بمجرد الرمي ما لم يستولي عليه فعلًا بأحد وجوه الاستيلاء ولو لتصييره غير ممتنع مثلًا.

نعم في الصورة الأولى فإن صاحب الدار يملك الحيوان بأخذه لا بدخول الدار، اللهم إلا إذا فتح له الباب ليدخل فيتملكه بذلك.

 

(مسألة 20): لو أطلق الصائد صيده، فإن لم يقصد الإعراض عنه لم يخرج عن ملكه، ولا يملكه غيره باصطياده، وإن قصد الإعراض وزوال ملكه عنه فالظاهر أنّه يصير كالمباح، جاز اصطياده لغيره ويملكه، وليس للأوّل الرجوع إليه بعد تملّكه على الأقوى[2] .

 

لو أطلق الصائد صيده من يده، تارة يكون منه الاعراض عنه، وأخرى لا يقصد منه الاعراض عنه.

ومما لا ينبغي الخلاف فيه هو ترتيب الآثار الشرعية على كلٍ من القصدين، إذ ليس كل إلقاء شيء من يد المالك يدل على التخلي والاستغناء عنه وعليه فمع الشك، لا إشكال في استصحاب الملكية وبالتالي فلا إشكال في جريان أصالة عدم حدوث الملكية بالنسبة إلى الآخر الآخذ لما قد ألقاه غيرُه. اللهم إلا أن تقوم أمارة معتبرة في البين تدل على إعراضه ممّا قد ألقاه من يده واستغنى عنه. فيجوز لأي أحد أن يتملكه بعد ذلك.

هذا ولكن مسألة الاعراض عن الشيء وعدمه، تختلف كثيرًا باختلاف الأشخاص والاحوال والازمنة والامكنة أيضًا وكل ذلك ناتج عن اختلاف الطبائع والعادات والامزجة التي من خلالها يمكن تحديد المراد عن الاعراض في المقام.

كما ويمكن أن يكون الاعراض عن الشيء تارة اختياري وتارة قهري اضطراري.

ولا اشكال في سقوط ملكيته عمّا تخلى عنه بقصده واختياره لكونه أحد وجوه إباحته للآخرين، كما يرمي الانسان ما اصطاده بامارة بينة معتبرة أنه قد أعرض عنه وترك للآخرين وعمومًا كما يلقي الناس بعض متاعهم المستعملة المستغنى عنها في الشارع أو القمامة مثلًا خصوصًا البالية منها أو الحقيرة من الأشياء.

وهذا بخلاف ما لو ألقاه اضطرارًا أو أخذه منه الظالم الغاشم قهرًا، أو وقع في بئر يصعب تحصيله والظفر به، فإنه قد يستشكل في البناء على اعراضه عنه واباحته للآخرين لما تقدم، من استصحاب بقائه على ملكيته له. وأصالة عدم حدوث الملكية للآخرين.

ولكن هذا النوع من الاعراض القهري الاضطراري تارة تقوم الامارة المعتبرة أنه تخلى عنه واعرض فعلًا عن السعي لتحصيله والظفر به كما لو حصل لديه حالة اليأس من النيل به.

وتارة يبقى على امله من تحصيله والفوز به.

وإن كان اطلاق بعض الروايات يشمل الأمرين معًا كما في صحيحة عبد الله بن سنان:

-(عن عدَّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، وسهل بن زياد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من أصاب مالاً أو بعيراً في فلاة من الأرض، قد كلت وقامت، (وسيّبها صاحبها مما لم يتبعه)، فأخذها غيره، فأقام عليها، وأنفق نفقته حتّى أحياها من الكلال ومن الموت، فهي له، ولا سبيل له عليها، وإنّما هي مثل الشيء المباح)[3] .

وأيضًا صحيح ابن مسلم:

-(محمد بن يعقوب، عن عليّ، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها، فالذي وجد المال أحقّ به)[4] .

وأيضًا موثقة السكوني:

-(محمد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ـ في حديث ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، قال: وإذا غرقت السفينة وما فيها، فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله، وهم أحقّ به، وما غاص عليه الناس وتركه صاحبه فهو لهم)[5] .

وأيضًا صحيح معاوية بن عمار:

ـ(عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سأل رجل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن الشاة الضالة بالفلاة، فقال للسائل: هي لك، أو لأخيك، أو للذئب، قال: وما اُحبّ أن أمسّها، وسئل عن البعير الضالّ، فقال للسائل: مالك وله، خفّه حذاؤه ، وكرشه سقاؤه، خلّ عنه)[6] .

وعليه فلا يحق للأول الرجوع إلى الثاني بعد تملكه. هذا مضافًا إلى ما عليه السيرة. ولكن المسألة لا تخلو من اشكال في بعض مواردها مما تقدم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo