< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

40/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:في كيفية الاستيفاء.

مسألة 20: هل يجوز للورثة استيفاء القصاص للمديون من دون ضمان الدية للغرماء؟ فيه قولان، والأحوط عدم الإستيفاء إلّابعد الضمان، بل الأحوط مع هبة الأولياء دمه للقاتل ضمان الدية للغرماء[1] .

 

هذه المسألة لعلها من أكثر المسائل الخلافية بين العلماء (أعلى الله مقامهم). فمنهم من ذهب إلى أنه يجوز للورثة إستيفاء القصاص للمديون من دون الضمان للغرماء أو قبل الضمان.

وقد تبنّاه ابن ادريس وصرّح به وادعى عليه الإجماع وتبعه على ذلك أكثر من تأخّر عنه، وقال المحقق (قده) في الشرائع بأنه أولى.

وقال صاحب الجواهر (قده): بل أصح[2] .

ويمكن الاستدلال على ذلك:

أولًا: بالأصل وتقريبه أن مقتضى أصالة البراءة عن الضمان جواز إستيفاء القصاص للمديون من دون ضمان الدية للغرماء ولكنه يرد عليه: أن أصل ثبوت ولاية أولياء الدم من دون الضمان محل شك، وبالتالي فلا ولاية من دون ضمان، وعليه فيقدّم هذا على أصالة البراءة.

ثانيًا: التمسك بعمومات ولاية أولياء الدم من الكتاب:(فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً)[3] .

والسنةكصحيحة إبن سنان:

-(محمد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، وعن عبدالله بن المغيرة، والنضر بن سويد جميعا، عن عبدالله بن سنان، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه‌ السلام) يقول: من قتل مؤمنا متعمدا قيد منه إلا ان يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية، فان رضوا بالدية وأحب ذلك القاتل فالدية)[4] .

وصحيحة عبد الله بن سنان الثانية:

-(محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ـ جميعا ـ عن ابن محبوب، عن عبدالله بن سنان، وابن بكير ـ جميعا ـ عن أبي عبدالله (عليه‌ السلام)، قال: سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا، ـ إلى أن قال: ـ فقال: إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول، فأقر عندهم بقتل صاحبه، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية، وأعتق نسمة، وصام شهرين متتابعين، وأطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عزّ وجلّ)[5] .

وغير ذلك من الروايات.

وعليه فيجوز للورثة الإستيفاء من دون الضمان.

ويرد عليه:أن هذه العمومات قاصرةُ عن الشمول للمقام وذلك لعدم صحة التمسك بها بعد الشك في شرعية ولاية الأولياء من دون ضمان الديون للغرماء،وعليه فلا وجه لما ذهب إليه إبن إدريس ومن تبعه على ذلك إذا كان هذا هو المدرك والمستند لما اختاروه من جواز الإستيفاء من دون ضمان.

ومنهم من ذهب إلى عدم جواز الإستيفاء قبل ضمان ما عليه من الديون،وهو مختار الشيخ (قده) في نهايته،وهو المحكي عن ابي الصلاح وابن زهرة وغيرهم،ونسب الشهيد (قده) في دروسه ذلك إلى المشهور. وادعى ابن زهرة (قده) الإجماع عليه.

ويمكن الاستدلال على هذا الرأي ما رواه ابو بصير عن مولانا الصادق (عليه السلام):

-(عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن أسلم الجبلي، عن يونس بن عبد الرحمن، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله (عليه‌ السلام) عن الرجل يُقتل وعليه دين وليس له مال، فهل لاوليائه أن يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال: ان أصحاب الدين هم الخصماء للقاتل، فان وهبوا أولياؤه دية القاتل فجائز، وإن أرادوا القود فليس لهم ذلك حتى يضمنوا الدين للغرماء وإلا فلا).[6]

وأوردوا عليها،أولًا: بكونها ضعيفة بمحمد بن اسلم الجبلي.

وثانيًا: بموافقتها للعامة.

وبالتالي تسقط عن الاعتبار ويكون الرأي الاوّل هو الاوفق بالاعتبار ولكن الاول مردود بكون الرواية معتبرة سندًا وقد ذكرها القدماء واعتمدوا عليها واخذوا بها ومنهم الشيخ (قده) ومن ذكرناهم اعلاه.

ويُرد الثاني بأنه ليس كل ماوافق العامة فهو مردود ومطروح وإنما هناك بعض الموارد الخاصة والمقام ليس منها.

هذا ويشهد للرأي الثاني بل يؤيده ما رواه أيضًا:

-(محمد بن الحسن بإسناده عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير ـ يعني: المرادي ـ قال: سألت أبا عبدالله (عليه‌ السلام) عن رجل قتل وعليه دين وليس له مال فهل لاوليائه ان يهبوا دمه لقاتله وعليه دين؟ فقال: إن أصحاب الدين هم الخصماءللقاتل، فان وهب أولياؤه دمه للقاتل ضمنوا الدية للغرماء، وإلا فلا)[7] .

-(عن علي بن أبي حمزة، عن أبي الحسن موسى (عليه‌ السلام) قال: قلت له: جعلت فداك، رجل قتل رجلا متعمدا أو خطأ وعليه دين و (ليس له) مال وأراد أولياؤه أن يهبوا دمه للقاتل؟ قال: إن وهبوا دمه ضمنوا ديته، فقلت: إن هم أرادوا قتله؟ قال: إن قتل عمدا قتل قاتله وأدى عنه الامام الدين من سهم الغارمين، قلت: فانه قتل عمدا وصالح أولياؤه قاتله على الدية، فعلى من الدين؟ على أوليائه من الدية؟ أو على إمام المسلمين فقال: بل يؤدوا دينه من ديته التي صالحوا عليها أولياؤه، فانه أحق بديته من غيره)[8] .

ومع ذلك فقد احتاط سيدنا الماتن (قده)،وربما لأجل ادعاء ابن ادريس وغيره للإجماع على جواز الإستيفاء من دون الضمان.

ولكن دعوى الإجماع هذه موهونة بدعوى الإجماع على الخلاف من صاحب الغنية وغيره.

وتقدم ردّ الاستدلال على الجواز بالأصل والعمومات وليس عندهم أي دليل آخر غير ذلك كما ترى. والله العالم بحقيقة الحال.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo