< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

40/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص، الثالث القسامة.

الثالث القسامة: والبحث فيها في مقاصد:

الأول في اللوث والمراد به أمارة ظنية قامت عند الحاكم على صدق المدعي كالشاهد الواحد أو الشاهدين مع عدم استجماع شرائط القبول، وكذا لو وجد متشحطا بدمه وعنده ذو سلاح عليه الدم أو وجد كذلك في دار قوم أو في محلة منفردة عن البلد لا يدخل فيها غير أهلها أو في صف قتال مقابل الخصم بعد المراماة، وبالجملة كل أمارة ظنية عند الحاكم توجب اللوث، من غير فرق بين الأسباب المفيدة للظن، فيحصل اللوث باخبار الصبي المميز المعتمد عليه، والفاسق الموثوق به في إخباره، والكافر كذلك، والمرأة ونحوهم[1] .

 

بداية لا بد من كلمة تمهيدية توضحية للمطلب قبل الخوض في البحث والاستدلال.

أولاً: في معنى اللوث.

اللوث اصطلاح فقهي ورد على لسان الفقهاء ويقصدون به: أن من ادعى على شخص بالقتل وليس عنده البينة الشرعية على ذلك وإنما لديه بعض القرائن والمؤيدات الموجبة للظن بصحة ادعائه.

ثانياً: مقتضى القواعد والأصول المتّبعة في المقام أن من ادعى على شخص بأنه قاتل لا بد من أن يأتي بالبينة على ادعائه لأن (البينة على من ادّعى،واليمين على من انكر).

وفي حال فقدان البينة من المدّعي تسقط الدعوى عن الإعتبار إلا إذا كان المدّعي يحمل قرينة يُظن معها بصدق الدعوى، فإن الروايات المعتبرة عن النبي والعترة الطاهرة (عليهم السلام) أوجبوا على من ادعى إقامة قسامة خمسين رجلًا ليقاد به يحلف كل واحد يمينًا واحدة. فإن تمت الخمسون ثبت القتل، وإلا حلف المنكر وقومُه خمسين يمينًا، فإن لم يكن له قوم،أو كانوا ولكنهم امتنعوا، حلف هو وحده الخمسين، فإن حلفها فلا شيء عليه وإن امتنع ثبت القتل عليه.

ولكن تحقق اللوث إنما يكون بتوفر شروطه ومنها:

1-وجود القتيل في مكان لا يُعرف من قتله ولا تقوم عليه البينة.

2-وأن يدّعي شخص واحد أو أكثر مع عدم كونهم عدولًا وكذا الحال فيما لو شهد عليه جمع من النسوان أو الصبيان المميزين.

ولكن يوجد مؤيد لكلامهم وقرائن توجب الظن بصدقهم.

3-وأن يكون المدّعى عليه من المتهمين بذلك خصوصًا فيما لو كان بين المدعى عليه وبين القتيل عدواة وذلك مما يوجب التهمة أيضًا.

وسيأتي الكلام في الأدلة على ذلك مفصلًا في طي المسائل القادمة إن شاء الله.

عود على بدأ:

ذكر السيد الماتن (قده) تعريف اللوث وبعض الصور التي تحقق مفهومه ويمكن أن يستدل عليه بروايات القسّامة والإجماع الذي ادعاه الشيخ (قده) في خلافه.

ومنها صحيحة بريد:

-(عن ابن أبي عمير، عن بريد بن معاوية، عن أبي عبدالله (عليه ‌السلام) قال: سألته عن القسامة؟ فقال: الحقوق كلها البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه، إلا في الدم خاصة، فان رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) بينما هو بخيبر إذ فقدت الانصار رجلا منهم فوجدوه قتيلاً، فقالت الانصار: إن فلانا اليهودي قتل صاحبنا، فقال رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) للطالبين: أقيموا رجلين عدلين من غيركم أقيده برمته، فان لم تجدوا شاهدين، فأقيموا قسامة خمسين رجلا أقيد برمته فقالوا: يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنا لنكره أن نقسم على ما لم نره، فوداه رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله)، وقال: إنما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة أن يقتل به فكف عن قتله، وإلا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلا ما قتلنا ولا علمنا قاتلا، وإلا اغرموا الدية إذا وجدوا قتيلا بين أظهرهم إذا لم يقسم المدعون)[2] .

وصحيحة زرارة:

-(عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة، قال: سألت أبا عبدالله (عليه‌ السلام) عن القسامة، فقال: هي حق، إن رجلا من الانصار وجد قتيلا في قليب من قلب اليهود، فأتوا رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) فقالوا: يا رسول الله إنا وجدنا رجلا منا قتيلا في قليب من قلب اليهود، فقال: ايتوني بشاهدين من غيركم، قالوا: يا رسول الله ما لنا شاهدان من غيرنا، فقال لهم رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله): فليقسم خمسون رجلا منكم على رجل ندفعه إليكم، قالوا: يا رسول الله كيف نقسم على ما لم نر؟ قال: فيقسم اليهود، قال: يا رسول الله كيف نرضى باليهود وما فيهم من الشرك أعظم، فوداه رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله)، قال: زرارة: قال أبو عبدالله (عليه‌ السلام): إنما جعلت القسامة احتياطا لدماء الناس كيما إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلا أو يغتال رجلا حيث لا يراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل)[3] .

-(محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن منصور بن يونس، عن سليمان بن خالد، قال: قال أبو عبدالله (عليه‌ السلام): سألني عيسى، وابن شبرمة معه عن القتيل يوجد في أرض القوم، فقلت: وجد الانصار رجلا في ساقية من سواقي خيبر، فقالت الانصار: اليهود قتلوا صاحبنا، فقال لهم رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله): لكم بينة؟ فقالوا: لا، فقال: أفتقسمون؟ فقالت الانصار: كيف نقسم على ما لم نره؟ فقال: فاليهود يقسمون، فقالت الانصار: يقسمون على صاحبنا؟! قال: فوداه رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) من عنده، فقال ابن شبرمة: أرأيت لو لم يؤده النبي (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله)؟ قال: قلت: لا نقول لما قد صنع رسول الله (صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله) لو لم يصنعه، قال: فقلت فعلى من القسامة؟ قال: على أهل القتيل)[4] .

والروايات تدل بوضوح على ما قدمناه. والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo