< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

39/02/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب القصاص.

(تابع) مسألة (14): لو سحره فقتل وعلم سببية سحره له فهو عمد إن أراد بذلك قتله، وإلا فليس بعمد بل شبهه، من غير فرق بين القول بأن للسحر واقعية أو لا، ولو كان مثل هذا السحر قاتلا نوعا يكون عمدا ولو لم يقصد القتل به[1] .

قوله تعالى: (وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر).

مادّة (فتن) تأتي بمعنى الاختبار والامتحان سواء في الخير أو الشر، قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[2]

والمراد بها في المقام مطلق الاختبار، لأنّهم إنّما نسبوا إلى سليمان (عليه السلام) السحر، وافتروا عليه، بأنّ تسخيره للجنّ والإنس وغيرهما إنّما كان بواسطة السحر، حتّى غلب على أهل عصره، وكاد أن يذهب معجزة أنبياء الله تعالى رأسًا، فأنزل الله الملكين يعلّمان الناس السحر، ليفرّقوا بين الحقّ والباطل، مع تصريحهما لمن كان يتعلّمه بأنّ ما يتعلّمه إنّما هو لأجل الامتحان والاختبار، ودفع كيد الشياطين، والتفرقة بين الحقّ والباطل. وإنّ السحر كفر، فلا تكفر بتعلّمك له كما ذكر سبحانه وتعالى بعد ذلك.

قوله تعالى: (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) إنّما هذا من مصاديق السحر بل هو من أهمها الشائع.

قوله تعالى: (وما هم بضارين به من أحد إلّا بإذن الله).

فأنّ جميع الموجودات من خيرها وشرّها، مورد قضائه وقدره، فلا يخرج أثر السحر عن تقديره تعالى وقضائه، لئلا يبطل نظام القضاء والقدر، وجعل المسبّبات مترتّبة على أسبابها حسب ما اقتضته الطبيعة، وما يختاره الفاعل المختار.

النفع ما يتوصّل به إلى الخير، فهو خير وضدّه الضرّ، ثم إنّ النفع والضرّ:

إما واقعيّان حقيقيّان، وهما المنساقان منهما في إستعمالات القرآن.

أو وهميان خياليّان؛ قال تعالى:

(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)[3]

وغالب اُمور الدنيا مبنية على الوهم والخيال.

والمعنى: أنّهم يتعلّمون من السحر ما كان فيه ضرر عليهم في الدُّنيا والآخرة؛ أمّا في الدُّنيا فلعدم إحاطة المعلِّم بالواقعيّات، ولا كون العلم من الوسائل إليها، فإن المنفعة الوقتية الخياليّة التي يجلبها من السحر، مع ما فيها من الإيذاء لسائر الناس لا تعدّ خيرًا أصلًا، لا سيّما إذا كان جزاؤه عظيمًا.

وأمّا في الآخرة، فمع كون المعلوم قرين الكفر بالله تعالى، فلا بدّ وأن يكون إثمه عظيمًا، فقد أوقعوا أنفسهم في الخسران والنقصان بسوء اختيارهم، وفي نفي المنفعة بعد إثبات المضرّة، إشارة إلى وجود منعة مّا في السحر ولكنّها قليلة.

قوله تعالى: (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق).

والخلاق النصيب من الخير يستعمل في القرآن في نصيب الاخرة.

والمعنى: إنّ الذين اتّبعوا ما تتلوا الشياطين، واختاروا السحر وسيلة لنيل مقاصدهم، واستبدلوا ما في التوراة بذلك، ونبذوه وراء ظهورهم، يعلمون أنّه ليس لهم في الآخرة نصيب لإستبدالهم الخير بالشر.

قوله تعالى: (ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون).

أي لبئس ما استبدلوا به أنفسهم، لأنّهم عرَّضوا أنفسهم للهلاك والعذاب الدائم بما رضوا بالسحر، لو كانوا يعلمون علمًا فعليًّا بأنّهم باعوا أنفسهم بأخسّ الأثمان وأقبحها.

هذا بالإضافة إلى الآيات الكريمة الاُخرى ألتي تصف السحر بأنه تخيّل وضرب من أنواع الخداع النفسي كقوله تعالى: (قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى)[4]

وقوله تعالى: (قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّا أَلْقَوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ)[5] .

وللنصوص العديدة على حرمته وحرمة إستعماله وتعلمه بالجملة ومنها:

عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (السحر والشرك مقرونان).

ومنها: ما عن مولانا امير المؤمنين (ع):

-(عبد الله بن جعفر في (قرب الإِسناد) عن السندي بن محمّد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه أنّ علياً (عليه السلام) قال :من تعلّم شيئاً من السحر قليلاً أو كثيراً فقد كفر، وكان آخر عهده بربّه وحده أن يقتل إلاّ أن يتوب)[6] .

حتى أن الروايات الشريفة اعتبرت من يأخذ أجرة عليه فماله سحت وما شابه ذلك.

2 - للسحر معنيان:

أ – لغوي كما ذكره أهل اللغة في قواميسهم، راجع: (قاموس اللغة ج 2 ص 46 – لسان العرب ج 4 ص 348 – مجمع البحرين ج 3 ص 324 – والنهاية ج 2 – 346).

وقد استعمل في موارد عديدة منها: التغيير والتبديل والإنصراف وبث الصور الخيالية والوهمية في الأذهان من خلال بعض ما يوحون إليه لدى المسحور والمشاهد، وله معنى التأثير كذلك.

هذا من جهة المادة (س – ح – ر) مركبًا ومرتبًا.

ب - وله معنى إصطلاحي من جهة هيئته وهو مصدر يدل على الحدث مجردًا عن الأزمان الثلاثة: ماض وحاضر ومستقبل.

وما هو المبحوث عنه ههنا المعنى الإصطلاحي وهو أخص من المعنى اللغوي كما سيتضح بعد قليل.

3 – اختلف الأصحاب في واقعية السحر وعدمه، فذهب الشيخ الطوسي (قده) إلى عدم واقعيته، وأنه ليس سوى شعبذه لا واقع له خارجًا خلافًا لما ذهب إليه في كتابه الخلاف وأنه له حقيقة وواقع، وبعبارة اُخرى فللشيخ (قده) حكمان في السحر من جهة واقعيته وعدمه، قال في الخلاف: (السحر له حقيقة ويصح منه أن يقيد ويؤثر ويسحر فيقتل ويمرض ويكوع الايدي ويفرّق بين الرجل وزوجته ويتفق له أن يسحر بالعراق رجلًا بخراسان فيقتله)[7] .

وهذا ما يذهب إليه بعض رؤوساء المذاهب الاخرى كأبي حنيفة ومالك والشافعي. وأما سائر كتبه فأنكر الشيخ أن يكون له حقيقة وواقع.

وذهب المشهور إلى أن له واقع وإستدلوا ببعض الأخبار في المقام.

وعلى أي حال، فقد تظهر الثمرة العملية على الإختلاف بين الرأيين فعلى ما لو قلنا بأن له واقع وحقيقة فإن على الساحر القود مع قصد القتل، بخلاف ما لو قلنا بعدم واقعيته فلا يقتص من الساحر القاتل بسحره.

ولكن الأقوى عدم مدخلية الواقعية للسحر وعدمه، وذلك لكفاية التأثير الوجداني للسحر خارجًا، سواءً قلنا بأن له واقعية أم لا.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo