< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

38/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القول في قسمته ومستحقيه

مسألة (7): النصف من الخمس الذي للأصناف الثلاثة المتقدمة أمره بيد الحاكم على الأحوط، فلا بد إما من الايصال إليه أو الصرف بإذنه وأمره على الأحوط لو لم يكن الأقوى، كما أن النصف الذي للإمام عليه السلام أمره راجع إلى الحاكم، فلا بد من الايصال إليه حتى يصرفه فيما يكون مصرفه بحسب نظره وفتواه، أو الصرف بإذنه فيما عين له من المصرف، ويشكل دفعه إلى غبر من يقلده إلا إذا كان المصرف عنده هو المصرف عند مقلده كما وكيفا، أو يعمل على طبق نظره[1] .تابع مسالة (7):

وقد تزيد آراء الفقهاء في ذلك عن العشرة، وبعضهم فصّل بين السهمين في الصرف والبعض الآخر لم يفرق بينهما في الصرف والكيفية. وسأستعرض الآراء بشكل موجز

أولًا: بالنسبة لسهم الإمام (عليه السلام):

1 – قيل بالوصاية به إلى المتدينين المؤتمنين إلى حين يلقى صاحب الأمر (عليه السلام) ويسلمه إياه أو يدفنه في الأرض وحين ظهوره (عليه السلام) تظهر له الكنوز والجواهر كما في بعض الروايات وقد نسب هذا الرأي إلى الشيخ المفيد[2] (قده) وعن بعض كتب الشيخ الطوسي (قده) وسيأتي بيانه.

2 – قيل لا يوصى به ولا يدفن بل يجب أن تصرف حصته (عليه السلام) إلى الأصناف الموجودين لأن عليه الإتمام عند عدم الكفاية، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته لأن الحق الواجب لا يسقط من يثبت عليه مؤبدًا واختار هذا الرأي كل من العلامة الحلي[3] (قده) في شرائعه وفقًا للتحرير وظاهر المحكي عن عبارة غرية المفيد وزاد المعاد للمجلسي[4] (قده) وهكذا تبناه كل من كاشف الغطاء[5] والمنقول في الرياض عن الديلمي[6] لكن للحلي قول آخر في المختلف الإباحة لسائر الخمس[7] وأيضًا فإن الظاهر من مقنعة[8] المفيد ونهاية[9] الشيخ ومبسوطه[10] أيضًا وسرائر[11] الحلي وما عن إبن البرّاج[12] وأبي الصلاح[13] وغيرهم وجوب الوصية به لا جواز الدفع إلى السادة (أعزهم المولى) فضلًا عن وجوبه. وفي الوسيلة[14] : (أنه يقسم بين مواليه والعارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح والسداد).

3 – التخيير بين دفعه إلى الأصناف (السادة) أعزهم المولى وبين الوصية به لا وجوبه وهذا ما نسب إلى المشهور كما في الروضة[15] ونسبه صاحب الرياض إلى الأكثر، وقال في موضع آخر أن هذا الرأي هو الذي إستقر عليه رأي المتأخرين.

4 – سقوطه في زمن الغيبة وتبنى هذا الرأي كل من صاحب المدارك[16] ، والمفاتيح[17] ، والوافي[18] ، وأيضًا صاحب الحدائق[19] تبناه بقوة موافقًا للكاشاني[20] (قده) وإن إختلف معه في مدرك ذلك والعجب من إدعاء صاحب الرياض الشهرة وقول الأكثر كما تقدم في القول الثالث.

5 – الصرف إلى فقراء الشيعة مطلقًا ولو لم يكونوا من السادة (كما عن صاحب الوسيلة)[21] .

6 – يصرفه المالك في موارد رضاه (عليه السلام) على المحتاجين مباشرة دون الرجوع إلى إذن الحاكم.

7 – يرجع فيه المكلف المالك إلى الحاكم الشرعي ويدفعه إليه أو يصرفه بإذنه بإعتبار كونه أحد نواب الإمام (عليه السلام)، فلا يجوز التصرف به دون إذنه وإجازته، وذلك أنه مع عدم إمكان إصال المال للمنوب عنه فلا بد من إيصاله إلى النائب، وهذا ما عليه المعاصرون.

8 – دفعه بعنوان التصدق به عن مولانا صاحب الزمان (روحي لروحه الفداء).

وهناك آراء غير ذلك أعرضنا عن ذكرها لعدم إشتهارها.

هذه أشهر الآراء المعروفة بين الفقهاء والتأمل يدعو إلى القول بعدم وجود الأدلة المعتبرة شرعًا لأكثرها بل البعض منها أقرب إلى الإستحسان والذوق الشخصي منه إلى الأدلة من مصادرها المقررة والقواعد الثابتة.

- وأما بالنسبة إلى القول بالدفن أو الوصاية أو التخيير بينهما كما إختاره الشيخان المفيد والطوسي (قده) كما تقدم فهو لا محالة يؤدي إلى تلف المال وضياعه وعدم إستفادة المؤمنين منه وربما كان منشأ إختياره ممّن إختاره له علاقة بزمانه والخوف من وصوله إلى أيدي الطغاة لو أشتهر أمره ففضلوا كتمانه بالوصاية أو الدفن لعدم وصوله إلى حكام الجور في ذلك الزمن مهما طال أمره، وتوفرت ظروفه.

-وأما دفعه بأجمعه للسادة (أعزهم المولى) أو التخيير بينه وبين الوصية به فهو بالإضافة إلى كونه يفيض عن حاجياتهم ومؤونتهم فإنه بخلاف ما دلت عليه بعض الروايات المتقدمة من كون الإمام (عليه السلام) كان يدفعه إلى من يرى فيه الصلاح أو لبعض فقراء الشيعة، وسد حاجياتهم وما ينوبهم، وأما قضية العلم وإحراز رضا الإمام (عليه السلام) فهو في غاية الإشكال، كما يريد أن يشير إليه صاحب الجواهر (قده) إذ المصالح والمفاسد التي في نظر الإمام (عليه السلام) مما لا يمكن إحاطة مثلنا به، خصوصًا من لم تزهد نفسه في الدنيا منّا، فقد يكون صلة واحد من شيعته أو إطفاء فتنة بينهم أو فعل أمور لها مدخلية في الدين أولى من كل شيء بنظره، كما يوميء إليه تحليلهم بعض الأشخاص وأقاربهم في شدة الحاجة فكيف يمكن القطع برضاه فيما يفعله غيرهم، خصوصًا مع عدم خلوص النفس من الملكات الردية كالصداقة والقرابة ونحوها من المصالح الدنيوية، فقد يفضل على البعض بذلك ويترك الباقي في شدة الجوع والحيرة، بل ربما يستغني ذلك البعض بقبض ما حصل له فيحتال في قبض غيره إلى تمليك زوجته أو ولده ما عنده كي يبقى فقيرًا فيقبض ما يشاء، وكيف يمكن أن يقاس هذا بفعل أمير المؤمنين (عليه السلام) مع عقيل الذي فرّ منه لعدم صبره على تلك المؤونة.

ولذا لا يمكن القول بفحوى التصرف في أمواله (عليه السلام) على نحو الوجوب – لا اقل – إلى الأصناف الثلاثة، بل يكاد أحدنا أن يقطع بأن صرفها لبعض الأمور ولبعض الناس أولى من إعانة بعض السادة، خصوصًا من لم يكن منهم في غاية الفقر ولا غاية التقوى والصلاح.

-وأما سقوطه في زمن الغيبة كما إختاره صاحب الحدائق[22] والكاشاني (قده) . فقد تقدم الكلام عن ذلك أول الكتاب بان ما يدل على التحليل روايات عديدة واضحة وصريحة وكثير منها صحيح مثل:

صحيح الفضلاء:

-(محمّد بن الحسن بإسناده عن سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر ـ يعني: أحمد بن محمّد بن عيسى ـ عن العبّاس بن معروف، عن حمّاد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم كلّهم، عن أبي جعفر (عليه‌ السلام) قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌ السلام): هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ)[23] .

ومنها صحيح النصري:

-(عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر، عن أبي عمارة، عن الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله (عليه‌ السلام) قال: قلت له: إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك، وقد علمت أن لك فيها حقّاً؟ قال: فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم في حقّنا فليبلغ الشاهد الغائب)[24] .

ومنها مصححة يونس بن يعقوب:

-(عن أبي جعفر، عن محمّد بن سنان، عن يونس بن يعقوب قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه‌ السلام) فدخل عليه رجل من القماطين، فقال: جعلت فداك، تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت، وأنّا عن ذلك مقصّرون، فقال أبو عبد الله (عليه‌ السلام): ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم)[25] .

عطفًا على ما تقدم، فصفوة القول في المسألة المستفادة من جمع الروايات المتعارضة مع ضم بعضها لبعض يمكن أن يقع في أمور:

1 – أنه وبغض النظر عن البحث التفصيلي في سند ودلالة كل رواية على حدى فإن كل من الطائفتين (الروايات الموجبة والروايات المبيحة) تشتمل على روايات صحيحة سندًا وصريحة دلالةً وهذا مما لا ينبغي الشك فيه. بل قد يقال بان روايات التحليل أقوى سندًا بعتبار ان روايات الوجوب فيها صحيحة واحدة فقط بخلاف روايات التحليل فالعديد منها صحيح (صحيح الفضلاء، صحيح النصري، مصحح يونس بن يعقوب)

ومع التأمل بنظرة منصفة بعيدة عن مخلفات الذهن، أو الإنجرار والتقليد للآخرين مهما كانوا ذوي باع طويل في هذا الفن نقول ان ترجيح القول بالوجوب على الإباحة عند التعارض لأجل الرجوع إلى الآية المباركة التي تثبت أصل التشريع للخمس يمكن النقاش فيه من جهة انه ربما يقال بإختصاص معنى الغنيمة بخصوص غنائم دار الحرب، وربما يئيده بعض الروايات التي تشتمل على عطف الغنيمة على الكنوز والمعادن والغوص، نظرًا إلى ظهور العطف في المغايرة، لولا إشتمال الآية الكريمة على قوله تعالى (ما غنمتم) التي تفيد العموم، مع عدم صرفها إلى خصوص ما ذكرنا.

2 – الواضح من الأدلة كون الخمس هو من حق الرسول (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) ولذي القربى وهم أقرباؤه (عليهم السلام)، وعليه فهو أشبه بالملك الشخصي، والمستفاد من الروايات أنه ملك لمنصب الامامة منها: -(عن أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث (عليه‌ السلام): إنّا نؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (عليه‌ السلام) عندنا، فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي (عليه ‌السلام) بسبب الإِمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه)[26] .

ويمكن أن يسقطوه عن شيعتهم (أعزهم المولى)، إما كليًا أو جزئيًا كما إختاره بعض الأصحاب وسيأتي بيانه، وهذا بخلاف الزكاة فإنه ملك للفقراء والمساكين وأبناء السبيل وبقية الأصناف الثمانية الواردة في آية (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[27] فالخمس لهم (عليهم السلام)، وهذا مستفاد من الروايات الصحيحة المفيدة لكونه في بعض عبائرها (الخمس لنا) وعدم صرفه من قبل المكلف نفسه بل لابد من إيصاله لهم (عليهم السلام) وهم يضعونه حيثما يشاؤون وقد ورد أنهم كرسول الله (صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله) يأخذون منه ما يشاؤون والباقي يوزعونه لمن يرون.

3 - أنه لو قلنا بالتحليل مطلقًا، كيف لنا أن نحل الإشكال الكبير في كون الخمس لبني هاشم (أعزهم المولى) عوضهم الله تعالى به عن الزكاة التي هي من اوساخ الناس إذا صح سندها.

نقول: أنه مع ثبوت روايات التحليل مطلقًا لكونها – لا أقل البعض منها – تأبى الحمل على بعض المحامل التي ذهب البعض من الفقهاء إليها من قبيل حملها على المناكح (الجارية المغنومة) أو المتاجر (ما يصل المؤمن من اموال من الكافر والمخالف)، وغيرها وذلك لكون روايات التحليل – لا أقل البعض الصحيح منها – واضح منه لسان الشمولية والإطلاق، ولا يقدح ذكر التعليل في البعض منها بأنه (لتطيب ولادتهم ولا تخبث) بل يمكن القول بأن هذا يؤيد التحليل العام لإرتباط الفوائد بذلك فأحلها الإمام (عليه السلام) لكي تطيب الولادة وإلا فالمهر لا يمنع من صحة العقد عند الزواج كما هو واضح.

أو أن هذا الكم من الروايات للتحليل بهذا الحجم من البيان والوضوح وخاصة البعض منها المشتمل على ما هو أعم من المناكح والمتاجر وكيف يقصر النظر فيه إلى خصوص ما يكسبه المؤمن من أموال الكافر والمخالف إذا وصلت إليه ونعلم بتعلق الخمس فيه، مع أنهم يقولون بوجوب الخمس في الفاضل منه آخر العام إذا ربح منهم إذن ما هو المحلّل من ذلك بحسب رأيهم؟.

عود على بدء: إذن يمكن أن يقال في مقام الإجابة على إشكال تعويض بني هاشم (أعزهم المولى) بالخمس بدلاً عن الزكاة فيما لو قلنا بتحليل الخمس، بأن ذلك كان تكريمًا محضًا لهم (أعزهم المولى) لما تحملوه من الحكام الطغاة وما إنتابهم من أهل الجور لقرابتهم من أهل بيت العصمة والطهارة (عليه السلام) فلا ينبغي أن يصابوا في الفقر والعوز والفاقة. بأن نقول بأن زكاة الهاشمي للهاشمي جائزة، والصدقات المندوبة أيضًا جائزة على الأقوى بل المشهور على ذلك وإن خالف البعض منهم احتياطًا.

وأيضًا يجوز لهم أخذ الزكاوات المستحبة غير الواجبة، وغير ذلك فإن ذلك ربما يقال بكفايته لهم وعدم وقوعهم بالمشقة والحرج هذا كله، مع إمكان القول بما لا يخفى بأن مجرد ثبوت الخمس بأصل التشريع لا يتنافى مع التحليل بوجه كما هو ظاهر الأدلة فتأمل.

وهكذا فإن وجوب اداء الخمس على الإطلاق لا ينافي عدم وجوبه على الشيعة لجواز التخصيص كما لا يخفى فتدبّر.

ولكن مع هذا كله فالأحوط شديداً تعلق الخمس بالغنائم والفوائد وذلك لإمكان حمل روايات التحليل على بعض المحامل التى ذكرناها سابقاً ولموافقة المشهور والله العالم.

فراجع[28] .

-وأما صرفه إلى فقراء الشيعة ولو لم يكونوا من السادة دون إذن الحاكم الشرعي كما إختاره صاحب الوسيلة (قده) فهو أحد الأقوال الراجحة في المقام بإضافة كون ذلك منوطًا بإحراز رضا الإمام (عليه السلام).

يبقى أن الأمر يدور مدار هذا القول وبين رجوع المالك إلى الحاكم الشرعي بصفة كونه نائبًا عن الإمام (عليه السلام)، وحيث أنه لا دليل معتبر بهذا الأخير، سوى رواية علي بن راشد:

-(بإسناده عن أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث (عليه ‌السلام): إنّا نؤتى بالشيء فيقال: هذا كان لأبي جعفر (عليه‌ السلام) عندنا، فكيف نصنع؟ فقال: ما كان لأبي (عليه‌ السلام) بسبب الإِمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنّة نبيّه)[29]

ولما ورد في الزكاة من ثبوت ولاية التعيين للمالك، معللًا بأنه أعظم الشريكين، ومع التنازل فهذا مال مشترك مع السادة لا حاجة في مثله إلى مراجعة الشريك ومطالبته بالقسمة، لأن الشركة من قبيل الشركة في المالية أو الكلي في المعين، نعم بناءً على الإشاعة والشراكة الحقيقية يطالب الشريك بالقسمة إن كان شخصًا معينًا وأما إذا كان عنوانًا كليًا كما هنا فيرجع الأمر إلى الحاكم الشرعي لكن هذا على إفتراضه فإنما يرجع إليه في القسمة وليس في الإعطاء والدفع إلى الفقير فإنه لا يحتاج إلى إجازة من الحاكم لعدم الدليل كما تقدم، والله العالم.

ولعله لأجل ذلك ولعدم النص المعتبر في كل ماتقدم من آراء وأقوال يظهر سر ما ذكره المفيد (قده) من المحنة والحيرة كما حكي عنه في المقنعة بل هذا ما أوقع الكثير من الفقهاء في الإضطراب في كيفية التصرف بالخمس كله فضلًا عن سهم الإمام (عليه السلام) خاصة. ومن هنا نفهم وجه الحيرة أيضًا عند شيخنا الطوسي (قده) كما ذكر هو نفسه في نهايته -بعد أن اعترف بعدم النص المعيّن بالإباحة والوصاية والدفن والتفصيل بين حق الإمام (عليه السلام) وغيره– قال: (وهذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه، لان هذه الثلاثة أقسام مستحقها ظاهر، وإن كان المتولي لتفريق ذلك فيهم، ليس بظاهر، كما أن مستحق الزكاة ظاهر، وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر.

ولا أحد يقول في الزكاة: إنه لا يجوز تسليمها إلى مستحقيها. -ثم قال بعد أن ذكر مستند ذلك- ولو أن انسانا استعمل الاحتياط، وعمل على أحد الاقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوما. فأما التصرف فيه على ما تضمنه القول الاول، فهو ضد الاحتياط، والاولى اجتنابه حسب ما قدمناه)[30]

وقال في مبسوطه شبيه ذلك.

وأخيرًا وبعد كل ما تلوناه عليك فإن ما يقوى في نفسي وليس مجانبًا للإحتياط فيما لو لم نقل بسقوطه في زمن الغيبة، أن يدفع كصدقة نيابة عن مولانا (روحي فداه) وإني لأخجل أن أطلق عليه عنوان مال مجهول المالك فإنه (عليه السلام) وإن كان معلومًا ومتسالماً عليه كما هو مما لا شك فيه بتًا وجزمًا ولكن بما أنه لا يمكن الوصول إليه وتسليمه ماله المختص به لكونه مجهول المكان والبقعة الذي هو فيها. فالمقام يكون في حكم المال المجهول صاحبه وهذا ما قواّه صاحب الجواهر (قده) ولكن لم يذكر الدليل على ذلك، وربما يستدل على ذلك برواية يونس بن عبد الرحمان:

-(محمد بن الحسن بإسناده عن الصفّار، عن محمد بن عيسى ابن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمن، قال: سئل أبو الحسن الرضا (عليه السلام) ـ وأنا حاضر ـ إلى أن قال: فقال: رفيق كان لنا بمكّة، فرحل منها الى منزله، ورحلنا الى منازلنا، فلمّا أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا، فأيّ شيء نصنع به؟ قال: تحملونه حتّى تحملوه الى الكوفة، قال: لسنا نعرفه، ولا نعرف بلده، ولا نعرف كيف نصنع قال: إذا كان كذا فبعه، وتصدّق بثمنه، قال له: على من جعلت فداك؟ قال: على أهل الولاية)[31] .

إذا المال الذي لا يمكن إيصاله إلى مالكه فحكمه حكم مال المجهول مالكه بإعتبار أن الرفيق الذي كان معهم في مكة معلوم عند السائل ولكنه لا يعرف بلده ومسكنه وأين يعيش وعليه يجب التصدق بسهم الإمام (عليه السلام). على الأولى فالأولى من المرجحات الواردة في النصوص كأهل الصلاح والسداد والرشاد وللفقراء والمساكين وأهل الحاجة والفاقة والعوز والدعاة إلى سبيل الله تعالى ورفع رايته وإحقاق الحق وإزهاق الباطل ونشر كتب الهدى وتقوية الحوزات العلمية والمراكز الدينية ومحاربة الأعداء والتصدي لأهل الفسق والجور والباطل. وكما ذهب إليه البعض من الفقهاء حيث قالوا: ومن أهم مصارفه في هذا الزمان الذي قل فيه المرشدون والمسترشدون إقامة دعائم الدين ورفع أعلامه، وترويج الشرع المقدس، ونشر قواعده واحكامه ومؤنة أهل العلم الذين يصرفون اوقاتهم في تحصيل العلوم الدينية الباذلين أنفسهم في تعليم الجاهلين، وإرشاد الضالين، ونصح المؤمنين ووعظهم، وإصلاح ذات بينهم، ونحو ذلك مما يرجع إلى إصلاح دينهم وتكميل نفوسهم، وعلو درجاتهم عند ربهم تعالى شأنه وتقدست أسماؤه.

 


[28] - ما تقدم من الكلام في الخامس من موارد الخمس (الفاضل من مؤمنة السنة).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo