< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

38/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الخمس.

الثالث الكنز والمرجع في تشخيص مسماه العرف، فإذا لم يعرف صاحبه سواء كان في بلاد الكفار أو في الأرض الموات أو الخربة من بلاد الاسلام سواء كان عليه أثر الاسلام أم لا ففي جميع هذه الصور يكون ملكا لواجده وعليه الخمس، نعم لو وجده في أرض مملوكة له بابتياع ونحوه عرفه المالك قبله مع احتمال كونه له، وإن لم يعرفه عرفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أنه له، فيكون له وعليه الخمس إذا بلغ عشرين ديناراً في الذهب ومأتي درهم في الفضة، وبأيهما كان في غيرهما، ويلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في جوف الدابة المشتراة مثلا فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب، بل يلحق به أيضا على الأحوط ما يوجد في جوف السمكة، بل لا تعريف فيه للبائع إلا في فرض نادر، بل الأحوط إلحاق غير السمكة والدابة من الحيوان بهما[1] .

تشتمل المسألة على عدة قضايا وأحكام.

ولكن أولاً لا بد من الإستدلال على وجوب الخمس في الكنز ويدل عليه الروايات المستفيضة منها:

-(محمّد بن علي بن الحسين بإسناده عن عبيد الله بن علي الحلبي أنّه سأل أبا عبد الله (عليه ‌السلام) عن الكنز، كم فيه ؟ فقال: الخمس ...)[2] .

-(محمّد بن علي بن الحسين في (الخصال) عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن عمّار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه ‌السلام) يقول: فيما يخرج من المعادن، والبحر، والغنيمة، والحلال المختلط بالحرام، إذا لم يعرف صاحبه، والكنوز، الخمس)[3] .

-(عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله (عليه ‌السلام) قال: الخمس على خمسة أشياء: على، الكنوز، والمعادن، والغوص، والغنيمة)[4] .

ونسي ابن أبي عمير الخامس.

هذا بالإضافة إلى إجماع مدرسة أهل البيت (عليه السلام) المستفاد من الشيخ الطوسي (قده) في خلافه[5] . والمعتبر[6] ، وصاحب منتهى المطلب[7] 1 ص 546 .

قوله (قده): (والمرجع في تشخيص مسمّاه العرف).

وقع الكلام بين الأعلام في تشخيص وتعريف الكنز، وقد ذهب جماعةٌ من الفقهاء إلى كونه (المال المدخور) كما فسّره السيد اليزدي الطباطبائي (قده) في عروته، وربما لأجل كونه يُستر في الأرض ويُدّخر ليوم الفقر والفاقه أو لغير ذلك، ووافق بذلك ما حكاه الشهيد الثاني (قده) في مسالكه شرحًا للشرائع[8] .

وهكذا في الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية[9] (ج 2 – ص 68) وقد اعتبر فيهما الإدخار في الكنز.

وذهب إلى كونه لقطه إن لم يكن كذلك.

وذهب المشهور إلى عدم إعتبار ذلك في تحديد مفهوم الكنز كما عن شرائع الإسلام[10] ، وتذكرة الفقهاء[11] ، وصاحب الحدائق الناضرة[12] .

والصحيح ما عليه: المشهور وذلك أولاً عدم وجود أي دليل على إعتبار الإدخار من الشرع ولو برواية واحدة ضعيفة .

وثانياً: إن النصوص المستفيضة الواردة في الكنز نجدها تحدثت عن الكنز كموضوع يرجع في تحديده إلى العرف، والعرف لا يرى إعتبار قصد الإدخار في مفهوم الكنز.

وإذا كان الأمر كذلك، فهو من الموضوعات العرفية وليست مستبطنة من كلام الشارع، وبالتالي فلا حجية لقول الفقيه من جهة في المقام ولا لقول اللغوي لعدم كونه من الموضوعات اللغوية المحضة لنحتاج إلى قول اللغوي في ذلك.وحينئذ كل ما يصدق هذا اللفظ عند العرف فهو كنز، وما لا يصدق عليه ذلك وهكذا فيما لو شك في إنطباقه وعدم الإنطباق عليه ذلك فلا خمس فيه من هذه الجهة، بل من جهة كونه من أرباح المكاسب إن عُد أنه منها، فيخمس من جهة كونه من الفوائد والأرباح إن قلنا بذلك.

ومنه يعلم الإيراد على ما ذهب إليه الشيخ كاشف الغطاء (قده) في ما حكي عنه[13] ، حيث صّرح (قده) بإختصاصه بالأرض.

والمحصّل: أن مفهوم الكنز من الموضوعات العرفية وقد ألقى الشارع المقدس تحديده إلى العرف بعد عدم ذكر مصطلح خاص به.

قوله (قده): (فإذا لم يعرف صاحبه سواء كان في بلاد الكفار . . . إلى قوله فيكون له وعليه الخمس).

الظاهر من أدلة الخمس في الكنز شمول هذه الحالات التي ذكرها السيد الماتن (قده) لإطلاقها في ذلك بما فيها (ما عليه أثر الإسلام).

أما قضية العثور عليه في بلاد الكفار أو في الأرض الموات أو الخربة حتى في بلاد المسلمين إن لم يكن عليه أثر الإسلام، فهو واضح لعدم كونهم من محترمي المال سواءً كانوا كفاراً حربيين وهم مهدوري الدم والمال أم غير حربيين لما عليه الإجماع لإدعائه كما إدعاه جماعة.

نعم وقع الكلام بينهم فيما لو وجده في أرض الإسلام، وكان عليه أثر الإسلام هل يكون الكنز لواجده وعليه الخمس كما عليه جماعة منهم الشيخ (قده) في الخلاف[14] ، (السرائر[15] ، الحدائق[16] ، مدارك الأحكام[17] ،

أو أنه تجري عليه أحكام اللقطة كما عليه جماعةٌ اُخرى: شرائع الإسلام[18] ، تذكرة الفقهاء[19] ، المبسوط[20] ، مسالك الأفهام[21] .

واستدلوا على ذلك أولاً: أن كل تملك لا بد له من سبب ودليل والأصل عدمه فلا يجوز تملكه إلا بعد التعريف عنه.

ثانيًا: مجرد العثور عليه في بلاد المسلمين وعليه أثر الإسلام، فهذا يكشف عن كونه للمسلمين أو من يعيشون في ذمتهم وهم محقونوا الدم والمال، فلا بد للخروج من ذلك بالفحص والتعريف.

ولكن يرد على الأول: أن كل من الكنز واللقطة له موضوع مختلف عن الآخر شرعًا وعرفًا ولغةً وتغاير الموضوع يوجب تغايرًا في الحكم فلا يلحق أحدهما بالآخر ومنه يعرف الإيراد على الثاني إذ مورد اللقطة هو المال الذي ضاع عن صاحبه الفعلي بحيث أنه لو وجده شخص وعرف صاحبه لأعطاه إياه وإلا تصدق به على الفقراء مثلاً، ولا أقل إن مات صاحبُه يعطيه لوارثه وهكذا مع عدم الصدق العرفي على نسبة المال لصاحبه الذي كان قبل مئات السنين والقرون المديدة، بخلاف الكنز فإن العرف لا يرى للكنوز المدفونة مالكًا فعليًا يرجع إليه فيما لو كان من أمد بعيد عبر القرون العديدة . وعليه فلا فرق في المقام بين أن يكون عليه أثر الإسلام أو، لا .

نعم لو وجده في أرض مملوكة له بإبتياع ونحوه عرّفه المالك قبله مع إحتمال كونه له، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أنه له، فيكون له وعليه الخمس.

وذلك لصدق العرف وإسناده إلى مالكه الفعلي فيُعطى له، ولا يجوز التصرف به والإستيلاء عليه مع وجود مالكٍ له فعليًا وهذا ما عليه الأصل. وهذا بخلاف المال المدفون من زمن بعيد وخاصة من مئات السنين كما هو الغالب في الكنوز التي لا يحتمل حياة مدّخرها ولا وارثه الفعلي أيضًا وإلا أعطاه إياه وحينئذ فلو أيقنّا بموت مالكه ووارثه ومن زمن بعيد، فمقتضى القاعدة إنتقاله إلى الإمام (عليه السلام)، لكونه وارث من لا وارث له، وقد اباح الإمام (عليه السلام) ما كان له لشيعتهم أعزهم المولى.

قوله (قده): (إذا بلغ عشرين دينارًا في الذهب ومائتي درهم في الفضة وبإيهما كان في غيرها).

ويدل عليه مضافًا إلى الإجماع المدعى، صحيح البزنطي المتقدم (عن مولانا الرضا (عليه السلام).

-(عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه ‌السلام) قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز ؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس)[22] .

وأيضاً مرسل المقنع عن مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام).

-(محمّد بن محمّد المفيد في (المقنعة) قال: سُئل الرضا (عليه ‌السلام) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس ؟ فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك بعينه ففيه الخمس، ومالم يبلغ حد ما تجب فيه الزكاة فلا خمس فيه)[23] .

وكل من الروايتين يفيدان المطلوب بما ذكر الماتن (ره).

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo