< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ يوسف السبيتي

بحث الفقه

37/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الطلاق.

مسألة (6): قد مر أن المطلقة ثلاثاً تحرم حتى تنكح زوجاً غيره، وتعتبر في زوال التحريم به أمور ثلاثة: الأول - أن يكون الزوج المحلل بالغاً، فلا اعتبار بنكاح غير البالغ وإن وكان مراهقا، الثاني - أن يطأها قبلاً وطأً موجباً للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، بل كفاية المسمى في مقطوعها لا يخلو من قوة، والاحتياط لا ينبغي تركه، وهل يعتبر الانزال؟ فيه إشكال، والأحوط اعتباره، الثالث - أن يكون العقد دائماً لا متعة.[1]

 

مسألة6 - أما إشتراط البلوغ في المحلل: فقد يستدل عليه بما رواه علي بن الفضل الواسطي عن مولانا أبي الحسن الرضا (عليه السلام):

-(محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن علي بن الفضل الواسطيِّ، قال: كتبت إلى الرضا (عليه السلام): رجل طلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فتزوجها غلام لم يحتلم، قال: لا حتى يبلغ، فكتبت إليه: ما حد البلوغ؟ فقال: ما أوجب الله على المؤمنين الحدود)[2] .

والرواية معتبرة على المختار من وثاقة سهل وعدم الخدشة بما ذكر فيه.

ودلالته على ذلك صريحة وواضحة خصوصاً مع نفي الإمام (عليه السلام) لتحليل الغلام غير المحتلم وهي أبرز علامات البلوغ.

وأما عدم وجود روايات أخرى عن ذلك في الباب، فقد يكون لأجل وضوح المسألة بين المسلمين وتسالم المؤمنين؛ فلم تكن مسألة خلاف وإجمال لكي يكثر السؤال عنها، وهذا ما يكشف عن وجود سيرة متشرعة قائمة على ذلك.

نعم يمكن أن تكون رواياتُ (ذوق العسيلة) مؤيدة لإشتراط البلوغ إن لم نقل أنها دالةٌ عليه، بإعتبار أن ذوق العسيلة التي هي كناية عن تحقق الجماع، ولا يكون ذلك إلا من البالغ مبلغ النكاح، ولا أقل من الدخول وإن لم يُنزل خلافاً لصاحب الجواهر (قده) حيث إشترط الإنزال (جواهر الكلام 32 – 159) [3] وذلك لكونه الفرد الأكمل من اللذة وذوق العسيلة.

ولا يخفى عليك، أن ذوق العسيلة يتحقق بمجرد الدخول ولو بأقل مراتبه كما لو أدخل مقدار الحشفة، وربما لأجل ذلك كان التعبير بتصغير العسل الى عسيلة، فهو من قبيل التشبيه للذة الجماع بذوق العسل، كما ذكر صاحب مجمع البحرين (2 – 1215).

وروايات الذوق عديدة منها

-(محمّد بن يعقوب، بأسانيده السابقة، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، يعني المرادي، قال: قلت لابي عبدالله (عليه السلام): المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره، قال: هي التي تطلق، ثمّ تراجع ثمّ تطلق، ثمّ تراجع، ثمّ تطلق الثالثة، فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، ويذوق عسيلتها)[4] .

-(وعن سماعة بن مهران، قال: سألته عن المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره، وتذوق عسيلته، ويذوق عسيلتها، وهو قول الله عزّ وجلّ: (الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان)، قال: التسريح باحسان: التطليقة الثالثة)[5] .

وأيضاً:

–(محمّد بن الحسن بإسناده، عن صفوان، عن ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: فإذا طلقها ثلاثاً لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فإذا تزوجها غيره، ولم يدخل بها، وطلّقها، أو مات عنها، لم تحلّ لزوجها الأوّل، حتّى يذوق الاخر عسيلتها)[6] .

–(وعن زرعة، عن سماعة، قال: سألته عن رجل طلّق امرأته، فتزوجها رجل آخر، ولم يصل اليها حتى طلقها، تحل للاول؟ قال: لا، حتى يذوق عسيلتها)[7] .

وأيضاً

–(محمّد بن يعقوب، عن الرزاز، عن أيوب بن نوح، وعن أبي علي الاشعري، عن محمّد بن عبد الجبار، وعن محمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، وعن حميد بن زياد، عن ابن سماعة كلهم، عن صفوان، عن موسى بن بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته تطليقة، ثمّ يراجعها بعد انقضاء عدتها: فاذا طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فاذا تزوجها غيره ولم يدخل بها، وطلقها أو مات عنها لم تحل لزوجها الأوّل حتى يذوق الآخر عسيلتها)[8] .

هذا ويمكن أخيراً بعد مناقشة الروايات في المقام والخدشة في وجه دلالتها، يمكن حينئذ التمسك بالإستصحاب لإثبات بقاء الحرمة؛ بالإضافة الى أنه لو قلنا بأن ذوق العسيلة مرددٌ بين الجماع وبين الإنزال، فإن الأول معلوم دون الثاني فهو مشكوك فينفى بالأصل، وعند التأمل في روح شريعة، نجد بأن النصوص الشرعية إشترطت توفر المُحللِّ لرجوع المطلقة ثلاثاً الى زوجها الأول والمحلل كما هو الظاهر فيه أن بيده الزواج والطلاق والقدرةعلى النكاح والأول والثاني منتفيان في الصغير غير البالغ إلا بمعونة الولي ولا طلاق للولي إلا ليبلغ الصغير وفيه تجشم وتكلف وأما الثالث فمنتفي فيه تكويناً وعليه فإشتراط البلوغ متعين. ولكن مع هذا فالإحتياط حسنٌ لإحتمال إرادتهما معاً.

وأما الشرط الثاني: (أن يطأها قُبلاً وطأ موجباً للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، بل كفاية المسمى في مقطوعها . . .) .

فإن تم الإجماع الذي عليه المسلمون عدا سعيد بن المسيب، أو تم ما عليه ظاهر الروايات المتقدمة في المسألة السابقة من (ذوق العسيلة) الواضح إنصرافها الى خصوص النكاح قبلاً، أو تم الهدف والغاية من التحليل لكونه عقوبة للزوجة على ما عملت من عملٍ يوجب طلاقها ولا تحل إلا بوطئها قُبلاً خصوصاً مع صيرورة أمرها راجعة اليه، من الممكن أن لا يطلقها أبداً.

وإلا فالمسألة محل إشكال ونظر وذلك لإطلاق النصوص العديدة في إعتبار (الدبر أحد المأتيين) (ئل ب 12 من أبوب الجنابة)

وإما الإحتياط الوجوبي الوارد في المتن فقد يُقال بأنه لا وجه له وذلك وإن كان هو الفرد الأكمل من تحقق اللذة وذوق العسيلة إلا أنه غير متجه لكفاية الدخول في تحقق ذوق العسيلة وإن كان بأقل مراتبها وتقدم الكلام في ذلك فراجع.

وأما القول الماتن (قده) في كفاية تحقق الجماع بمقدار الحشفة وذلك لأن الدخول بمقدارها يحقق الذوق المذكور وإن لم يبلغ أقصاه ومع ذلك فالأمر مشكل ينبغي مراعاة الإحتياط.

وأما الإشتراط في كون العقد دائماً لا متعة (منقطع) .

فهذا ممّا أُدعي عليه الإجماع، ولكون الطلاق متفرِّع على النكاح وعليه النصوص العديدة منها

–(محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن عبد الكريم، عن الحسن الصيقل، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وتزوجها رجل متعة، أيحل له أن ينكحها ؟ قال: لا، حتّى تدخل في مثل ما خرجت منه)[9] . –(وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال: سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثاً، ثمّ تمتع فيها رجل آخر، هل تحل للاول ؟ قال: لا)[10] .

–(محمّد بن الحسن بإسناده، عن عليّ بن الحسن بن فضال، عن محمّد بن عبدالله بن زرارة، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل تزوج امرأة، ثمّ طلقها فبانت، ثمّ تزوجها رجل آخر متعة، هل تحل لزوجها؟ قال: لا، حتى تدخل فيما خرجت منه)[11] .

–(أحمد بن محمّد بن عيسى في (نوادره): عن ابن أبي عمير، عن حماد عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته على السنة فيتمتع منها رجل، أتحل لزوجها الأوّل؟ قال: لا، حتّى تدخل في مثل الذي خرجت منه)[12] .

وإطلاق النصوص لا تفرِّق بين كون المحلِّل حراً أو عبداً ومنها:

–(محمّد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد ابن محمّد بن أبي نصر، عن المثنى، عن إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته طلاقاً لاتحل له حتى تنكح زوجاً غيره، فتزوّجها عبد، ثمّ طلّقها، هل يهدم الطلاق؟ قال: نعم؛ لقول الله عزّ وجلّ في كتابه: (حتى تنكح زوجاً غيره)، وقال: هو أحد الازواج)[13] .

 

كما أن ظاهر النصوص تصديق المطلقة ثلاثاً إذا إدعت أنها تحللت من آخر وإكتملت عدتها فيما لو كانت موثوقة. ويدل عليه:

–(محمّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في رجل طلق امرأته ثلاثاً فبانت منه، فأراد مراجعتها، فقال لها: إني اريد مراجعتك، فتزوجي زوجاً غيري، فقالت له: قد تزوجت زوجاً غيرك، وحلّلت لك نفسي، أيصدِّق قولها ويراجعها؟ وكيف يصنع؟ قال: إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها)[14] .

ويمكن التمسك بعمومات الادلة عن النبي (ص) التي تفيد تصديقهن.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo